العنف الجسدي ضد المرأة هو أي تصرف يقوم به أو يهدد به الرجل المرأة، ليخيفها أو يتحكم بها من خلال إيذائها جسديًا، ويعد هذا النوع من العنف ضد المرأة هو أكثر الأنواع سهولة في التعرف عليه. وهو يتضمن ليس فقط الصفع أو الركل، إنما كل فعل يستخدم فيه الرجل قوته، حتى لو كان دفعها أو الإمساك بذراعها أو شدها أو إلقاء غرض عليها. أحيانًا يختلط على المرأة فهم معنى العنف الجسدي، وأحيانًا تتغافل عن الاعتراف به، أو تعتبره نوعًا من الدعابة والهذر، أو أسلوبًا من أساليب التعامل المقبولة بين الأسرة الواحدة. أحيانًا يأخذ الأمر فترات زمنية طويلة حتى تدرك المرأة أنها وقعت ضحية إيذاء جسدي. وهذا ينطبق بشدة على المرأة غير الواعية بالعنف الجسدي، والتي لم يمارس عليها من قبل، فتبدأ باعتباره نزوة أو حدثًا عابرًا لن يتكرر. أو تخدع نفسها بالجملة الأثيرة “لكنه يحبني”.
تعرفي أيضًا على: التخلص من العلاقات المؤذية: طريق الخروج ورحلة التعافي
“تعرضت امرأة واحدة على الأقل من كل ثلاث نساء في جميع أنحاء العالم للضرب، أو الإكراه على ممارسة الجنس، أو إساءة المعاملة أثناء حياتها مع المعتدي والذي يكون عادة شخصًا معروفًا لها” – تقرير نُشر عام 2006 على موقع صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة
كيفية حدوث العنف الجسدي من الأزواج
يحدث العنف الجسدي من الرجل أيًّا كان تعليمه أو درجة ثقافته وتحضره، حتى أكثر الرجال نجاحًا وتحققًا يمارسون العنف الجسدي على المرأة بدوافع من المجتمع أو تربية الأهل على أنه حق مكتسب، أو رغبة في فرض السيطرة. البعض يمارس العنف بسبب ترويج الدراما والأفلام لمشاهد صفع الرجل للمرأة. حتى أن ابني تساءل يومًا “لماذا كل فيلم فيه مشهد لرجل يضرب امرأة؟” ولم أجد إجابة مقنعة. يحدث الضرب عادة بشكل مفاجئ، وغالبًا وراء الأبواب وفي عدم وجود أشخاص ناضجين، يحاول المُعنِّف أن يجعل العنف أمرًا شخصيًا مثل الجنس، حتى تهدأ الأمور فيقوم بتصغير فعل الإيذاء في عين المرأة وإيهامها بأنه لم يحدث شيء يؤثر في العلاقة، وأن هذه أمور تخصهما وحدهما. يبرر فعله عادة بأنه كان تحت تأثير الغضب أو بالجملة المعروفة “أنتِ دفعتِني إلى هذا”. ثم يبدأ في لوم المرأة ورميها بالذنب.
العنف مسؤولية المُعنّف وحده
تعرفي أيضًا على: تأثير العنف الأسري على الأطفال: نفسيًا وصحيًا وعقليًا
علامات تدل على عنف الشريك (أعلام حمراء)
من الضروري التعرف على علامات قد تساعد على التأكد من عنف الشريك، قبل أن يتطور لإيذاء جسدي. وأهم هذه العلامات:
- السيطرة على حياة شريكته سواء بمحاولة تغييرها أو بمحاوطتها بالأوامر المباشرة وغير المباشرة، والتي تنفذها المرأة عادة بسبب الضغط وخوفًا من غضب شريكها.
- المزاج الحاد المتقلب الذي يجعله يتحول فجأة من وديع لشرس كأنه شخص آخر.
- التعامل بعنف مع البسطاء، الشحاذين والجارسونات والبائعين.
- التعامل بعنف مع القطط والحيوانات وأحيانًا مع الأطفال.
- التشكيك في ذكاء شريكته وصحتها النفسية وقدراتها، ولو على سبيل الهذر.
- عزل الشريكة عن عائلتها والتحكم في صداقاتها وخروجها من البيت.
- الغيرة التي تتحول إلى شك ومراقبة واتهامات تمس الشرف، ولو على سبيل الهذر.
- الصوت العالي في مشكلات صغيرة، وإلقاء الإهانات حتى لو على الأشياء.
- محاولة هز ثقة شريكته في نفسها، ومقارنتها بالآخرين، ووهمها بالشعور أنها غير مرغوبة.
- التهديد بأي شيء وبث الشعور بالخوف داخل شريكته، حتى لو بنظرة.
تعرفي أيضًا على: أنواع العنف الأسري: هل أنتِ في علاقة مسيئة
مراحل تطور العنف الجسدي من الأزواج (ملاحظات شخصية)
المرحلة الأولى: أول صفعة
تبدأ بصفعة، يتلوها الكثير من العاطفة والبكاء والاعتذار. الاتفاق على ألا يخرج الأمر إلى الأهل، والتعهد بعدم تكراره. تدخل المرأة مرحلة عدم التصديق، تُحدِّث نفسها بأن “هل يعقل أن الرجل الذي اخترته دونًا عن الرجال، الذي يشاركني فراشي، الذي تعهد بحمايتي وحبي، والذي آمنته على حياتي وكرامتي، هو من اعتدى عليَّ؟!”. مع الإنكار تخفي المرأة شعورها بالمهانة عن أهلها وعن نفسها أيضًا، لتؤكد للجميع أنها لم تسئ الاختيار. تعود لحياتها كأن شيئًا لم يكن.
المرحلة الثانية: الهجوم الجسدي والتهديد
تخرج المرأة من دائرة الإنكار وتبدأ في الإدراك والرفض والمقاومة الوقتية. تظل تأمل في العودة لنقطة الأمان الذي تتوهمه، تتعذب باللحظات والذكريات الحلوة التي لا يمكن أن تصدر عن شخص مُعنِّف، ترتبك من اعترافه بالحب والتمسك بها رغم عنفه، فتبدأ مشاعرها في التخبط
يبدأ الرجل في دفع المرأة، الإمساك بذراعها بقوة، الاقتراب منها بهمجية مهددًا بالضرب، أحيانًا يستخدم الركل. ضربة واحدة من الممكن أن تؤدي إلى جرح أو نزف أو كسر. يتلوها غضب واعتذار بسيط مع استمرار تأكيد أن هذه شؤون خاصة لا يجب أن تخرج للأهل، واستمرار اللعب على فكرة أن المرأة هي من دفعته إلى هذا العنف، وأنه يحبها ولا يستطيع الاستغناء عنها. يشعرها دائمًا بالذنب دون سبب. يحدث أحيانًا أن يقوم الرجل بهذه الأفعال أمام أمه إذا كانت تسانده، كنوع من تأكيد سطوته على زوجته.
في هذه المرحلة تخرج المرأة من دائرة الإنكار وتبدأ في الإدراك والرفض والمقاومة الوقتية. تظل تأمل في العودة لنقطة الأمان الذي تتوهمه، تتعذب باللحظات والذكريات الحلوة التي لا يمكن أن تصدر عن شخص مُعنِّف، ترتبك من اعترافه بالحب والتمسك بها رغم عنفه، فتبدأ مشاعرها في التخبط. إذا جربت أن تحكي لأهلها سيزداد عنفًا تجاهها ويقوم بقطيعة أهلها، وتصبح بينهم ضغائن أبدية. لذلك تؤثر الاستمرار في الإخفاء عن أهلها حتى لا تثير المشكلات. تتألم، لكن كل شيء ينتهي بسرعة، وتعود المياه لمجاريها ظاهريًا.
العنف غير مقبول مهما يعتذر ويتعهد
المرحلة الثالثة: الضرب المتتالي والمتنوع
تتحول فيه الضربات الفردية لضربات مجمعة ومتنوعة، تشمل شد الشعر والسحل وفاصل طويل من الضرب، تبلغ بالرجل الرغبة في الإيذاء ذروتها، يستخدم أغراضًا مؤذية، يهدد بالقتل أحيانًا. لا يهتم بوجود الناس، يفعل هذا غالبًا على مرأى من الأطفال. عندما تنتهي فورة الغضب لا يعتذر، لا يصالح، يحاول تبرير ما فعله للأطفال، يبدأ في نسب التهم للمرأة وإكالة الأسباب لها. يدخل في حالة من الخصام بعدها تجنبًا للمرأة حتى تهدأ.
في هذه المرحلة تبدأ المرأة في المقاومة بضراوة بطرق مختلفة، خصام، هجر، ترك المنزل، الحكي للأهل، تصعيد الأمور وحكي تاريخ الضرب. يزداد وعي المرأة مع التقدم في السن، تنقشع غشاوة الحب رويدًا رويدًا، يزداد إدراكها لقيمتها الشخصية خصوصًا إذا كانت تعمل وتتعامل مع المجتمع. تكون قد انفتحت على العالم من خلال القراءة والمشاهدة والانخراط في الخبرات المجتمعية. تكون أكثر صلابة، لكنها تعود لحياتها في النهاية خوفًا من المستقبل.
المرحلة الأخيرة: استمرار نوبات الضرب
تستمر نوبات الضرب لكنها تصبح أكثر ضراوة، وأكثر إهانة. تصبح مثل عادة لا يمكن التوقف عنها. نمط يبدأ بنوبة الضرب ثم يتوقف عنه الرجل ويحاول مراضاة زوجته بشكل غير مباشر، لكن تبقى جذوة الضرب مشتعلة داخله يغذيها من كرهه وحقده وضيقه، حتى ينفجر مرة واحدة ويفرغ طاقته مرة أخرى، ثم يعود لشحذها من جديد. يستمر هذا النمط لمدد مختلفة ربما شهور أو أسابيع أو أيام.
اكسري دائرة العنف
في هذه المرحلة تستسلم المرأة لقدرها. وأغرب ما في الأمر أن الرجل والمرأة كلاهما لا يتذكرا أسباب الضرب. كل شيء يسقط من الذاكرة إلا أثر الضرب.
متى تقررين أن تنجي من علاقة عنيفة؟
من واجب المرأة الديني والمجتمعي أن تحافظ على روحها وتنجو بنفسها، تنجو في المرحلة الثالثة أفضل من الأخيرة، والثانية أفضل من الثالثة، والأولى أفضل ما دام المُعنّف لا يعترف بحاجته للتقويم النفسي
تعيش المرأة مُعنّفة في بيتها، وتخرج للمجتمع زوجة وأم ومديرة وقائدة. تعيش مهزوزة وهشة، عصبية وموتورة، بلا كرامة وبعدم الشعور بالأمان. لا تستطيع الاعتراف بالمراحل السابقة من الضرب، تبقى أسيرة الأمل أن الرجل سيتغير. لكن الحقيقة أن المعنّف لا يتغير بل يزداد عنفًا، إلا إذا تلقى العلاج النفسي المناسب. وهو ما لا يحدث غالبًا. حتى محاولاته العاطفية والمادية للتعويض لا تكفي المرأة المعنّفة لاستمرار حياتها معه وهي تشعر بالتهديد الدائم. القرار صعب لكن يجب أن يكون مبكرًا وحاسمًا، الضرب يؤدي إلى التشويه والأذى الجسدي والموت. من واجب المرأة الديني والمجتمعي أن تحافظ على روحها وتنجو بنفسها، تنجو في المرحلة الثالثة أفضل من الأخيرة، والثانية أفضل من الثالثة، والأولى أفضل ما دام المُعنّف لا يعترف بحاجته للتقويم النفسي.
لا يوجد أي مبرر مهما كان للعنف
ما يجب فعله للخروج من علاقة عنيفة
- الإدراك: يجب على المرأة أن تدرك أن شريكها عنيف، وأنها مُعنّفة، وأن العنف يبدأ صغيرًا ويتطور إلى إيذاء كامل جسديًا ونفسيًا، ويؤذي الأطفال ويحطم شعورهم بالأمان. إلا إذا تلقى المعنّف علاجًا بواسطة متخصص نفسي.
- الاعتراف: يجب على المرأة أن تعترف وتقر أنها مُعنّفة وفي علاقة غير صحية، وتبدأ في مواجهة ذلك وطلب المساعدة.
- اتخاذ القرار: يجب على المرأة المعنّفة أن تنجو بنفسها، تتوقف عن اتخاذ الأعذار والشعور بالذنب، وعن الخلط بين الحب والعنف. تتأكد أن الحب ينتهي في وجود العنف، وتتخذ القرارات التي تضمن سلامتها وسلامة أطفالها بالبعد عن الشريك المعنّف أو علاجه.