في الزواج.. هل البقاء للأقوى؟!

1073

على إحدى صفحات فيسبوك نشرت مشكلة مرسلة من شاب بخصوص علاقته بخطيبته، وذكر فيها: “والدتي لاحظت حاجة وبصراحة عندها حق، قالتلي البنت دي عارفة إنها حلوة وواثقة في نفسها، وده هيتعبك. حتى بعض أصدقائي لمَّحولي إن هيبقي صعب عليّ أسيطر عليها”.

والسؤال الذي تبادر إلى ذهني: ولماذا يسيطر عليها أصلاً؟ ذكرني ذلك بالمنشور الذي انتشر منذ فترة قريبة والذي يدعو الزوجة إلى عدم إعداد كوب الشاي لزوجها ما دام بصحته، وخناقة إعداد “اللانش بوكس” للزوج، ومنشورات طاعة الزوج في مقابل تلك التي تدعو الرجال إلى أن يكونوا رجالاً حقيقيين أولاً. هناك أيضًا الأمثال الشعبية من عينة “جوزك على ما تعوديه” و”ادبحلها القطة”. والخط الذي أراه يربط بين كل تلك المنشورات والأمثال هو الرغبة في السيطرة، والتي قد تكون عند الزوج، وقد تكون عند الزوجة.

فهناك مثلاً من يخشى تحمل المسؤولية لشعوره بعدم الكفاءة. على الجانب الآخر، هناك فتاة تخشى الرفض والوحدة، وتسعى إلى الشعور بالأمان من خلال محاولة السيطرة على من وما حولها، وتعتقد أنها لا بد أن تبذل الكثير والكثير للطرف الآخر، حتى لو على حساب نفسها، لتظل شاعرة بأن لها قيمة وبأنها تستحق الحب. وهو أمان زائف وقيمة زائفة بالطبع. هذان الشريكان يعشقان في بعضهما مثل قطعتي البازل، تلعب دور أمه ويلعب دور ابنها، فيعتمد هو عليها ويلقي عليها بمسؤولياته، وتتحملها هي وتسيطر عليه.

كيف تسيطر عليه؟ تتخلى عن مسؤوليتها في العلاقة، وتسعى إلى تغييره، وذلك بالنصيحة المستمرة دون أن يطلبها، وبالتركيز على نواقصه وأخطائه ولومه على كل كبيرة وصغيرة، واستعجال تغييره. وعندما لا يتغير إلى الصورة التي تريده عليها تمتلئ بمشاعر الغضب نحوه والسخط عليه، وتشعر أنها الضحية التي تتحمل كل المسؤوليات وحدها. والحقيقة أن هذه أيضًا مسؤولية زائفة. المسؤولية الحقيقية هي أن ترى زوجها كله على بعضه بعيوبه ومميزاته، وأن تقبله كما هو دون محاولة تغييره. نعم تغضب، ولكن لا تعبر عن غضبها ببث مشاعر الذنب فيه وإشعاره أنه سيئ، ولكن تبحث عن طرق للتعايش مع عيوبه، بحيث تقلل من أضرارها على الأسرة، فتركز على مشاعرها واحتياجاتها هي، وتحاول أن تصل معه لحلول وسط وواقعية ومحددة يقومان بها معًا لحل المشكلة.

طبعًا هناك فرق بين عيب وآخر ومشكلة وأخرى، وكل واحد يحدد ما يقبله ويمكنه التعايش معه، وما يرفضه تمامًا. وبشكل عام، لا يوجد إنسان كامل، لكن ما دام الأساس سليمًا، وهناك حب واحترام ومساندة وثقة متبادلة، فإن كل شيء بعد ذلك قابل للتعامل معه.

أحيانًا أخرى يكون الزوج هو المسيطر، ولهذا أشكال كثيرة، مثل مراقبة حساب فيسبوك الخاص بزوجته، والتحكم في اختيارها لأصدقائها وملابسها، ومنعها من العمل، والتحكم في إنفاقها لمالها الخاص، وأمرها أن تخبره قبل أن تخرج من البيت وعندما تصل إلى وجهتها وعندما تعود… إلخ، وإذا لم تفعل يشك فيها ويتشاجر معها، ويحدث ذلك منذ فترة الخطبة وربما قبلها.

المشكلة عندما تقبل هي ذلك وتراه حبًا، بل لو دخلت في علاقة مع رجل يحترمها ولا يحاول السيطرة عليها تعتبر ذلك عيبًا فيه. هي في الغالب ربما تكون قد تربت بهذه الطريقة، فعندما تمنح حريتها يكون ذلك صعبًا عليها أو صادمًا لها، لأن الحرية تصحبها مسؤولية، فتفضل أن تظل خاضعة لسيطرة غيرها لتلقي عليه مسؤوليتها وتلومه على أي مشكلة تتعرض لها، والأدهى عندما تبرر ذلك بمقولات مثل “المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين”، “الراجل راجل والست ست”… إلخ، وهو كلام حق يراد به باطل.

“المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين” في الأشياء التي ليس لنا فيها خيار، وبعد أن نكون بذلنا كل ما بوسعنا لندفع الأذى عن أنفسنا، لأن الله لم يكتب علينا الأذى ولم يأمرنا أن نستسلم له، لكنه ترك لنا أنفسنا أمانة نحافظ عليها.

وعلاقة الزواج السوية تقوم على الحب والاحترام المتبادلين، على المودة والرحمة. فيسمع كل من الزوجين للآخر، ويراعي كل منهما مشاعر الآخر. فتتصل الزوجة بزوجها قبل أن تخرج لتستشيره أو ليكون مطمئنًا عليها، لكنها إن لم تفعل فلن يشك بها أو يعنفها. قد يخبرها برأيه في ملابسها، وقد تستجيب هي له لأنها تحبه وتحرص على مشاعره، وربما يختلفان في الرأي، ولن يحبسها في البيت حينئذ.

على الجانب الآخر، قد يبدل ملابسه إذا أخبرته زوجته أنها لا تليق به، أو يقلل من تعامله مع امرأة ما إذا وجد ذلك يضايق زوجته، يفعل ذلك لأنه يحبها. قد يستشيرها في مشكلة تخصه لأنه يثق في رأيها، وربما يترك لها القرار النهائي بخصوص اختيار مدارس الأبناء مثلاً أو شراء شيء يخص المنزل لأنه يراها أدرى منه بهذه الأمور. وفي المقابل، تقبل هي طواعية أن تكون له الكلمة العليا في أمور أخرى، وتطيعه عن طيب خاطر إن طلب منها عدم التأخير أو عدم الذهاب في سفرية معينة وشرح لها أسبابه، لأنها تعلم أن ذلك نابع من رغبته في الاطمئنان عليها، وليس في السيطرة أو التضييق عليها أو تعويقها عن النمو في حياتها، فهو لا يمنعها من كل شيء كل الوقت ودون أسباب منطقية، بل يكون بينهما نقاش وأخذ ورد في الكلام.

في العلاقة الزوجية السوية يحدث ذلك بشكل تلقائي وطبيعي، دون صراع على القوة، ولا رغبة لدى أي من الزوجين في السيطرة والشعور أنه اﻷفضل أو اﻷقوى، وشعور الطرف اﻵخر أنه مقهور أو منتقص من قدره. في الزواج السوي، البقاء ليس للأقوى ولكن البقاء للعلاقات القائمة على التكامل والاحترام والحب.

 

المقالة السابقةعن العشرة الطيبة وأشياء أخرى
المقالة القادمةواحتارت المرأة بين الضعف والقوة

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا