ماذا لو خسرتك وكسبت نفسي؟!

2855

من المتعارف عليه أن الغاية الأهم بالحياة أن نبقى على احترامنا لأنفسنا، فإنها لمضيعة للعمر والمجهود إن كسبنا احترام الجميع لكن خسرنا احترامنا لذاتنا. وبينما تعد العلاقات الإنسانية وخصوصًا علاقات الحب، من العلاقات الأكثر تعقيدًا، حيث يتوجب بها انصهار كل من الطرفين بالآخر، يبقى السؤال الأهم مع نهاية كل علاقة إنسانية بها من المصداقية والمصارحة ما يجعلها مؤلمة، فقط لكونها تنتهي. صداقة كانت أو حب: ماذا لو خسرتك وكسبت نفسي ؟ أعتقد أن الإجابة ضمنيًا متفق عليها، فبالتأكيد كونك كسبت نفسك وإن تكلف هذا خسارة العالم أجمع، لهو النجاح الأهم. لكن الأمور والعلاقات الإنسانية بتعقيداتها ودنوها من مشاعرنا الصادقة لا تكون عادة بهذه السلاسة.

اللي اتلسع من الشوربة ينفخ في الزبادي

هذا المثل الشعبي الذي يصور لنا مدى الحيطة والحذر اللذين يضافان إلى كاهلنا، ويحددا اختياراتنا المستقبلية بعد أن لسعتنا الشوربة اللعينة بإحدى تجاربنا الإنسانية، كل هذه الحمولة الثقيلة الملقاة على أرواحنا فقط لتجنب الخسارة مرة أخرى! هذا وإن أردنا بالتأكيد أن نجنب أسماءنا لقب الغبي الذي لا يتعلم من أخطائه، أو ربما الذي يتلذذ بتعذيب ذاته عبر تكرار نفس الخطأ. هكذا بعقلانية تامة، حاولت جدولة كل الدروس المستفادة من تجاربي وتجارب الأصدقاء، بغية تجنب أن تلسعني شوربة ما بمكان ما.

لقب الخاسر الأكبر

ربما تألمت بالأصالة عن نفسي، وبالنيابة عن كثير من الصديقات والأصدقاء الذين وثقوا بي لمشاركتي لحظات انهيارهم وغضبهم وفقدانهم لثقتهم بأنفسهم بينما كانوا يتجرعون كأس الغضب بعد إدراكهم بنهاية علاقتهم بشخص ما، كونهم كانوا على علاقة بمن لم يستحقوا حبهم واهتمامهم من الأساس، ولكن كان لهذا الألم دوره الأهم لمحورة هذه الفكرة بعقلي، كونه ليس بالطامة الكبرى إن لقبت بنهاية علاقتك بشخص ما بالخاسر الأكبر بهذه العلاقة.

ليس من المنطقى أن تتوخوا الحذر، بينما أنتم مقدمون على خطوة الارتباط العاطفي بشخص ما، لكن المغالاة في الحذر قد تضعكم عائقًا أمام تطور علاقتكم العاطفية بهذا الآخر، وحينها قد تهدرون فرصة حقيقية لإيجاد نصفكم الثاني، ولكن ما سأنصحكم به هو أن تتقبلوا الهزيمة بصدر رحب، في حال كنتم سيئي الحظ، وكللوا اسمكم بلقب الخاسر الأكبر بنهاية علاقتكم بشخص ما. قد تكون كلماتي صادمة بعض الشيء ولكن المكاسب التي ستعود عليكم إن أمعنتم النظر بهذا اللقب لهي جد مهمة.

الطرف الأكثر تألمًا

لوحظ أن دومًا ما كان الطرف الأكثر تألمًا ذا قدرات أعلى في تخطي خسارته، بصورة أسرع بعد انتهاء العلاقة. هذا المتألم الصادق للتجربة والذي قرر بكل وعي منه أن يعطي لهذا الآخر فرصة حقيقية ليكون نصفه الثاني، مما ترتب عليه تألمه مع كل مرة انتظر فيها أن ترجح كفته أو أن يُختار من قِبل نصفه الثاني هذا في مواقف حياتية صغيرة، كان فقط يحتاج فيها أن يشعر كونه الأهم بنظر من اختاره، ليكون نصفه الثاني. هذا الطرف الأكثر تألمًا هو نفسه الشخص الذي دومًا ما انكسر قلبه مع كل مرة أيقن كونه ليس الاختيار الوحيد، أو الأول في أوقات لم يصلح بها المماطلة أو إمساك العصاة من المنتصف أو إيجاد أي حلول وسط.

لكن الحقيقة أن هذا الطرف الأكثر تألمًا، هو نفسه هذا الشخص المحظوظ الذي أنهى كل الأمل والعشم، بينما كان ينتظر عدم انكسار قلبه هذه المرة، على يد من وكله أهم شخص بحياته، بينما فاجأه القدر بحقيقة كون هذا الطرف الآخر لا يبالي. حينها قد لا يوقن أنه الأكثر حظًا بالتأكيد، كونه يتلقى كل هذا الألم من الشخص الذي اختاره ليكون الأهم. ولكنه سيدرك لاحقًا بالتأكيد، بعدما صار من الواضح عدم جدوى اتخاذ مزيد من الأعذار والمبررات لهذا الآخر الذي استنزف نفسه في محاولات مستميتة، لإيجاد مخرج أو تبرير عن تصرفاته النزقة، هذه الأعذار التي قُدِّمت له على طبق من فضة، فتعامل معها بغير مبالاة، تتناسب مع تأخر إدراكه وغياب وعيه، لكونه بعلاقة إنسانية من الأساس، أهم أعمدتها التقدير المتبادل.

حينها فقط يسير هذا الشخص المتألم المحظوظ دون أي رغبة للنظر للخلف، أو ذرة ندم، كونه لم يحاول بشكل كافٍ أن ينقذ ما يمكن إنقاذه عبر الالتفات، فربما هنالك احتمالية ولو بسيطة، أن تكون زاوية رؤيته للأمور خطأ. حينها فقط صدقني ستتمتع بثبات، لطالما تمنيته رغم كل الألم الذي تعانيه، ثبات من استنزف التماس مزيد من الأعذار، من استنزف كل الانتظار وكل المحاولات ولم يعد من المتوقع أن يخايلك شبح “ماذا لو…” اللعين.

ماذا لو؟!

من المستبعد بعد كل استنزاف محاولات تحسين صورة هذا الآخر عبر اتخاذ مزيد من الأعذار له، بينما يتمسك هو بدوره كغبي غير مبالٍ أن تفكر بمزيد من سيناريوهات الـ”ماذا لو” اللعنية. فقد استنزفتها عبر كل تلك المحاولات. لكن قد تكون “ماذا لو” الوحيدة التي قد تساورك هي:

  • ماذا لو: قررت الرحيل بوقت سابق، حيث كان لديَّ من القوة النفسية ما أستطيع إعادة تدويره ليصب بمصلحتي أنا فقط؟!
  • ماذا لو: أدركت في وقت أبكر كون صحتي النفسية، ونظرتي لنفسي، أهم من كل هذه المماطلات والاعتبارات التي كنت أظنها غير قابلة للمساس، وها هي تفنى بعد نسمات هواء صيفية خفيفة؟
  • ماذا لو: عاملت وعودنا وأحلامنا بقدسية أقل.
  • ماذا لو: لم أنتظر كل هذا الوقت حتى أدرك أن الخطأ ليس بالنظرية في حد ذاتها، ولكنه بالتطبيق واختياري للشخص الخاطئ؟
  • ماذا لو: لم أكن بهذه القوة والتمسك بمبادئي، فلم أعافر كل هذا الوقت؟
  • ماذا لو: تبقى لديَّ من نفسي أكثر مما لديَّ الآن؟ ماذا لو تبقى لي شيء آخر غير الغضب؟ هذا الغضب المتجدد المستمر كأمواج البحر تضرب عقلي وتهين ذاكرتي مع كل مشهد وموقف يذكرني بعمق الأذى الذي عانيته بهذه العلاقة.

كل هذه الـ”ماذا لو” لن تحرك قيد أنملة بيقينك الأكبر كونك محظوظًا لأنك تألمت من الأساس، ما أعانك أن تتحرر أخيرًا من هذه العلاقة المسيئة التي لا تشعرك بالسعادة والاتزان المطلوبين، فأنت لا تعلم يا صديقي مدى قوة السحر الأسود لهذه الجملة “ماذا لو”، والتي قد تربطك من قدميك بعلاقة مسيئة لسنوات طوال، يعلم الله مداها، ويعلم الله أيضًا مدى عمق تأثير هذا على روحك.

الغضب ليس حماقة

الغضب ليس كله حماقة؛ بعض الغضب يكون صحيًا، فقط إن استطعت أن تديره وتوجهه بشكل جيد. والأهم أن تقتنع أنه ليس محرمًا عليك أن تغضب، فهذا حقك. قرر أن تكون رحيمًا بنفسك بينما تواجه الموقف بشجاعة، لأنك متأكد هذه المرة أنك اخترت الخيار الأفضل بقرارك للرحيل. اغضب بعمق وصدق، لكن وجِّه غضبك بحكمة.

وإليك بعض المقترحات:

  1. ربما هذا الوقت الأفضل لتعلم رياضة جديدة، فطالما كان لاندفاع الأدرينالين بأجسادنا فعل السحر، بينما ستعطيك الرياضة جسمًا صحيًا أكثر، سيحسن من نظرتك لذاتك.
  2. ربما هذا الوقت المناسب لاكتشاف موهبة جديدة، تشعرك ببعض النجاحات الصغيرة. صدقنى ستجد على youtube الكثير من الفيديوهات التعليمية لمهارات يدوية جميلة.
  3. ربما تكون من المقتنعين بإيجاد سبيلهم للخلاص عن طريق الكلام، فربما هي فكرة جيدة أن تدون غضبك هذا بكلمات قليلة، تمنيت أن تقولها لهذا الآخر.

وها هي إحدى الرسائل الغاضبة المحببة لقلبي لتسهيل الفكرة:

رسالة غضب محببة للقلب

فقط فلتعلم أني سألومك حتى آخر يوم بحياتي، لأنك لم تملأ الفراغ المنوط بك داخل قلبي، هذا حتى بعد صبري الطويل لأن تضحى بدرًا أيها الهلال النزق الغبي المغرور، بكونه يحمل بعض الضوء. أنت غبي يا عزيزي، وستفقد ضوءك عن قريب، وتعود لواقعك، مجرد جسم معتم، وستعلم حينها أنك لم تكن مضيئًا يومًا، لكن أنت فقط تعكس ضوء المحيطين بك، سينفضون من حولك، وهذا سيحدث آجلاً أو عاجلاً صدقني، فوهجك مؤقت إلى حد محبط بحكم تاريخي معك.

حينها ستعلم من أنت، ربما ستتفاجأ من مدى قبحك ولن تقوى على مواجهة ذاتك بالمرآة، وربما أيضًا تكون لا زلت غبيًا مغرورًا ولا ترى بالأمر سوءًا، كلها احتمالات واردة. لكن الأكيد أن صبري هذا لم يزدني إلا مزيدًا من خيبات الأمل. على ما يبدو أننا خلقنا لنحيا بقلوب منكسرة وآمال لا تتحقق يا عزيزي، وأنا أتمنى لك المثل من كل قلبي.

قد تطول فترة تعبيرك عن الغضب، وقد تقصر، حسب قدرات كل منا النفسية، ولكن فلتتمتع بها حتى النهاية. أما الآن يا صديقي/تي فلتعلم أنك تخطو أولى خطواتك لحياة جديدة منزهة عن كل اختياراتك السيئة السابقة، بينما لديك فرصة حقيقية لتحيا من جديد. فاستغلها حتى الثمالة، ولكن احذر من شبح الخوف من تكرار المحاولة، فالحياة تعطيك دومًا كثيرًا من الاختيارات، ولكن الأهم أن تحاول حُسن الاختيار هذه المرة.

اقرأ أيضًا: ليه الست بترضى بالعلاقات المسيئة؟
المقالة السابقةالكاتبات والوحدة 7: سوزان سونتاج: الهشاشة خلف جسد زجاجي
المقالة القادمةالكاتبات والوحدة 8: أروى صالح: الوقوف على ناصية الحلم

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا