عزة
تم نشرة في 06/10/2014
وقت القراءة : 2 دقيقة
إذا سألنا: “ما هو الحب؟”.
ستتحسس الفتاة العشرينية خصلات شعرها وتجيب بأن الحب هو ذلك الشعور الخفي القادر على التسلل بهدوء، والتمكن من الروح والقلب.. والعقل.
وسيرد الرجل الأربعيني بعدما يهرش كرشه بأن الحب في اللغة هو أصل الشيء ولُبّه، وسمي بذلك لأن محله القلب والقلب أصل الإنسان ولبه.
سينفخ الفنان دخان سيجاره الصيني، ويخبرنا بأنه فن معاملة المحبوب برقة وجمال بأداء ماهر وخبرة ودراسة، بهدف إبداعات جديدة لحياة سعيدة. والفيلسوف سيرد بأنه التعلق الخالي من أي تبادل منفعة.
جراح المخ سينظر من فوق عدسات نظارته ويشرح أنه عبارة عن تزايد في معدل إفراز هرمون الأوكسيتوسين (والمسمى بهرمون المحبين) ما يؤثر على الدوائر العصبية المرتبطة بتقييم الفرد للأشخاص. وهو ما أخذ منه أصل مقولة “الحب أعمى”.
أما الراهب سيشعل شمعة ويقول إنه ذاك الشعور الذي إذا اقترن بالخوف والرجاء صار تعبدًّا كاملًا.
ورجل الأعمال سيصرف سكرتيرته بنظرة ذات مغزى ويستدير بالكرسي قائلًا: “هو أن يستثمر الفرد عواطفه فيتم قبول استثماراته، ويعود عليه بعائد عاطفي أقل أو أكثر”.
ولكن أولى الناس بالسؤال هم السلف ومجانين الحب، من أول مجنون ليلى وكُثيّر عزة وجميل بثينة، لكن هؤلاء وجيلهم -رغم أن منهم من مات حبًا- لما سألناهم، لم يستطع أحدهم رسم إطار للحب، ولم يخط أحد تعريفًا اصطلاحيًا له، فالتوضيح كان لا يزيده إلا خفاءً.
وفي تعريفهم للحب أقوال، بلغت نحو الثلاثين.
الحبُّ أوّلهُ الهوى.. وآخرُه العشقُ، وقيلَ أوّله الهوى وآخرُه التيتيمُ.
وذكروا أنَّ أوّله العَلاقةُ وآخرَه التعبّدُ وبينهما ثمَانية. وآخرُ قالَ بأنَّه يبدأُ بالهَوَى ليَصِل إلى الهيامِ وبينهُما اثْنا عَشر.
كمَا أنَّ لهُ أعراضًا جانبيةً، ولَها أسْمَاؤهَا.
فمنْ رتّبه على عشرِ مراتبَ قال بأنَّ أوَّله العلاقةُ: وهي تعلُّق القلبِ بالمحبوبِ.
أمَّا المرتبةُ الثانيةُ فهيَ الإرَادةُ: وهي إرادةُ المحبوبِ وطلبُ وجودِهِ وميْل القلبِ إليْهِ.
والمرتبةُ الثالثةُ الصبابةُ: وهيَ أنْ ينصبُّ القلبُ لِمنْ أحبَّه كانْصِبابِ الماءِ دوْنَ سيْطَرَةٍ عليْه.
والرابعةُ الغرامُ: وهي المُلَازَمةُ للقلبِ و-يا للمفارقةِ!- سُمِّيَ العَدو غَريمًا لملازمتِه للفِكْر، وكذلك الحبُ غرامًا لملازمتِه القلب.
الخامسةُ المودّةُ أو الودّ: وهيَ المحبةُ الخالصةُ الصافيةُ.
ثمَّ الشغفُ (ومَا أَدْرَاكَ مَا الشَّغف!): وصولُ المحبةِ إلى شِغافِ القلبِ، وهوَ الطبقةُ الرقيقةُ المُبطِّنَةُ لجدارِ القلبِ منَ الداخلِ. ويصْحَبه رغبةٌ في التلامسِ الجَسَديّ للشعورِ بأنَّ اللُّغةَ غير قادرةٍ كفاية على الوصْلِ المُرادِ.. {قَدْ شَغَفَهَا حُبَّاً}.
السابعةُ العشقُ: وهو الحبُ المُفْرطُ، ويُخافُ على صاحبهِ منْه، وغالبًا مَا تتْبعهُ شَهوةٌ، فَهو مَا سَبَق الشغفَ بخُطْوةٍ.
والتتييمُ: وقيلَ هُو التعبُّد أو أقلُّ خُطوة.
ثم التعبُّد: ومعروفٌ أمْرُ العِبَادةِ.
العاشرةُ الخُلَّة: وهي أنْ يتخلَّل الحبُّ روحَ الحَبيبين وقَلْبيهِما. ومنْهَا الخَليلُ وهوَ الصَّديقُ، وهيَ رُتْبة لَا تقْبَل المُشَاركةَ.
أمَّا منْ قالَ بأنَّ أوَّلَه الهوى وآخِرَه الهيامُ وهو أربعُ عشْرة رُتْبة، فَقد رَتَّبه “الهَوى، ثمَّ الصَّبْوة، الشَّغف، الوَجْد، الكَلَف، النَّجْوَى، الشَّوق، الوَصب، الاسْتِكَانة، الودّ، الخُلّة، الغَرَام، وَالهَيَام”.
وكلُّ تعارِيفُه تَرْتَبط بالوجعِ، وأحيانًا بالحبِّ الأَعْمَى.
والهَوى هُو مَيْل النفْسِ. والصَّبْوَة الميلُ إلى الجهلِ ومِنْها غَمْض الحبيبِ عَن عيوبِ حَبِيبه. والوَجْد هوَ الحبُّ المتْبُوعُ بمشقّةٍ وحُزْنٍ لِكَثْرَةِ التفْكِير، ثُم الكَلف وأصلُ الكلمةِ مِن التكلِيفِ بالمَشقَّاتِ، وَهوَ شِدَّة التَّعلّقِ والوَلَع، والنَّجْوى هي شدَّة الوَجْد وَالحُرقةِ، والشَّوق هُو سَفَر القلبِ إلى المَحْبُوبِ وارتِحالُ مشاعِره وعواطِفه، والوَصب هو المرضُ مِن أثَرِ الحُبِّ، والاسْتِكَانة الخُضُوع.
والهيامُ -وآه مِن هَيام!- هو جُنُون العشقِ، وأصلُه الهيمُ، وهو داءٌ يُصِيبُ الإبِل العِطَاش فتهِيم وَلَا تَرْعَى، فَكأنَّ الحبيبَ مُتعطِّشٌ إلى محبوبِه هائمٌ على وجْهِه فَلا يَأكُل وَلَا يَشْرَب.
وللحبِّ أعْراضٌ جَانبيةٌ، وَمنْها:
التَدلُّه: وَهُو ذِهابُ العقلِ مِن الحبِّ.
التَّبلُ: وهوَ المَرضُ والهُزال منَ الحبِّ.
والشَّجنُ: شدَّة الحاجةِ إلى المحبوبِ.
الجَزَع: عدَم الصَّبرِ عَلَى الفرقةِ.
الرَّسيس: وَهو رُسوخ صورةِ المَحبوبِ فِي عَيني وعَقل المُحبِّ.
والسُّهد الذِي يتَغنّى بِه كلُّ المحبّين: وهو السَّهرُ وغِيابُ النَّومِ لِكَثْرَة التفْكِيرِ فِي الْمَحْبوبِ.
كيف مع كل هذا ظن أحدنا أنه ناضج بما يكفي لينظّر في الحب، ويقنع بأنه قادر على حد إطار له؟!