هناك على جسر العشاق

1960

مفتتح: أنا شخصية فقرية، وده شيء معروف لكل اللي بيتعامل معايا عن قرب.

 

متن: كنت بفكر في جسر العشاق اللي في باريس، كنت راكبة المواصلات كأي فتاة عاملة مكافحة، وبفكر في إن فيه حبّيبة كتير من كل الدنيا راحوا وقفوا ع الجسر ده وباسوا بعض بوسة عميقة وعلقوا قفل ع الجسر ده، رمز لقصة حبهم، وآمنوا تمامًا إن طول ما القفل متعلق ع الجسر علاقتهم في أمان.

 

كنت بفكر، هل يا ترى كل العشاق اللي زاروا الجسر ده، لسه قصص حبهم في أمان؟

 

ثم تداعت الخواطر على دماغي لأن الطريق كان زحمة، وبالتالي لسه فيه وقت كتير للتفكير في أشياء خزعبلية، وقلت يا ترى كل الأقفال اللي اتحطت ع الجسر ده لسه موجودة؟ يعني الحكومة الفرنسية مش بتخفف الأقفال بشكل دوري عن الجسر عشان يوجدوا مكان لعشاق جدد يروحوا يقفوا ع الجسر ويبوسوا بعض بوسة عميقة، ويعلقوا القفل ويعتبروا إن كده قصة حبهم في أمان؟

 

مداخلة: أنا شخصية فقرية زي ما قلنا في المفتتح.

 

متن (2): بعدها بكام يوم قريت إن الحكومة الفرنسية هتشيل الأقفال من على جسر العشاق عشان الحمل بقى تقيل على الجسر وبيشكّل خطر على المواطنين.

 

ابتديت أفكر تاني، كام واحد وواحدة من اللي وقفوا ع الجسر ده في يوم من الأيام قرا الخبر؟ يا ترى كان إيه رد فعلهم؟ زعلوا؟ حسوا بالخوف؟ اعتبروها علامة إن قصة حبهم مش مكتوبلها الاكتمال؟

 

هل فيه حد من اللي وقفوا على جسر العشاق في يوم من الأيام سرح وافتكر قصة حب قديمة متعلقلها قفل على جسر العشاق ومع ذلك مكتملتش؟

 

مداخلة (2): أنا شخص مؤمن بالعلامات بشكل وحش.

 

متن(3): فكرت، هل لو أنا من ضمن الشخصيات اللي وقفت في يوم على جسر العشاق وعلقت قفل، واتمنت إن قصة حبها تكتمل، كنت هحس بإيه بعد قراية الخبر؟

 

طيب خلينا نقول إن فيه ناس كتير بيعملوا نفس الطقوس دي بعيدًا عن جسر العشاق.. اتنين يشتروا ميدالية مقسومة اتنين وكل واحد ياخد نصها، ولو حد فيهم النص بتاعه ضاع بيعتبرها علامة، أو واحدة يشتريلها حبيبها سلسلة ولو السلسلة اتقطعت بتعتبر ده فال وحش وتتوجس من الانفصال، أو اتنين يتصوروا أول صورة ليهم مع بعض ولو الصورة ضاعت يعتبروها علامة إن مش مكتوبلهم الاكتمال ببعض.

 

هل ده صح؟

 

هل صح إننا نعتبر كل حاجة بتحصل علامات؟ هل صح إننا نحط علاقاتنا في اختبار قاسي خاضع لعوامل الصدفة بقسوة كده؟

 

المنطق بيقول لا غلط، مينفعش نحط لنفسنا عراقيل تخلي كل خطوة من خطواتنا تحت رحمة الصدفة، المنطق بيقول كمان إن كل حاجة بتحصل لسبب، يعني ضياع الصورة أو قطع السلسلة أكيد له سبب.

 

طيب نتبنى أي منطق فيهم؟ منطق إن قطع السلسلة صدفة ولا منطق إنها علامة وليها سبب؟

 

أنا مش عارفة الإجابة، مش عارفة المفروض أتبنى أي منطق فيهم، وفي كل مرة بعتبر كل حاجة بتحصل علامة، بس في نفس الوقت بحاول كمان أتبنى المنطق المقابل وأحاول أروح أقرب ورشة فضة وأصلح السلسلة.

 

كل حاجة في الدنيا علامة، قطع السلسلة وضياع النص التاني من الميدالية علامة، فيه منطق تالت ممكن نتبناه ونريح دماغنا من كل الوجع ده، المنطق ده بيقول إن دي علامة اختبارية لمدى قدرتك على الحفاظ على العلاقة، حتى لو فيه علامات مؤلمة.

 

قدرتك على البحث عن ورشة تصليح فضة، وإنفاق جزء من وقتك وفلوسك على تصليح السلسلة، قدرتك على تحمل المشاكل والتعود على الصبر في حل الخلافات، قدرتك على تطويع العلامات لصالح العلاقة، بذل آخر نفس ليك في محاولات الإصلاح اللي مش بتنتهي بتعليق القفل على جسر العشاق، أو بإنكم تتصوروا أول صورة ليكم سوا.

 

المنطق ده بيقول إن طالما لسه عايشين لسه فيه أمل في إصلاح العلاقات، حتى لو الحكومة الفرنسية قررت تشيل الأقفال من على جسر العشاق، المنطق ده بيقول إن الميدالية اللي نصها ضاع ممكن نشتري غيرها ونقسمها، وممكن جدًا نتقابل دلوقتي حالًا ونتصور صورة تانية بدل اللي ضاعت.

 

يا ترى كام واحد وواحدة من اللي علقوا في يوم من الأيام قفل على جسر العشاق هيقرروا إنهم ميجددوش العربية السنة دي لكن هيروحوا رحلة لباريس ويعلقوا قفل جديد على الجسر، ويبوسوا بعض بوسة أعمق من اللي فاتت؟

 

خاتمة: العلامات شيء حقيقي، بس المعافرة شيء حقيقي أكتر بكتير.

المقالة السابقةفيلمين ومسلسل
المقالة القادمةأنا في أعين الآخرين
إنجي إبراهيم
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا