يختلط الأمر على البعض بين الاكتئاب وكرب ما بعد الصدمة، وهناك من يعتقد أنهما وجهان لاضطراب واحد، أو أن هناك تشابهًا بين أعراض كل منهما، ولكنهما مختلفان تمامًا في كل من طبيعة الاضطراب والأسباب والأعراض والعلاج ايضًا.
الاكتئاب
طبيعة المرض
الاكتئاب مرض انفعالي، يدور حول تفاعل الفرد مع الحياة بمشاعر سلبية زائدة عن الطبيعي ولفترات طويلة، أي أنه اضطراب مزاجي يصيب المشاعر في المقام الأول، فيكون الحزن واليأس والألم النفسي مشاعر سلبية مصاحبة للمريض في كل مجالات حياته.
أسباب الاكتئاب
تختلف أسباب الاكتئاب، ولكنها ترجع إلى نمط التربية الذي تعرض له الفرد، وقدرته على التعامل مع المشاعر السلبية المختلفة، كالإحباط والفشل وخيبة الأمل والشعور بالذنب والوحدة، فمريض الاكتئاب يفتقر إلى المهارات الحياتية والمتانة النفسية اللازمة، التي تساعده على تقبُّل تلك المشاعر وتحمُّلها والتعامل معها بشكل صحي دون الوقوع فريسة لها.
كتلك السيدة التي تعاني من حالة حزن مستمرة لمدة عامين، لا تستطيع القيام بدورها في العمل أو كأم لأولادها، لجأت لمعالج نفسي بعد أن كانت تشكو من أوجاع جسدية ليس لها سبب طبي. بالإضافة إلى أفكار تشاؤمية تمنعها من الشعور بالمتعة في أي شيء تقوم به، وشعورها بالفشل واليأس يعوقها عن القيام بمسؤوليتها بشكل كافٍ، ويتسببان في جلد ذاتها بشكل مبالغ فيه. تم تشخيصها مريضة اكتئاب تحتاج إلى علاج دوائى ونفسي.
الأعراض
- اضطرابات في النوم والأكل
- مزاج كئيب
- مشاعر سلبية كالإحباط والشعور بالذنب والدونية
- عدم القدرة على الشعور بالمتعة
- فقدان التركيز
- التجنب والوحدة
- أفكار تشاؤمية وانتحارية
- أوجاع جسدية
كرب ما بعد الصدمة
طبيعة الاضطراب
يصنف كرب ما بعد الصدمة نوعًا من أنواع القلق، أي أنه اضطراب يكون المحرك الأساسي له هو أفكار الفرد عن نفسه أو عن العالم المحيط به، وهو الاضطراب الذي يحدث بعد تعرض الفرد لصدمة، والصدمة هنا عبارة عن حدث مفاجئ غير متوقع الحدوث، ويهدد شعور الفرد بالأمان أو يصيبه بالأذى، مما يؤدي إلى شعور الفرد بالتهديد والخوف والقلق، تلك المشاعر التي ينتج عنها ظهور أفكار غير صحية لدى المريض، حتى يستطيع التأقلم مع الألم والتهديد اللذين تعرض لهما.
التعرض لصدمة هو السبب الوحيد للإصابة بكرب ما بعد الصدمة وليس كل من تعرض لصدمة مصاب
الأسباب
يعتقد البعض أن التعرض لصدمة هو السبب الوحيد لظهور اضطراب كرب ما بعد الصدمة، ولكن ليس كل من تعرض لصدمة مُعرَّضًا لهذا الاضطراب، ولذلك هناك أسباب أخرى تزيد فرص الاستعداد المرضي:
- خبرات اجتماعية مسيئة تدعم الشعور بعد الأمان.
- عدم الشعور بالاستقرار الأسري.
- كلما كان العمر أصغر كان أثر الصدمة أكبر.
- فقر المهارات الحياتية التي تساعد الفرد على التعايش والتأقلم مع الأحداث الصادمة.
- التعامل مع الحدث الصادم بشكل غير صحي، مثل إنكار أثر الحدث على الفرد، أو رفض المشاعر السلبية المصاحبة للحدث وكبتها.
أعراض كرب ما بعد الصدمة
تنقسم أعراض اضطراب كرب ما بعد الصدمة إلى ثلاث مجموعات أساسية:
- إحياء الحدث الصادم: أي إعادة تصور الحدث بأكثر من شكل، مما يثير مشاعر المريض تجاه الحدث.
- التجنب: وهو تجنب أي شيء يذكر المريض بالحدث، مثل أماكن أو أشخاص، وكبت المشاعر المتعلقة بالحدث.
- الاستثارة المفرطة: فأي شيء قد يُذكِّره بالحدث يتعامل معه بعصبية زائدة، وهذا العرض يكون ظاهرًا جدًا في سلوكه، إذا ما قورن بسلوكه قبل الحدث.
أعرف تلك السيدة التي لجأت إلى معالج نفسي، حيث تشكو من عدم قدرتها على السيطرة على غضبها في معاملاتها مع أي شخص يتعامل مع طفلتها، وأنها تمارس سلوكيات مبالغ فيها لحماية طفلتها، لدرجة منعها من الذهاب إلى المدرسة، وعندما حكت تلك السيدة قصتها، اتضح أنها فقدت طفلاً رضيعًا بعد إصابته بحمى شديدة، وأدت مضاعفات الحمى إلى الوفاة، وذلك قبل ولادة طفلتها الحالية بعامين. تم تشخيص السيدة كمريضة كرب ما بعد الصدمة.
طرق العلاج
تختلف أيضًا طرق العلاج، فالاكتئاب يعتمد علاجه على تعليم الفرد كيفية التعامل مع مشاعره السلبية، وتغيير أفكاره التشاؤمية، وتصحيح صورته الذاتيه عن نفسه، فيما يخض قيمته وكفاءته، للوصول به إلى حالة من السكينة، واكتساب مهارات حياتية.
أما فيما يخص كرب ما بعد الصدمة، فيهدف العلاج إلى تفريغ الصدمة بشكل صحي وغير ضاغط على المريض، ويبدأ بحكي الأحداث، ثم يتدرج إلى الأفكار والمشاعر المتعلقة بالحدث الصادم، ويحدث هذا التفريغ خلال عدة جلسات علاجية وبطرق مختلفة، منها: الحكي بخطوات التفريغ، الكتابة، تكنيكات السيكودراما، أو من خلال جهاز EMDR أي العرض البصري التسلسلي. وذلك لمساعدة المريض على مواجهة مشاعره الناتجة عن الحدث الصادم والتعبير عنها بشكل صحي، وبالتالي ينعكس على سلوكياته السلبية أو التجنبية التي تغيرت نتيجة للصدمة.
بهذا الشرح يتضح الفارق الكبير بين كل من الاكتئاب وكرب ما بعد الصدمة، فلا يوجد أي تشابه في طبيعة المرض ولا في شكل ظهوره على المريض، ولكي نكون أقرب إلى الواقع فالفيصل دائمًا هو “متى بدأ المرض؟ ولماذا؟”. فالتوقيت الذي ظهر فيه المرض في أعلى درجات شدته، والأحداث التي ساعدت على استمراره، كلاهما عاملان مهمان في التشخيص والعلاج.