عن الحب والعشرة والعجول الثلاثة

1691

رحاب

تم نشرة في 03/17/2018

“عايزة تخلعي رجعيلي التلات عجول”.. لم أستطع أن أمرر ذلك الخبر أو تفاصيله مرور الكرام، في نوفمبر الماضي حمله أحد المواقع الإلكترونية حول واقعة دعوى خلع، أقامتها سيدة ستينية ضد زوجها البالغ من العمر 53 عامًا، أما التفاصيل الغريبة جدًا فقد جاءت على لسان الزوج الذي بدأ يحكي عن العلاقة المرهقة التي استمرت لـ25 لتنتهي به في قاعات المحاكم حيث تقيم زوجته ضده دعوى خلع.

 

الزوج الغاضب بدا صريحًا للغاية، حين تحدث عن سبب الأزمة الأخيرة التي دفعت زوجته لإقامة دعوى الخلع “بسبب تقصيري معاها في العلاقة الحميمة نتيجة إصابتي بالسكر والضغط”. لم أستطع أن أمرر تلك الجملة، لكن يبدو أن الرجل مررها، فلم يكن غضبه من تبرُّمها، ولكن ما آلمه أكثر من المرض والتقصير تلك الفضيحة التي حرصت عليها الزوجة، حين أعلنت عن السبب خلف رغبتها في الانفصال للجميع “صرحت بذلك لأبنائها وفضحتني أمام أقاربنا وجيراننا”.

 

25 عامًا  وثلاثة أبناء وكثير من المواقف المنهكة التي بدا أن الرجل قد ضاق بها أخيرًا “ربيت ولادي، وكنت زي الخاتم في صباعها، كنت بشتغل جوة البيت وبرة البيت، وكانت بتزعقلي وتعنفني بشهادة الجميع”، واحدة من المرات القليلة التي تلعب فيها المرأة دور الشرير في القصة، جعلني هذا أقرر قراءة القصة لنهايتها، صحيح أن محرر الموضوع الصحفي لم يأت برد من الزوجة أو حتى عرض وجهة النظر من الناحية الأخرى، بحسب ما جاء من أقوالها في المحكمة، لكن كلام الزوج كان ذا مغزى طوال الوقت.

 

“الماستر سين” في القصة كلها كان ذلك الطلب الذي وجَّهه الرجل للمحكمة في نهاية حديثه أمام القاضي “أنا عاوز التلات عجول بتوعي والعقد الذهب عيار 21 ووزنه 17 جرام و7 آلاف جنيه مهرها اللي دفعته”، صحيح أن الزوجة -بحسب كلام الزوج- تعدت عليه سبًا وضربًا حين طلب منها الأغراض المذكورة، بل أنها أصابته بعدة كسور في جسده وفق تقرير طبي أرفقه ضمن الدعوى وحرره في قسم شرطة الهرم، إلا أن الرجل بدا مصممًا على استعاده ما دفعه قبل الـ25 سنة الماضية، ليطلقها متمسكًا بعصمتها حتى اللحظة الأخيرة.

 

كسور وجروح وفضيحة ومحاضر تعدي، وأخيرًا خلع، جعلني هذا أتساءل حقًا: ماذا لو رق قلب السيدة وردت له عجوله الثلاثة، والعقد الذهبي وسبعة آلاف جنيه التي لا أعلم موقعها من الإعراب، ما الذي سيغيره هذا كل في واقعه البائس؟!

 

استعدت سريعًا ذلك الخبر المرعب الذي سمعته قبل شهور عن طلاق اثنين من معارفي، عقب 23 عامًا من العشرة، وقصة حب تعود لأيام الثانوية العامة، سبق الخبر الكثير من المشكلات التي سمع عنها القاصي والداني. تغيرت السيدة فجأة وأصبحت راغبة في المزيد من الهدايا كما بدأ حديثها عن تقصير زوجها المادي يزيد، وعن بخله الذي لم يسمع به أحد من قبل. بسرعة غريبة انتهى الأمر بالطلاق، وبسرعة أغرب تزوجت السيدة من رجل جديد، تاركة طليقها يعاني الصدمة، ليبدأ الحديث في الأوساط العائلية عن ضرورة ردها الهدايا القيمة التي أحضرها الزوج في فترة المشكلات. “لو عندها دم لازم ترد الهدايا؛ ما دامت مش عاوزاه قبلتها ليه؟”.

تعرفي على: قصة الحب المستحلة مسلسل سمرا

هنا فقط فهمت منطق صاحب العجول الثلاث، وفهمت منطق عشرات الرجال والنساء ممن أقرأ أخبارهم، وأتابع حكاياتهم، فهمت الكثير عن تلك اللحظة التي يهرب فيها الجميع من مواجهة جوهر الكوارث في حياتهم بالتركيز على أمور مادية بحتة، بعيدة عن قوائم الأساسيات، فلا يصبح الحديث عن تقصير في مأكل أو مشرب أو بند من الضروريات، يضحي فجأة عن تقصير في الهدايا، أو مطالبة برد ما قد فات حتى لو مضى عليه 25 سنة كما هي الحال مع صاحب العجول الثلاثة، هو ذات الشعور الذي ينتابنا حين يصيبنا الإحباط واليأس فنلجأ لمُسكن تلو آخر، تارة بالعمل وتارة بمعارف جديدة وتارة بالخوض في تفاصيل جانبية نتحول معها إلى شريط “سف” من التكرار الممل، انتهاء بإخراج الغضب بأنفسنا في أنفسنا، نلجأ لالتهام المزيد من الطعام، نحاول أن نشعر ولو لوهلة أنه ما زال بأيدينا شيء ما نملكه، حتى لو كان قطعة حلوى أو حتى قضمة خبز، ذلك الشعور الممضي لدى المرء بأنه خسر كل شيء، المشاعر والعمر والكرامة والأمان، والاستقرار، يعقبها في كل مرة رحلة بحث دامية عن مسكن، حيث تتحول مواجهة الحقيقة إلى كابوس قاتل لا قبل للكثيرين به.

المقالة السابقةقوانين الحب السبعة بين المحبين
المقالة القادمةلماذا لم أعد بطلة؟
رحاب لؤي
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا