احذري أن تتركي نافذة زواجك مفتوحة للخيانة

616

ياسمين

 

أنا أكره الخائنين، ويُمكنني أن أتفهَّم موقفهم أحيانًا، لكنني أبدًا لا أتعاطف معهم ولا أجدهم يستحقون السماح أو الفرص الثانية تحت أي ظرف من الظروف، وأدعو من قلبي لكل امرأة يخونها رجلٌ ائتمنته على روحها أن تملك من القوة ما يجعلها تستطيع الرحيل غير آسفة ودون تردد.

 

ولكن.. للأسف توجد دائمًا “لكن” تقلب الموازين وتجعل الأمر مختلفًا ولو قليلًا.

جميعنا نتعامل دومًا من منطلق أن الخيانة واحدة من مشكلات الحياة التي تحدث للآخرين فقط، فلا نتوقَّع أن نختبرها، أو أن شركاءنا بالحياة قد يُقدِمون على فعلٍ كهذا، رُبما ثقةً بهم أو ثقةً بأنفسنا، ناسين أننا نحن أيضًا محض آخرين للآخرين، لذا وبحسبة بسيطة يُمكن أن نكون يومًا في هذا الموضع الشائك، بينما يدعو لنا الغرباء أن نملك من القوة ما يُمكننا من عدم الصبر على الأذى وإنقاذ أنفسنا من علاقة ظنناها أبدية واتضح أنها مثلنا تمامًا، لها عمر محدود وتاريخ وفاة.

 

ذلك لأن العلاقات الزوجية لا تسير طوال الوقت كما ينبغي لها أن تكون، ومسؤوليات الحياة الكثيرة التي تُلقى على كاهل المرأة مع الزواج والأمومة، والقوس الذي يُفتح على آخره فيُضاف إليه من وقت لآخر مهمة جديدة تفعلها، كل ذلك يُحتّم عليها أن تصبح ساحرة، أو على الأقل بهلوانة سيرك تُلقي كل ما تملك بالهواء ثم تأمل أن تلتقطه بشكل صحيح بدلاً من أن يتهشَّم فينكسر قلبها معه.

 

ومهام المرأة/ الزوجة/ الأم فعليًا كثيرة جدًا حَد الإزعاج، خصوصًا إذا كانت ظروف عمل الزوج تُحتم عليه عدم الوجود إلا قليلًا، حينها يصبح على المرأة أن تؤدي كل الوظائف مُعتمدةً على نفسها وما تملكه من طاقة، سواء جسمانية أو نفسية، ليكون عليها أن تمارس وظيفتها إذا كانت تعمل، مع أعمالها المنزلية اليومية من طبخ ومواعين وغسيل بجانب بعض الترويق الشكلي على الأقل، نُضيف على ذلك واجبات الأمومة الكثيرة التي قد تختلف باختلاف المرحلة العمرية للأطفال، لكنها أبدًا لا تنتهي.

 

منها مثلاً مشاوير التطعيمات، توصيل من وإلى الحضانة أو المدرسة، التمارين الرياضية التي يمارسها الطفل، الذهاب للنادي للترفيه واللعب عمومًا، حفلات أعياد ميلاد أصدقاء الأبناء، زيارات الأطباء، المناسبات الاجتماعية، كتابة “الهوم ورك”… إلخ. يأتي ذلك بالطبع جنبًا إلى جنب مع الدور الذي من المُفترض أن تلعبه تلك المسكينة في حياة الرجل الذي تحبه كزوجة وحبيبة تُريد أن تسعده وتجعله مُكتفيًا بها عن العالم أجمع.

 

كل ذلك يُثقل كاهل المرأة ويُثقل روحها أيضًا، حين تكتشف فجأة أن عمرها يضيع أغلبه في تفاصيل لا تعني لها شيئًا ولا تستهواها، وأن حصيلة أوقاتها السعيدة فعلاً أو غير المُحملة بالأعباء تكاد لا تُذكر، وأن أي شيء تود فعله لنفسها عليها أن تستقطعه من وقت نومها وراحتها، وهو ما يجعلها تشعر بأنها مُستهلكة، ويسُرق عمرها منها.

 

حين تصل المرأة إلى هذه النقطة عادةً ما تكون قد استُنزِفت تمامًا، خصوصًا مع علمها التام بأن هذه الساقية ستستمر طويلاً، فتخور قواها، وتتفرق طاقتها بين الأعباء المختلفة، حينها لا يصبح لديها أي طاقة/ وقت/ رغبة لمنح ما هو أكثر، فتبدأ في التقصير ببعض الواجبات، أولها غالبًا يكون واجبها تجاه نفسها، ما يُزيدها غضبًا، يليها التقصير في علاقتها بالآخرين بما فيهم زوجها، ليس عن عَمد بالضرورة ولكن لاعتباره شخصًا ناضجًا يُمكنه الاعتناء بنفسه أو تَحمُّل بعض مساوئ هذا الرتم من الحياة هو أيضًا.

 

والأهم لاقتناعها -ولو بشكل عاطفي- أنه يحمل جزءًا من وِزر ما وصلت إليه، إيمانًا منها بأن دوره كزوج وأب لا يستنزفه نفسيًا بنفس القدر الذي تستنزفها بها نفس الأدوار، مع الوقت يحتل الزوج مرتبة مُتأخرة بعض الشيء بقائمة أولويات زوجته، على وعد منها بتعويضه لاحقًا بالمستقبل القريب، وهو ما لا يحدث عادةً لأي سبب طارئ تصبح له الأولوية فيُزيحه من مقدمة القائمة للخلف قليلاً مع وعد جديد.

 

لتبدأ العلاقة في التَصَدُّع، بينما تتسع المسافة بين الزوجين في ظل شعور الزوجة أنها ليس لديها ما هو أكثر لتمنحه، وشعور الزوج أنه يستحق المزيد ولتذهب باقي الأولويات للجحيم. ولأن ما من حلول فورية يمكن اتخاذها، يبدأ كل طرف في تَصَوّر  أن الآخر لا يُبالي ولا يُقدِّر أهمية وحيوية الدور الذي يلعبه شريكه بالعلاقة، فتزداد الفجوة أكثر وأكثر، ومع كل خلاف ولو بسيط يوضع حجر في الحائط الذي سيفصل بينهما طويلاً، رُبما للأبد.

 

هنا -عزيزتي الزوجة- يصبح ظهرك عاريًا للريح الذي ستجلبه لكِ الدنيا، وقلب زوجك مكشوفًا يتوسطه جرح غائر لا ألومك على إحداثه، لكني أُنبهك أنه لربما جذب إليه مَن تعده بتطييب جراحه وتعويضه عما يفتقد، وفي الوقت الذي ستكونين فيه تُطحنين مع الأولاد ومسؤولياتك الأخرى العديدة سيبدأ هو نزوته التي ألقتها الحياة بوجهه في الوقت المناسب، لتصبحين واحدة ممن رحل عنهن أزواجهن لنساء أخريات، على عكس كل توقعاتك المُسبقة.

 

صدقيني.. أنا لا أكتب هذه الأشياء لأعاتبك، فأنا أتعاطف معك وأعلم حجم الثقب الهائل بروحك وحاجتك أنتِ أيضًا للتخفف من الأعباء والاحتواء، أو على الأقل أن يتركك الجميع في حالك ولو لوقت مستقطع من فترة لأخرى لتلملمي شتاتك قبل أن تعاودين الظهور أكثر خفة وعلى استعداد لتسلق الجبل الأبدي من جديد تمامًا كسيزيف.

 

وإن كنت أتعاطف كذلك مع الزوج الذي يفتقد وجود زوجته بحياته، لكنني أبدًا لا أُبرر الخيانة لأي رجل يجد نفسه في هذه المرحلة الحرجة من علاقته الزوجية، فيظن أن ذلك يجعله يستحق أن تتقبل زوجته وضعًا مُهينًا يفرض عليها وجود امرأة أخرى بحياة زوجها.

 

أنا فقط أكتب هذه الكلمات على أمل أن يقرأها أي ممن يخوضون هذا الوضع المًحبط البائس، أو مَن هم على وشك الدخول فيه، عساهم يعيدون تقييم الأمور حين يشاهدونها من زاوية جديدة تساعدهم على وضع كل الأشياء في نصابها المضبوط. 

 

علمًا بأن هذه التجربة قد يختبرها أيٌ منا إذا ما أسأنا توزيع المسؤوليات وترتيب الأولويات، والأهم إذا ما فقدنا القدرة على احتمال خذلان بعضنا بعض، ما يؤدي بالتبعية إلى انهيار مقاومتنا، ومن ثَم انهدام توقعاتنا التي بنيناها سابقًا، يوم ظننا أن الحياة لن تمنحنا إلا ما نستحقه، وأننا في مأمن من كل ما يقع خارج إطار حياتنا الذي رسمناه.

المقالة السابقةوصفة مش سريعة للكآبة المفاجئة
المقالة القادمةsliding doors “ماذا لو” الذي يجب أن يغلق باب
ياسمين عادل
امرأة ثلاثينية متقلبة المزاج، أعشق الرقص على السطور كتابةً، أُحب الفن بمختلف أنواعه وأعيش عليه. والآن كبرت وصار عليّ أن ألعب في الحياة عشرات الأدوار طوال الوقت، لأستيقظ كل صباح أُعافر حتى أستطيع أن أُحاكي بهلوانات السيرك فأرمي الكُرات المُلونة بالهواء ثم ألتقطها كلها في آنٍ واحد.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا