بحثًا عن ثقب خارج الاكتئاب

367

يبدو وكأن الأمر كابوسٌ لا ينتهي.. “الاكتئاب مجرد فكرة”، أتذكر قول الطبيب كل حينٍ محاولةً السيطرة على اقتلاع أنفاسي من داخلي، أتذكر نعم الله عليَّ وعلى ولديَّ، أستغفر الله وأعيد المحاولة.

لكنني من الداخل مجوفة، كل ما أقوم به مجرد تحسين للحالة التي يرثى لها بالفعل ووصلتُ إليها.. وكأنني أعالج حروقًا خارجية على الجسد، في حين تكتوي الروح في الداخل ولا يعالجها شيء.

أفكر في شيءٍ آخر، أتذكر قول الطبيب أيضًا: “ربما شيء داخل البيت يزعجك رؤيته كل حين، ربما هي حالة السكون التي تكمنين داخلها فلا ترين أحدًا ولا يكاد يراكِ أحد”، صحيح، أنا دودة قزٍ دخلت شرنقتها ونسيت كيف تكسر الشرنقة لتطير كما سبق ووعدتْ نفسها، فبقيت بالداخل ربما إلى الأبد.

أفرد أمامي شهاداتي وكتبي وأفكر في تعديل الـCV في لحظةٍ، قلما تحدث من الأمل في مستقبل دون حزن، أبحث عن أماكن جديدة أبعث لها بسيرتي الذاتية وآخر الشهادات التي حصلتُ عليها وأنا أتعارك مع الاكتئاب ولا أرغب في الذهاب “لكنني على كلٍ أتذكر أنني أكملت الحضور بالفعل وإن أقعدني الاكتئاب مرة أو اثنتين”.

إيجابي فقط.. إيجابي فقط.

حسنًا نجحتُ في اجتياز الأمر على كل حال.

تعرض عليَّ صديقة قديمة أن أزورها في بلدتها الساحلية علِّي أتعافى هناك.

أضحك معها، لن يوافق “محمد”، سيخشى عليَّ، لن يوافق على أي حال، ثم وأطفالي.

سأحتاج لوضع ميزانية مفاجئة.

“مش هينفع”.

لكنّه يوافق! ربما تعب هو الآخر من إيجاد حلولٍ لاكتئابي، ربما يرغب في تعافيَّ أكثر مما يخاف على وحدتي، ربما تجاوز الأمر غيرة لا وقت لها وأنا أتضاءل مع كل مرةٍ أبكي فيها وحدي أو أمامه.

يسير الأمر بسلاسة.. تمرُّ الأيام، نحجز التذكرة، أستأذن أمي في ترك ابنتي الكبرى معها وأخذ الصغير وحده.

أجلس بجوار النافذة، لا يزال الوقت مبكرًا.

ترى متى كانت آخر مرة صحوتُ فيها في ذلك الوقت البديع؟

أصبحتُ أتناول النوم طوال اليوم، أصحو بمعجزة، وأنام بكارثة.

إيجابيات فقط.. وبعدين؟

بالصدفة لا يجلس جواري أحد، أملأ المقعد المجاور لي بالأكياس كي لا ينتقل مرضي لشخصٍ آخر.

أنظر إلى الخضرة على الطريق، أشرب منها طزاجتها، تتدخل الصحراء في المشهد، أملأ جسدي بالرمال وعينيّ بالسماء المليئة بالنور.

ما كل هذا النور؟

لما أبحث أحيانًا فلا أجد قطرة لي إذن؟

أفكر بعقلانية.. النور موجود طوال الوقت، أنا التي لا أزال أجلس في شرنقتي أنتظر انفتاحها لأراه، في حين عليَّ أن أكسرها، أن أوجد سببًا أخرج لأجله، لكن الشرنقة تصلبت.. أصبحت قاسية على جناحيّ المتعبين.

أبحث حولي عن شاكوش أو زجاجة فارغة أكسر بها الشرنقة.

لكن الظلام حين يطل برأسه البغيض أفقد السيطرة على نفسي وأغلق الستائر وأنام متفحمة.

ما أجمل الزرع.. ما أجمل النخل وأبهاه!

لا بد أن أستغل طاقة الخضرة تلك في جمع الأوكسجين داخلي.

النخل يقول لي “كوني قوية مثلنا واصبري”.

سأوجد ما أخرج لأجله.

المقالة السابقةمراية الناس عامية
المقالة القادمة10 أنماط فكرية تؤدي للاكتئاب

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا