مع انتشار فيروس كورونا في العالم أجمع، نمر بظروف نختبرها لأول مرة في حياتنا. تحول الكوكب إلى سجن كبير لقاطنيه. ضاقت علينا الأرض بما رحبت. حياتنا تتغير بشكل جذري، والأمور تسير بوتيرة متسارعة. المجهول سيد الموقف.
يصبح الخوف مرضيًا عندما يعوقنا عن القيام بمسؤولياتنا، ويتسبب لنا في المعاناة النفسية والنسيان وفقدان التركيز. وأحيانًا يؤدي الهلع إلى أعراض جسمانية
الخوف في زمن الكورونا
نختبر مشاعر حادة، مختلطة، متضاربة. نخشى الوحدة والفقد والموت. ويسيطر علينا الخوف على أنفسنا وأحبائنا من المرض. قد نتوهم المرض عند ظهور أقل عرض. نشعر بالقلق إزاء المستقبل وإزاء قدرتنا على تدبر معيشتنا. وقد يعاني بعضنا من مشكلات في النوم أو الشهية. وربما يدفع الخوف بعضًا منّا إلى اللا مبالاة وفقدان الشعور. وينكر البعض وجود خطر من الأساس ويرفض اتخاذ الإجراءات الاحترازية للوقاية من فيروس كورونا.
بعض الاضطرابات النفسية قد تستثار أو تتضخم بما في ذلك اضطرابات المزاج، والقلق، وكرب ما بعد الصدمة. قد يشعر البعض بالذنب أو بالمسؤولية الزائدة تجاه حماية من يحب من العدوى. يشعر بعضنا بالغضب من السلوكيات غير المسؤولة للبعض، أو من الحكومة، وربما من الله. ويشعر البعض بالإحباط بسبب الخطط التي تبدلت، وبالتيه في ظل المجهول والتغيرات السريعة. الأيام تكرر نفسها بشكل ممل. ومع كل تلك المشاعر المزعجة، قد نشعر أحيانًا بالطمأنينة والتسليم بقضاء الله.
اقرأ أيضًا: 7 نصائح لاستعادة الهدوء في مواجهة كورونا
متى يصبح الخوف مرضيًا؟مواجهة كورونا
يوضح د. عماد الغمراوي، أخصائي الطب النفسي، أن الخوف رد فعل طبيعي لحدث غير اعتيادي. فهو شعور غريزي هدفه تنبيهنا ودفعنا لحماية أنفسنا من الخطر. يصبح الخوف مرضيًا عندما يعوقنا عن القيام بمسؤولياتنا، ويتسبب لنا في المعاناة النفسية والنسيان وفقدان التركيز. وأحيانًا يؤدي الهلع إلى أعراض جسمانية كالصداع الحاد، واضطرابات القولون، والإسهال، والإمساك، والمغص. قد يؤدي كذلك إلى صعوبة التنفس، وآلام الصدر، وسرعة دقات القلب، والخمول، والإجهاد المستمر.
ويضيف د. محمد المهدي، الطبيب النفسي، أن الخوف الزائد يستحث الجسم على إطلاق شلالات من الكورتيزول (هرمون الضغوط) الذي يضعف المناعة. وإذا طالت الأزمة، يؤثر الكورتيزول في نسبة الناقلات العصبية بالمخ، مما يؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب. والاكتئاب أيضًا من أشد أعداء جهاز المناعة.
اقرأ أيضًا: الساخرون من كورونا: استهتار أم حيل دفاعية
كيف تواجه الخوف والقلق من فيروس كورونا؟
الوعي بالحاضر ينزع الإنسان من الأفكار السلبية، ويجعله واعيًا بجسده وبما يحيط به من بشر وألوان وأصوات وروائح. وهذا يهدئ العقل والجهاز العصبي والجسد، ويساعدنا على السكون.
إن صحتنا النفسية ليست رفاهية، فهي من أهم أسلحتنا في مواجهة فيروس كورونا الشرس. فكيف تدير مشاعرك وتحافظ على هدوئك النفسي في هذا الوقت الصعب؟
1. رشد تعرضك للأخبار واحصل على المعلومات من مصادر موثوقة
يؤدي التعرض المستمر للأخبار إلى سهولة الاستثارة النفسية hypervigilance. لذا قلل الوقت الذي تقضيه أمام برامج الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي. الغِ متابعة الصفحات والأصدقاء الذين تتسبب منشوراتهم في شعورك بالتوتر. أزل تطبيقات التواصل الاجتماعي أو أوقف الحصول على الإشعارات منها على هاتفك. كما يمكنك الحصول على أخبار ومعلومات من منظمة الصحة العالمية عن فيروس كورونا عبر واتساب.
2. استكشف مشاعرك وعبِّر عنها
عندما نتجاهل مشاعرنا تأخذ أكبر من حجمها وتؤثر في تصرفاتنا دون أن يكون لنا تحكم فيها. أما عندما تسمي مشاعرك (خوف، ملل، غضب… إلخ)، فيمكنك فحص الأفكار الكامنة وراءها والتعامل معها. فمثلاً عندما تكون خائفًا من الإصابة بالعدوى، يمكنك أن تحدد ما إذا كان خوفك له مبرر. وبعدها يمكنك أن تفكر كيف تحمي نفسك من العدوى. وهكذا مع باقي المشاعر والأفكار. عبر عن مشاعرك بالكتابة أو الرسم، أو التحدث مع أحد المقربين أو معالج نفسي. فهذا يخفف منها كثيرًا ويقلل من سطوتها عليك.
3. اقبل الواقع واقبل مشاعرك
قبول الواقع يعني التمييز بين ما يمكنك تغييره وما لا يمكنك تغييره، والتركيز على ما يمكنك التأثير فيه. قبول المشاعر يعني عدم تعجل زوالها، وعدم الحكم عليها. لا تلُم نفسك على مشاعرك. لا تحكم على نفسك بضعف الإيمان لأنك تشعر بالخوف من المستقبل. ولا تصف نفسك بالجاحد لأنك مللت المكوث بالمنزل بينما يعيش غيرك ظروفًا أصعب… إلخ.
4. زود مرونتك النفسية
سنواجه فيروس كورونا بالأنشطة المبهجة. يشبه د. عماد الغمراوي طاقتنا النفسية برصيد في البنك. إذا ظللت تسحب منه دون إيداع، فسوف ينفد. لذلك تحتاج إلى شحن طاقتك النفسية عن طريق ممارسة الأنشطة التي تستمتع بها. بإمكانك مثلاً مشاهدة الأفلام الكوميدية، أو الاستحمام، أو تنظيف وترتيب المنزل. قد تفضل أشغال الإبرة، أو الكتابة، أو التمشية، أو تأمل الطبيعة، أو قضاء وقت مع أسرتك. يمكنك كذلك مساعدة الآخرين بالصدقات أو تطهير مقابض الأبواب وأزرار المصعد بالعقار الذي تقيم فيه. تجد هنا قائمة بأكثر من 180 نشاطًا سارًّا، اختر منها ما يمكن ممارسته بالبيت.
كما أن بعض المنصات الإلكترونية مثل شاهد بدأت تطرح الأفلام والمسلسلات والبرامج مجانًا. ولمحبي القراءة، فإن إصدارات الهيئة المصرية العامة للكتاب متاحة للتحميل مجانًا. وتعرض دار الأوبرا المصرية حفلاتها عبر الموقع الإلكتروني. كما تطرح عدة مواقع مثل إدراك مساقاتها مجانًا.
5. كن واعيًا باللحظة الحاضرة (اليقظة الذهنية Mindfulness)
أهم شيء عند ممارسة الأنشطة السابقة أن تكون حاضرًا هنا والآن، مستغرقًا بالكامل فيما تقوم به. قم بتشتيت الأفكار السلبية والأحكام مثل: “هو ده وقت أعمل كذا وإحنا في وباء! أنا مش مطمن على أهلي، إزاي أنبسط وناس تانية مش مبسوطين! أنا معملتش حاجة تستاهل أبسط نفسي… إلخ.” لاحظ الفكرة ودعها تمر بسلاسة.
يشرح د. محمد المهدي أن العقل تجتاحه من 60000 إلى 80000 فكرة في اليوم. أغلب هذه الأفكار سلبية متصلة بالماضي أو المستقبل. الوعي بالحاضر ينزع الإنسان من هذه الأفكار، ويجعله واعيًا بجسده وبما يحيط به من بشر وألوان وأصوات وروائح. وهذا يهدئ العقل والجهاز العصبي والجسد، ويساعدنا على السكون والثبات Grounding.
من تمارين الاسترخاء التي يمكنك ممارستها، تمرين المكان الآمن أو التخيل الموجه Safe place guided imagery:
- اختر مكانًا هادئًا آمنًا خاليًا من المشتتات.
- اجلس أو استلقِ على ظهرك في وضع مريح.
- اشعر بقدميك على الأرض، وبظهرك على المقعد أو الفراش.
- أغمض عينيك أو ثبتهما على نقطة معينة منعًا للتشتت.
- خذ نفسًا عميقًا واملأ صدرك بالهواء، وأخرجه ببطء، ثم تابع نفسك الطبيعي.
- تخيل مكانًا تحبه (بحر، حديقة، دار عبادة… إلخ). اجعل الصورة حية مستخدمًا كل حواسك. تخيل المناظر، الألوان، الوقت، الروائح، الأصوات، الملامس.
- عندما تكتفي من التمرين، تخيل كأنك تلتقط صورة للمشهد من علٍ.
- خذ نفسًا عميقًا وأخرجه ببطء.
- إذا كنت مغمضًا عينيك فافتحهما ببطء وابدأ بالنظر حولك في هدوء.
في هذا الفيديو، يقدم د. عماد الغمراوي نموذجًا لتمرين الخيال الموجَّه:
6. ضع خطة مرنة
تجنب مراجعة الأخبار أو أي شيء يسبب لك التوتر قبل النوم. واستبدله بروتين يساعدك على الاسترخاء والهدوء
ربما يصعب التخطيط في ظل الظروف المتغيرة التي نعيشها، ولكن وجود أهداف يزود طاقتنا ويحفزنا على تجاوز الصعاب. هذه الأهداف قد تكون تعليمية ودراسية، أو مهنية، أو مادية، أو صحية، أو اجتماعية، أو روحية.
7. اعتنِ بجسمك
إننا أحوج ما يكون الآن للاعتناء بأجسامنا، لتقليل التوتر، وتقوية مناعتنا في مواجهة فيروس كورونا. لذلك، احرص على الحصول على قسط وافر من النوم. وتجنب مراجعة الأخبار أو أي شيء يسبب لك التوتر قبل النوم. واستبدله بروتين يساعدك على الاسترخاء والهدوء. اهتم كذلك بتناول الطعام الصحي، وممارسة الرياضة أو الرقص. ويمكنك مراجعة الطبيب إذا كنت تعاني من مشكلات في النوم أو الشهية.
8. اطلب المساعدة النفسية المتخصصة
كثير من الأطباء والمعالجين النفسيين بدؤوا في تقديم جلسات فردية ومجموعات دعم عبر الإنترنت. ويقدم شيزلونج جلسات نفسية متخصصة عبر الموقع الإلكتروني. كما أن هناك صفحات للتوعية النفسية باللغة العربية.
9. عمّق علاقتك بالله
الجانب الروحاني من أقوى الركائز التي يمكن أن نستند إليها وقت الأزمات. لا توجد وصفة جاهزة أو موحدة للجميع. فلكل منا علاقة فريدة مع الله. استشعر ما يميل إليه قلبك واتبعه. الطرق إلى الله لا نهائية وتتنوع ما بين الصلاة والدعاء والتأمل ومساعدة الآخرين وغير ذلك.
استشعر أن الموقف رغم صعوبته، فإنه فرصة ثرية لمراجعة أنفسنا وحياتنا. ثوابتنا تهتز ومعتقداتنا تتغير. نكتشف في أنفسنا وفيمن حولنا وفي علاقاتنا أشياء جديدة. فإذا نجحنا في التكيف مع تلك الظروف، فبإمكاننا تحسين نوعية وجودنا بعد أن تزول المحنة. والمحنة مهما طالت، فلن تدوم إلى الأبد.
اقرأ أيضًا: الحب في زمن الكورونا: صور الفرج والرحمة من قلب الكارثة
بصراحه ممتاز جدا
وشكرا على الكلام الجميل
بالتوفيق انشاء الله
الله يكرمك يا أستاذ وليد
سعيدة بتعليق حضرتك
مقال هايل الحقيقة وكله أفكار مفيدة
اسمحيلي استعين بيه لو اتكلمت مع مجموعة عن نفس الموضوع
اه طبعا اتفضل
أرجو ذكر المصدر بس