قرأت منشورًا على الفيسبوك عنوانه “كيف يعشق الزوج زوجته بجنون؟”، عن عجوز سئلت عن سر سعادتها في حياتها الزوجية التي دامت 50 عامًا، فتبدأ كلامها بأن مفتاح السعادة الزوجية بيد المرأة، ثم تقول إن رد فعلها تجاه نوبات غضب زوجها أنها كانت تصمت وتطأطئ رأسها بكل أسف ولا تنصرف من أمامه حتى ينتهي من صراخه، ثم تتركه ليهدأ ويستريح من الصراخ وتنشغل ببعض الأعمال المنزلية، ثم بعد نحو ساعتين تقدم له كوبًا من الشاي أو العصير وتتحدث معه وكأن شيئًا لم يكن، وتقول إنها لا تخاصمه أو تهجره حتى لا يعند معها ويرتفع سقف مطالبه، وعندما يسألها ما إذا كانت غاضبة تقول: لا، فيبدأ في مصالحتها بكلام جميل والاعتذار عن صراخه، وتصدقه لأنها واثقة بنفسها وليست غبية ولأنها صدقته وهو يصرخ فالأولى أن تصدقه وهو هادئ، وتختتم كلامها بأنه لا كرامة بين الزوجين وأن كرامتها في رضا زوجها وصفاء العشرة بينهما.
وأي عشرة صافية هذه التي يبتلع فيها أحد الزوجين الإهانة صاغرًا ويلغي مشاعره؟! دعونا نناقش كلام العجوز بالمنطق.
نبدأ بقول العجوز أن مفتاح السعادة الزوجية بيد المرأة.. لو شبهنا الزواج بمشروع به شريكان، فهل يمكن أن ينجح مشروع إذا كان أحد الشريكين يقوم بكل العمل ويتحمل كل المصاعب والآخر لا يبذل أي شيء لإنجاحه؟ بالطبع لا. نفس الكلام ينطبق على الزواج. إن الزواج علاقة، والعلاقة لها أطراف يشتركون بها، وبالتالي لا يمكن أن تنجح بدون أن يكون لدى أطرافها (الزوجين) الحرص على إنجاحها والاستعداد لبذل الجهود اللازمة لذلك. العلاقة أخذ وعطاء، كل طرف يأخذ ويعطي، ولا يمكن أن تقوم بأن يقوم طرف بالأخذ وآخر بالعطاء.
والزوج الطبيعي المحب لزوجته يكون حريصًا على إسعادها، ويشعر بالرضا عندما ينجح في القيام بشيء يسعدها. ونفس الكلام ينطبق على الزوجة. أما الطرف الذي يعتقد أن الآخر مسؤول عن إسعاده ففي هذا شيء من الأنانية وتنصل من المسؤولية. فمفتاح السعادة الزوجية بيد الزوجين معًا.
والآن ننتقل إلى وصفة المرأة العجوز في التعامل مع نوبات غضب زوجها:
من الحكمة أحيانًا أن نصمت أمام شخص غاضب، لعدة أسباب: أنه أثناء غضبه غير قادر على الاستماع أو التفكير بعقلانية، وأن الاستماع إلى ما يقوله قد يفيد في فهم أسباب غضبه (سواء كان محقًا أو غير محق) ومن ثم حل الموقف، كما أن الاستماع إليه قد يفيد في مساعدته على تفريغ شحنة الغضب بداخله تمهيدًا لنقاش هادئ عندما تخمد جذوة غضبه لأن مناقشته وهو ثائر ربما تؤدي إلى تعقيد الموقف. ولكن ما الداعي إلى طأطأة الرأس بكل أسف؟ هل يشعر بقوته مثلاً عندما يرى زوجته ضعيفة ذليلة؟ هل لا يقوى على التفكير بأنه قد يكون مخطئًا؟ إذن ليس رجلاً قويًا. الرجل -أوالإنسان- القوي يشعر بقوته في ذاته لا من خلال رؤية ضعف الآخرين، ويتقبل أنه قد يكون مخطئًا وأن الصواب ربما يكون مع غيره رجل أو امرأة.
استفزتني جدًا فكرة أنها تتركه ليهد أو يستريح من صراخه. مشكلتي ليست في السبب نفسه، ولكن في أن هذا هو السبب الوحيد. أليست هي أيضًا تحتاج إلى وقت تهدأ فيه من الصراخ، وتلملم مشاعرها، وترتب أفكارها وتقيّم الموقف لترى كيف تتصرف؟ إن كبت مشاعرك لن يفيدك ولن يفيد علاقتك بزوجك. فالكبت ستظهر آثاره عليكِ في صورة أعراض جسدية مزمنة كالحموضة والصداع المستمر والإرهاق، أو في صورة فقدان الحماس لأي شيء، أو في صورة سلوكيات إدمانية، أو في صورة العنف السلبي تجاه زوجك كالحديث عنه في ظهره، أو قد يؤدي بكِ إلى الانفجار غاضبة في أوقات ومواقف غير مناسبة ولا تستدعي الغضب، وربما توجهين غضبك نحو أشخاص لا علاقة لهم بغضبك، لتتحول حياتك إلى سلسلة ردود أفعال غير محسوبة تقودك إلى الندم. في حين أن التعبير عن المشاعر بالشكل اللائق وفي الوقت المناسب يوفر الفرص للزوجين لفهم بعضهما بعض، وتصفية قلوبهما تجاه بعضهما بعض أولاً بأول. فالخلافات الزوجية شيء لا بد منه، وطريقة التعامل معها هي التي تجعلها معول هدم للعلاقة أو فرصة لنمو الزوجين وتوفير فرص الفهم والقرب بينهما.
عزيزتي الفتاة الحالمة.. لا تتوقعي أن يكون صراخ زوجك “على قلبك زي العسل” وأنكِ ستكونين الزوجة الحمولة المضحية وأنكِ ستتحملين كل ذلك بصدر رحب من باب أن “ضرب الحبيب زي أكل الزبيب”. لا، ليس ضرب الحبيب كأكل الزبيب. بل هو مؤلم ومؤلم جدًا، لأن الحبيب يُتَوَقَّع منه الحب والسند والاحتواء والاحترام، ولا يُتَوَقَّع منه الأذى والإهانة. إن الصبر والاحتمال والتغاضي أشياء مطلوبة لاستمرار الحياة الزوحية ونجاحها، ولكن هل كل شيء يمكن تحمله والتغاضي عنه؟ إن مدى تكرار غضب الزوج وما يفعله وقت غضبه يؤثر في الإجابة. فرد فعلك سيختلف إن كان دائم الصراخ عما إذا كان صراخه أمرًا عارضًا. وتعبيره عن غضبه فقط برفع صوته يختلف عن قيامه بالسب يختلف عن استخدام الضرب. ففي كل حالة يكون رد الفعل مختلفًا. والاحتمال يجب أن يكون متبادلاً بين الطرفين، وليس واجبًا على الزوجة وحدها. والزوج الناضج المحب لزوجته يصبر على أخطائها وضعفها كما تتحمله هي الأخرى.
عزيزتي الزوجة.. لستِ مضطرة لدفع ثمن حب زوجك لك من كرامتك واحترامك لنفسك وراحتك النفسية. فالاحترام أحد الأعمدة الأساسية التي تقوم عليها العلاقة الزوجية الناجحة. الإهانة تقتل الحب، الإهانة لا تصنع علاقة ناجحة، الإهانة لا تصنع إنسانًا سويًا قادرًا على القيام بمسؤولياته واحترام نفسه وغيره.