الزواج الثاني: هل كل ما هو متاح إنساني؟

1734

لماذا يتزوج الرجل مرة ثانية؟ كان هذا عنوان مقال للكاتبة منى وهدان على موقع “نون” منذ فترة وجيزة، المقال يتحدث عن أسباب منطقية يتزوج من أجلها الرجل مرة أخرى، تتراوح الأسباب بين أن يشعر الرجل أنه لم يعد بذات أهميته السابقة، أو أن زوجته كفَّت عن رؤيته بعين الانبهار والإعجاب، وأنه لم يعد حبيبًا وعشيقًا، فيبحث عن البريق مرة أخرى في عين مختلفة عن عيني شريكة العمر. اقتنعت بوجهة نظر الكاتبة، وأحببت أن أضيف إلى أسبابها أسبابًا، ربما مكملة وربما موازية لوجهة نظرها، أردت أن أحكي حكايات الزواج الثاني كما رأيتها وكما شهدتها، ربما يهدهد كلامي قلب إحداهن، أو يشعرها بالمواساة، وأن هناك من يشعر بها ويعرف حكايتها والثقل الذي يحتل قلبها ويعجز روحها عن التحليق.

الزواج الثاني من أجل الحب

امرأة تخطت الخمسين، زوجها متزوج عليها منذ أكثر من عشر سنوات، المرأة لا تعمل وليس لها أي مصدر قوة سوى زوجها، ظلت تدور في فلكه عشرين عامًا، لم تستقل ولم تستغنَ عن وجوده، لا زالت تناديه بحبيبي حتى بعد زواجه، لم تشعره يومًا أنها لا تحتاجه، لدرجة أن المقربين منها بعد زواج زوجها أخبروها أنها كانت تحبه زيادة عن اللازم، فكان لا بد لله أن يعاقبها على تعلقها هذا.

عندما قرأت مقال منى قفزت هذه المرأة أمام عيني، ووجدت نفسي أقول بصوت هامس، لا يا منى، الرجل لا يتزوج مرة أخرى لأن شريكته أقصته عن مسؤوليات حياتهما، وليس لأنه شعر أنه زائد عن الحاجة، الرجل يتزوج لأنه فقط يستطيع ذلك، فلم لا؟!

في رأيي أن المشكلة الحقيقية تكمن في المجتمع الذي يعامل الرجل على أنه طفل، يجب تلبية كل رغباته، بغض النظر عن الظروف والملابسات، بغض النظر حتى عن رأي الدين في استحقاق هذه العلاقة للتعرض لهذه التجربة، إذ أن الزواج الثاني ليس إنسانيًا في إطلاقه، ولكن المجتمع كله يتغافل عن هذه النقطة، في سبيل إرضاء الرجل. تلك ليست نسوية بالمناسبة، على العكس، أنا هنا أتحدث عن الرجل الذي يصر الجميع التقليل من شأنه ومعاملته كأنه طفل مدلل يجب إرضاؤه رغمًا عن أي شيء.

هل هو حق الرجل؟

امرأة أخرى قابلتها منذ ثلاث سنوات لمدة نصف ساعة، وظل الألم يغرقني من وقتها وإلى الآن في كل مرة أتذكرها فيها، امرأة في أوائل الأربعينيات، نحيفة ومتوترة وتفرك يديها باستمرار، تتحدث عن الألم الذي لا تستطيع تحمُّله أكثر من ذلك، لأن زوجها متزوج عليها منذ أربع سنوات، ظلت أربع سنوات تتآكل، المرأة لا تستطيع السيطرة على حزنها الجارف الذي يغرقها ويفيض من حولها، حزينة جدًا، حزينة حزنًا حقيقيًا لا يستوعبه أحد، المرأة تتألم في كل ثانية وكل ما يقوله مَن حولها إنه لم يفعل شيئًا خاطئًا، وهو يخبرها أنه غير مُقصِّر، هي تعترف فعلاً أنه عادل، ولكنها تتألم أن حبيب روحها لم يرها حبيبة روحه، روحها معذبة داخل ملابسها المحتشمة الأنيقة، هي امرأة متدينة وتعرف حدود الله، ولكن إنسانيتها تمنعها من الرضوخ لكل هذا الألم الذي يعتصر روحها.

زوج هذه المرأة فكر في الزواج الثاني لأن الجميع باركوه، أعطوه صكوك الغفران، رغم أنه في علاقة مشبعة، هو أخبرها تمامًا أن الموضوع لا علاقة له بأي شيء، هو فقط يرغب في استخدام “حقه” في الزواج الثاني، فلم لا؟ هو يريد ذلك ويستطيعه، لماذا تقف في طريقه؟ والجميع يباركون هذا لأنه غير مُقصِّر لا ماديًا ولا شرعيًا ولا جسديًا، الجميع أعطوه الحق الكامل في ألا يفكر سوى في ذاته، عاملوه على أنه يجب تنفيذ رغبته دون النظر للعواقب، حتى لو كانت تلك العواقب هي أن تتحول زوجته وأم أولاده وحبيبته إلى شبح، هيكل إنسان مفرغ تمامًا من الروح، ومملوء عن آخره بالألم.

الزواج الثاني رغبة مشروعة

الرجل يتزوج لأنه يستطيع ذلك، ولأن لا أحد يخبره أنه لا بد أن يتحكم في رغباته، وهو لا يرى أن ذلك ينتقص من رجولته. ظل المجتمع يغذيه عبر قرون أن الرجولة هي أن يعمل الكل على تحقيق كل رغباته وأمنياته، أخبروه أن الرجولة هي ألا يتحمل أي نوع من العواقب تجاه من يحبونه ويعيشون حوله، كلهم أخبروه أنه هو فقط المهم، ومن دونه هم دونه فعلاً في كل شيء، وبالتالي لا يستحقون منه التفاتًا، لم يفطن أحد أبدًا أنهم بذلك يعاملونه بتدليل زائد، وأن الرجل حقًا هو من يستطيع إدارة حياته وتحمل مسؤولية حيوات من يشاركونه.

الرجل يتزوج مرة أخرى لأنه يستطيع ويرغب ولا أحد يلومه. الرجل يتزوج مرة أخرى لأنهم أباحوا له إسكات رغباته بتحقيقها كلها. الرجل يتزوج مرة أخرى لأنه مقتنع أن أنانيته من كمال رجولته، وأنه لا يجب أن يحرم نفسه شيئًا يستطيعه. ولا عزاء لشركاء حياته إذا كانت زوجة تتألم أو أطفال يخسرون.

الزواج الثاني للضعفاء فقط

الرجل لا يجب أن يكون ضعيفًا، ولكنه يضعف قلبه وعقله ومبادئه أمام أوهام المجتمع، الذي يوهمه أن في الظلم كمال رجولته، وأنه لا يجب أن ينتبه للآخرين الذين يعتبرونه بيتًا وحصنًا وأمانًا وقلبًا ينبض كي يظلوا يتنفسوا، هؤلاء الآخرون هم زوجته وأولاده، الرجل ليس ضعيفًا، ولكن الاستبدال أسهل كثيرًا من التعب للحصول على السعادة، ولذلك يتزوج الرجل، لأنه أراد السعادة دون التعب، فلم يحصل عليها في الغالب.

القوة ليست في التخلي، ولا في ألا تستشعر شيئًا غريبًا في أن تسبب الألم لأهلك وأحبائك، الضعيف فقط هو من يتخلى بدلاً من أن يبذل جهدًا، الضعيف فقط هو من يرى حقوقه ويتغاضى عن واجباته، ولا يستطيع ترويض نفسه، ليس كل المتاح حولنا من صميم حقوقنا، هناك الكثير من الأشياء التي يجب أن نقننها ونهذب أنفسنا ونقاوم رغباتنا تجاهها، والتسبب بالألم والضياع لشريكة حياتك يجب أن يكون أحد هذه الأشياء، لا نتحدث هنا عن الحقوق، بل عن الإنسانيات، ربما نصل لأرض مشتركة تمكننا من أن نتفاهم معًا.

المقالة السابقةعن جنة الكتب وجنون الكلمات
المقالة القادمةالطفل الحركي وكيفية التعامل معه، صفات الطفل الحركي وانشطة الطفل الحركي
كاتبة وصحفية مصرية

2 تعليقات

  1. بجد كلام منطقى ومقنع
    خصوصا إن تقريبا حواليا نفس التجربة
    بس أحب أضيف إن كل رجل يفكر ويقدم على خطوة ال واد الثانى يكون له شريكة انثى لو لم تكن مقتنعة بالكرة ورفضها فهو لايترك طريقا ولا بابا الا وحاول طرقه لاقناعها بالزواج منه
    والاجمل الأكثر اقناعا أنا بحبك وكدة كدة فى مرحلة معينة كنت هتزوج تانى لأنى مش باقى معاها الحب فى حين إنه بيشكر في زوجته الأولى وإنه لن يتركها لأنها ساعدته ووقفت بجانبه
    ياريت لو ليكى رأيي فى المعضلة دى تساعدينى يمكن أقدر أساعدها

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا