تأثير العنف الأسري على الأطفال: نفسيًا وصحيًا وعقليًا

3787

يوميًا نقرأ عن العنف الأسري الموجه ضد الأطفال، حوادث بشعة انتهاكات مأساوية في جميع أنحاء العالم، كآباء ومقدمي رعاية نستنكر ما يحدث ونتساءل كيف لأحد أن يفعل مثل تلك الأفعال، لكن هل خطر في بالك أن تكون أنت أيضًا حلقة في سلسلة العنف الموجه لطفلك؟

العنف تحت مظلة التربية

عند ذكر مصطلح “العنف الأسري” عادة يتبادر للأذهان نماذج كالاعتداء الجنسي وزواج الأطفال والختان وعمالة الأطفال. يتغافل الكثيرون عن العنف غير الصريح الذي يمارسه البعض في حق أطفالهم تحت مظلة التربية، فيما يعرف باسم التأديب العنيف، ومدى تأثير هذا العنف على الأطفال.

نحو 87% من إجمالي الأطفال عينة دراسة المجلس القومي للمرأة ويونيسيف مصر، ضحايا للعنف النفسي، و60% منهم ضحايا للعنف الجسدي.

ما هو التأديب العنيف؟

الشكلان الرئيسيان للتأديب العنيف هما العقاب البدني والعنف النفسي. وفقًا لليونيسف، يشير التأديب الجسدي، المعروف أيضًا باسم “العقوبة البدنية” إلى أي عقوبة تُستخدم فيها القوة البدنية، لإحداث أي درجة من الألم أو عدم الراحة. ويشمل على سبيل المثال: القرص أو الضرب أو الضرب باليد. ويشمل التأديب النفسي العنيف استخدام العدوان اللفظي، والتهديد، والترهيب، والتشهير، والسخرية، والذنب، والإذلال، ونبذ الحب أو التلاعب العاطفي للسيطرة على الأطفال.

ما مدى شيوع التأديب العنيف في المنازل؟

يعتمد العديد من مقدمي الرعاية على استخدام الأساليب العنيفة ضد الأطفال، لمعاقبة السلوكيات غير المرغوب فيها وتشجيع السلوكيات المرغوبة. في عام 2015 قام المجلس القومي للمرأة بالتعاون مع يونيسيف مصر بإجراء دراسة للوقوف على حجم ونمط العنف الجسدي والنفسي والنوعي، الذي يتعرض له الأطفال في مصر، في محافظات القاهرة والإسكندرية وأسيوط. كشفت الدراسة أن نحو 87% من إجمالي الأطفال عينة الدراسة ضحايا للعنف النفسي، و60% منهم ضحايا للعنف الجسدي.

ما هو العنف النفسي ضد الأطفال؟

العنف النفسي هو سلوك متعمد ينقل للأطفال رسالة سلبية بأنهم عديمو القيمة، أو مليئون بالعيوب أو غير محبوبين، أو غير مرغوب فيهم، أو مهددون بالخطر، أو أن قيمتهم مشروطة بمدى تلبيتهم لاحتياجات الآخرين.

يمكن أن يتخذ العنف النفسي شكل الإهانات أو السب أو التجاهل أو العزل أو الرفض أو التهديد أو اللا مبالاة العاطفية. كما يمكن أن يتضمن اللوم والتقليل من الشأن والإهانة والتخويف والترهيب والعزل.

بمعنى أن العنف النفسي هو سلوك يضر – في الحال أو المستقبل- باحتياجات نمو الطفل ويهملها، مما قد يتسبب في ضرر نفسي أو عاطفي للطفل. كذلك فإن مشاهدة العنف المنزلي يمكن تصنيفها باعتبارها تعرض لعنف نفسي.

شريحة كبيرة من مقدمي الرعاية والآباء لا يعون تأثير العنف الأسري على الأطفال ومدى الضرر الذي تلحقه مثل تلك الأساليب في نفسيتهم. نسبة كبيرة منهم لا يستخدمون تلك الأساليب بنية متعمدة لإلحاق الضرر، إلا أن النوايا الطيبة لا تجدي في مثل تلك المواقف. التعرض للتأديب العنيف أمر مرفوض في جميع المراحل العمرية للطفل، وفي سن مبكرة يمكن أن يكون ضارًا بشكل خاص، نظرًا لزيادة احتمالية حدوث إصابات جسدية، وكذلك عدم قدرة الأطفال على فهم الدافع وراء هذا العنف غير المبرر.

تأثير العنف على الطفل جسديًا ونفسيًا وعقليًا

نشرت المكتبة الأمريكية للطب بحثًا على موقعها، يشير إلى تأثير العنف على الأطفال على المدى البعيد، على صحتهم الجسدية والعقلية والنفسية. مشيرة إلى أن الضغوط التي يتعرض لها الطفل خلال طفولته قد تتسبب في حدوث تغييرات بيولوجية، تؤثر بشكل تراكمي في المؤشرات الحيوية للطفل، وعلى جهاز المناعة، وتتسبب بارتفاع مخاطر الإصابة بأمراض القلب وأمراض التمثيل الغذائي، وأمراض المناعة والسكتة الدماغية وحتى الخرف.

يمتد تأثير العنف في مرحلة الطفولة المبكرة إلى تعطيل التوازن في الأنظمة البيولوجية، مما يؤدي بدوره إلى تعطيل النمو الطبيعي للدماغ، مما يؤثر على معدل الذكاء، والتي تنتج بدورها عجزًا ملحوظًا في قدرات التعلم والذاكرة والانتباه لدى الأطفال المعنفين

السلامة العقلية للطفل المُعنَّف

يظهر تأثير العنف في الطفولة بشكل واضح على الجوانب العقلية للطفل، من خلال عدة مؤشرات، أهمها نتائج الاختبارات العصبية النفسية، والنتائج الصحية العصبية، والتي تعتبر مؤشرات حساسة لسلامة الدماغ ووظائفه العقلية. أشهر الاختبارات النفسية التي يمكن الاستدلال بها على السلامة العقلية للطفل في مراحل نموه الأولى، هو اختبار الذكاء IQ. يعبر اختبار الذكاء عن مجموع القدرات النفسية والعصبية للفرد. وهو مؤشر موثوق فيه على نتائج النجاح في أمور كالتعليم والتحصيل المهني والأداء الوظيفي.

يمتد تأثير العنف في مرحلة الطفولة المبكرة إلى تعطيل التوازن في الأنظمة البيولوجية، مما يؤدي بدوره إلى تعطيل النمو الطبيعي للدماغ، مما يؤثر على معدل الذكاء، والتي تنتج بدورها عجزًا ملحوظًا في قدرات التعلم والذاكرة والانتباه لدى الأطفال المعنفين.

الطفل المُعنَّف وسلامته النفسية

يشمل تأثير العنف في الطفولة -بالإضافة إلى الجوانب العقلية والجسدية- الجوانب النفسية للطفل أيضا. يتسبب العنف في مجموعة مختلفة من الاضطرابات النفسية، كاضطرابات المزاج، واضطرابات القلق، واضطرابات السلوك، كما أنه مرتبط أيضًا بالفصام والذهان. وتشير بعض الدراسات إلى أن تأثير العنف في الطفولة لا يتوقف عند إصابة الطفل بالاكتئاب فقط، إلا أنه مرتبط بارتفاع مخاطر عدم الاستجابة أو الانتكاس أثناء العلاج مستقبلاً.

دوائر العنف على الأطفال: المعنفون هل يصبحوا آباء عنفين؟

الآباء الذين تعرضوا للإساءة في مرحلة الطفولة، لديهم احتمالية أكبر للتعايش مع أزواج مسيئين، ويفشلون في حماية أطفالهم من الإساءة الموجهة من الشريك الآخر.

للإجابة على هذا التساؤل، طرح المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في أوروبا، ورقة بحثية لقياس مدى تأثير العنف في الطفولة، واحتمالية تحول هذا الطفل إلى بالغ مسيء لأبنائه، في دوائر لا تنتهي من العنف.

أظهرت الأدلة البحثية أن الإساءة إلى الأطفال تحدث بمعدلات أعلى من المتوسط في الأفراد الذين لديهم تاريخ من سوء المعاملة. كما أن هؤلاء الآباء الذين تعرضوا للإساءة في مرحلة الطفولة، لديهم احتمالية أكبر للتعايش مع أزواج مسيئين، ويفشلون في حماية أطفالهم من الإساءة الموجهة من الشريك الآخر.

التعافي وكسر دائرة العنف

قد يبدو الأمر معقدًا، خصوصًا مع تداخل دوائر العنف الأسري والمجتمعي، ووجود كثير من العوامل التي تصعب عملية التعافي، منها الظروف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية. كما أن من الصعب فصل تأثير العنف على الأطفال والعنف ضد المرأة باعتبار أنها سلسلة متصلة من العنف الأسري.

كيف أحمى طفلي؟

البيوت الآمنة

الحل الأول والأصعب هو الانسحاب التام والسريع من البيئة المعفنة، للحفاظ على نفسية الأطفال. في هذ الإطار أسست وزارة التضامن الاجتماعي المصرية 9 بيوت آمنة، موزعة بين محافظات القاهرة، المنصورة، الجيزة، القليوبية، الإسكندرية، بني سويف، الفيوم، المنيا. يمكن التواصل معها من خلال الجهة المختصة بها داخل وزارة التضامن الاجتماعي.

المجلس القومي للأمومة والطفولة “لجان حماية الطفولة”

دور لجان حماية الطفولة هو الوقاية والاستجابة للمخاطر المرتبطة بمشكلات الحماية (مثل العنف، الاستغلال، الإساءة، الإهمال)، من خلال العمل على جميع المحاور، وبالأخص الرعاية الاجتماعية والتعليم والصحة والأمن والعدل. تنتشر لجان حماية الطفل داخل المبنى الإداري لكل محافظة من محافظات الجمهورية. يمكن التواصل مع لجان حماية الطفل من خلال خط نجده الأطفال 16000 أو من خلال رقم الواتس آب على رقم 01102121600.

البقاء في البيئة المسيئة

بعض مقدمي الرعاية من النساء المعفنات لا يستطعن ترك البيئة المعفنة، لظروف اقتصادية واجتماعيه وثقافية. فيصبح الحفاظ على سلامة أبنائهن النفسية أمرًا صعبًا. في البداية من المهم أن تطلبي المساعدة والمشورة.

الدعم النفسي الذي ستحصلين عليه سينعكس بشكل مباشر على سلامة أطفالك النفسية. يقدم موظفو المجلس القومي للمرأة المسؤولون عن الشكاوى، الدعم القانوني والنفسي والاجتماعي. كما يوفر فرص عمل بسيطة قد تساعدك على المدى البعيد في تأمين حياة مستقلة، إذا قررتِ الانفصال. يمكنك التواصل معهم من خلال رقم 02-23490060.

الاستمرار في الصمت وتقبل العنف الواقع على الأطفال، لن يؤدي إلا إلى مزيد من دوائر العنف المجتمعي. كأم معنفة اكسري هذه الدائرة، ولا تجعلي أطفالك حلقة جديدة فيها. إذا أجبرتك الظروف على الاستمرار في بيئة سامة لا تكوني أنت طرفًا مسيئًا فيها. صب شحنات الغضب التي تمرين بها على أطفالك، وتوجيه اللوم لهم، لن تنتج إلا آباء مسيئين جددًا وأمهات معنفات جديدات، ليستكموا دائرة العنف المفرغة.

المقالة السابقةمن هي الشخصية المؤذية؟
المقالة القادمةالعنف الجسدي: علامات تدل على عنف الشريك وكيف تنجي بنفسك
أمل طه
صحفية وكاتبة مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا