يامن
في أثناء اللحظات السعيدة الطويلة اللي بتجول فيها في دهاليز الهايبر ماركت، دافعًا عربة التسوق الكبيرة أمامي، فاقدًا لكل الاتجاهات، لا يقودني سوى خطوات زوجتي العزيزة المخلصة، التي تسرع أحيانًا وتبطئ أحيانًا أخرى، وتمر عند بعض الرفوف مرور الكرام، وعند رفوف أخرى تبقي دهرًا طويلاً، دون أي منطق واضح بالنسبة إليّ.
في أثناء هذه اللحظات السعيدة الطويلة، شخص واحد بس هو اللي بيكون على بالي وصورته وصوته لا يفارقا خيالي.
عبد المنعم مدبولي في فيلم الحفيد.. مشهد شراء مستلزمات السبوع.
إحساس طاغٍ بالتعاطف مع الراجل ده، ممزوج ببعض الشفقة على النفس، مع تعبيرات وجه السعادة المفرطة.
مع كثير من التساؤلات الملحّة التي لا تجد لها إجابة شافية ترحمها من عذابات الحيرة.
إيه الفرق بين الشامبوهات دي كلها؟!
وإيه الحاجة اللي ممكن تخلي البودي لوشن أحسن من صابونة نابلسي شاهين، بالشكل اللي يخلي الفرق بينهم في السعر 20 ضعف؟
وكمان إيه اللي يخليني أشتري أداة صنعت خصيصًا لنزع بذر الجوافة من قلب الجوافة بعد قطعها بسكينة الجوافة الخاصة؟! أنا أصلاً واحد بياكل الجوافة ببذرها.. ثم أنا بصراحة مش ممكن أشتريها وأنا مش حاسس بالاحترام ناحية الراجل اللي عمل خط إنتاج مخصوص للبتاعة دي.. طب هو إزاي أقنع العمال يشتغلوا فيها أصلاً؟! قالهم إننا هننقذ البشرية من الضياع نتيجة الإمساك الكوني اللي هيحصل لو تسربت بذور الجوافة اللعينة للمعدة مثلاً؟!
وإزاي ممكن يكون إنسان عادي زينا كده، فكّر في تصنيع أداة معقدة التصميم مخصوص عشان الستات يلحوسوا بيها الزيت في الطاسة ساعة القلي؟ طب لو حبيت أطلبها من الراجل أقوله إيه؟ أقوله من فضلك عندك “لحواسة” يا بوب لو سمحت؟
والتساؤل الوجودي الرهيب لما تكون هي ماسكة إيشاربين ومحتارة جدًا أنهي واحد فيهم هيليق أكتر على البلوزة، وبعدين تسألني عن رأيي؛ أبصلها بذهول وأرجع أبص للإيشاربين، وأحاول بأي شكل أفهم الموقف كله في ظل حقيقة واحدة بس أنا متأكد منها.. هما الاتنين لونهم أزرق.. يبقي فين المشكلة أساسًا؟!
التساؤلات دي كلها -برغم إنها بتفضل من غير إجابة- لكنها بتتلاشى فجأة، وتجري مرتعدة مذعورة لتختبئ في جحور العقل، عندما نجد أنفسنا -أنا وعربة التسوق- منقادين في اتجاه عشماوي هذه الرحلة الجميلة.. الكاشير.
وهنا بنتقل من مرحلة رفاهية التساؤلات، إلى مرحلة الدروس والعِبَر:
- درس الـbutterfly effect: الأشياء الصغيرة التافهة تصنع في النهاية مبلغًا كبيرًا من المال.
- درس الزمن: كل شيء في الدنيا مهما طال، لازم له آخر.. حتى الشوبينج.
- درس أيها الراقدون تحت التراب: شايف الراجل ومراته اللي على يمينك شاريين حاجات قد إيه؟
- درس ابن اللعيبة: شايف الشاب الروش اللي خارج من المحل الطويل العريض ده بكباية آيس كريم وحجرين قلم؟