غريزة الأمومة: عندما منحني طفلي الحياة

1417

بقلم: فيفيان مجدي

يقول علماء في جامعة ولاية لوزيانا، إنهم ربما اكتشفوا دليلاً ماديًا على أن النساء يملكن بالفعل غريزة الأمومة حيث وجدت دراسات جديدة أن مجموعة من خلايا الدماغ لدى الفئران الإناث أصبحت نشيطة عندما تعرضت لهرمون الحب “الأكسيتوسين”، كما كشف العلماء أن الأمر نفسه لم يحدث مع الفئران الذكور، حيث يُعتقد أن الخلايا هذه توجد في منطقة الدماغ التي يُعتقد أنها تنظم سلوك الأمومة.

أردت أن يكون مدخلي في هذا المقال حول شيء مادي ربما يكون قادرًا على شرح مفهوم غريزة الأمومة. أخذت وقتًا طويلاً في محاولة الإجابة عن عدة أسئلة: من أكون؟ كيف ظهرت لدي خبرة كبيرة في فن التعامل مع طفلي الذي لا يتجاوز عمره عامًا ونصف؟ ما هذا الترابط المريب الذي كاد يصل بي إلى حافة الجنون؟ هل لديَّ فرط في المشاعر؟ ماذا يحدث في مشاعري التي أصبحت هادئة ورقيقة ومسالمة على عكس طبيعتي تمامًا؟ ما هذا السلام النفسي الذي بدأ يسري في شراييني؟ هل بدأت في مرحلة الاكتئاب الذي يسبق عاصفة التمرد علي حياتي الحالية؟ هل مستقبلي المهني انتهى وبدأ مستقبلي المنزلي الذي لا يحث على الطموح والأمل؟ هل أنا جديرة بالثقة لأكون أمًا؟

بدأت في ترتيب أفكاري، وبحثت كثيرًا في محاولة لفهم ماذا يحدث لي، وها أنا في هذه السطور أكتب تجربتي كاملة بدون شعارات واهية.

بدأ الأمر منذ علمي بأنني سأُنجب طفلاً، مرحلة كبيرة من التوتر تلتها مرحلة من الصمت ثم مرحلة من البكاء الهستيري بمفردي، لم أكن قادرة على مواجهة حقيقة أنني سأكون أمًا، إنها مهمة صعبة وسخيفة ويلمؤها التوتر والصوت العالي والخلافات ومسؤولية كبيرة، لحظة سماعي لصوت طفلي في غرفة الولادة شعرت كأن هناك جزءًا من قلبي قد تم انتزاعه، وأنه يبكي وينتفض ليعود مرة أخرى بداخلي.

طبيبي وجدني في غرفة العمليات أضحك بشكل هستيري وأنا تحت تأثير البنج النصفي، ولكن لا أحد كان يعلم أن هناك حالة من الشوق والخوف ومعها حب، ولدت مع الجنين من رحم قلبي. ظلت مخاوفي تزداد، وكنت كثيرًا ما أجهش في البكاء من الإحساس بالوحدة والمسؤولية والألم، كنت حرفيًا على حافة الانهيار، رغم السكون الذي كان يظهر على وجهي الشاحب وجسدي المتهدل وقدمَي المنتفختين، كنت أحتضنه كثيرًا، وكنت أشعر أنه يعلم ما يدور في عقلي، لكنني كنت مخطئة، فهو كان يشعر بما يدور في قلبي.

مع مرور الشهور وحينما بدأ ينتبه ويتعلم ويتجاوب معي، أدركت أن هناك شيئًا في قلبي يحتضنه بشدة، لا أعلم ما هو، ولكن من شدة احتضاني له كنت أسمع عظامة تئن وتطقطق، من ثم يحتضنني أثناء النوم وكأنه يرد لي كل الأحضان التي قدمتها له دون وعي، يستطيع التفرقه بين يدي وأي يد أخرى حتى أثناء نومه، فهو يعلم كيف أربت على كتفه وكيف أُقبل جبينه، يشعر بيدي حتى وإن كانت ساخنه جدًا من حرارة الجو ويدفئني في البرودة، شعرت أن بداخلي شيء لا يمكن للكلام أن يعبر عنه، هنا فقط أدركت لماذا أمي كانت دائمة الخوف عليَّ، وتيقنت أنها لا تريد سوى أن تحتضنني مثلما كانت تحتضنني في طفولتي، هنا فقط أدرك قلبي معنى غريزة الأمومة.

ولحسن حظي أن طفلي لديه لغة حب مميزة جعلتني أقول “أشعر أن لا أحد في الكون يحبني مثلما يحبني هو”. طفلي لديه التلامس الجسدي أهم لغة من لغات الحب وأكثرها أمانًا بالنسبة لي وله، والتي بدأت في النمو لدرجة جعلتني أشعر أن الارتباط أصبح حتى في أحلامنا، تذكرت حينما كنت فتاة صغيرة وأرى طفلاً متمسكًا بوالدته وكأنه لا يريد أحد آخر في الكون سواها، وكنت أشعر بالغيرة على هذا الحب غير المشروط، حتى مررت أنا بهذا الحب في طريق الحياة، فحينما أحاول أن أبتعد عنه وهو في عمق نومه ينتفض باحثًا عن يدي ويجذبها نحوه ليستمر نومه في سلام.

بدأت في تنمية التلامس الجسدي معه، حتى تمكن من فهم طبطبة يدي على كتفه، ومتى أكون غاضبة من تصرف خاطئ، أصبحت هناك لغة بيني وبينه أنهت الخوف من تجربة الأمومة، أعتقد أنني مرهقة ولا آخذ كفايتي من النوم، فأنا لا أكف عن النظر إلى وجهه وأنا أتساءل كيف أصف غريزة الأمومة.

رسالتي لكل أم: لا تبخلي في إظهار مشاعرك وأحضانك لطفلك، احتضني أطفالك بقوة واجعليهم يشعرون بمحبتك، والأحضان ليست الجسدية فقط، فلغات الحب لدى الأطفال منها التلامس الجسدي وكلمات التشجيع وإعطاؤهم الوقت الكافي على قدر احتياجهم أو الهدايا أو أن تقدمي لهم مساعدات خدمية، حتى إن كانوا قادرين على لبس الحذاء ولكن يحتاجون أحيانًا إلى الدلال عليكِ. فكوني على قدر احتياجهم لكِ.

خلال عام ونصف هي حياة ابني في منزلنا ، ظهرت لي فرص جديدة للحياة، تلك الفرص التي تُمنح تغير شكل الكون، ربما منحني الله الأمومة، لكني واثقه أن لكل منا هبة من السماء لها رونقها ولها تأثيرها الإيجابي ولها نقاط نور خاصة لتضيء لنا الحياة. ختامًا أدعو أن يطيب الله قلوب النساء ويعطيهن من خيراته التي لا تحصى وأن يسمع دعواتهن لخوض تجربة الأمومة المؤلمة المبهجة. نصيحتي لكل النساء لا تيأسن أبدًا من مراحم السماء، الله يعطي كل شيء في الوقت المناسب، وما أجمل الاستعداد للمغامرة!

اقرأ أيضًا: الأمومة بين كتب التربية الحديثة وصراعات الواقع

المقالة السابقةفي عيد ميلادي: هديتي لنفسي مفاجأة سارة جدًا
المقالة القادمة نحن في أعين الآخرين
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا