منار
تم نشرة في 04/25/2017
وقت القراءة : 4 دقيقة
أنا لم أكن مثل باقي النساء.. كنت أخاف الأمومة؛ أراها حملاً ثقيلاً لن تتحمله كتفاي، فأنا كنت لا أطيق بكاء الأطفال، ولا أرغب في حملهم. لم ألاعب طفلاً قط في المواصلات العامة، ولم أشعر قط بتلك السعادة الخالصة عند رؤيتي لطفل جميل. كنت أهرب من مشاريع زواج محتملة كثيرًا خوفًا من المسؤولية، فأنا فاشلة بالعناية بنفسي، فكيف أعتني بمنزل وطفل؟! أنا حتمًا سوف أكون أمًّا فاشلة.
ظللت أخاف الزواج والأمومة حتى التقيت بزوجي، فهو الرجل المثالي الذي طالما حلمت به. لم أحلم مطلقًا برجل وسيم مفتول العضلات يرتدي أفضل الثياب، أنا حلمت فقط بشريك للحياة، شخص يقسم معي كل مهام المنزل، فلا يكن عبئًا على حياتي.. نذهب معًا للسينما ونتشارك قراءة الكتب ونذهب معًا للسوق، شخص يشاركني تحميم طفلنا ويساعده في ارتداء ملابسه، شخص يحمل الطفل بينما أنا أعد الطعام، أو يرتب هو المنزل بينما أنا أضع طفلنا الرضيع في سريره لينام. عندما قابلت زوجي كان هو الرجل الذي طالما بحثت عنه، يشاركني كل شيء، يفكر معي في مستقبل طفلنا ويدعمني في عملي تمامًا، يدفعني دائمًا للأمام.
في بداية زواجنا لم يخذلني زوجي قط، كان متعاونًا لأقصى حد، يساعدني في إعداد السفرة ويشتري طلبات المنزل، يصنع لنا الشاي أو القهوة، بل في بعض الأحيان يعد الطعام بنفسه. ظللنا على هذه الحال ثلاثة أشهر كاملة، شعرت معها أنه من الممكن أن أفكر في إنجاب طفل صغير، طفل طالما هو تمناه وطالما أنا خفت من قدومه، اعتقدت أن الوقت قد حان، ولكنه ما لبث أن خذلني.
بدأ تدريجيًا في تقليل تعاونه في المنزل، فاليوم طلب مني أن أجمع أنا القمامة على أن يخرجها هو، وغدًا تناسى أمر القمامة تمامًا وأصبحت أجمعها وأخرجها. ظلت مهام زوجي تتقلص في المنزل مهمة تلو الأخرى، حتى أصبح بالكاد يحضر كوب الماء لنفسه، ويفعل ذلك مرة ويطلب مني إحضارها مرة أخرى. مع تقلُّص مهامه المنزلية وتراكم الأعمال على كاهلي، بالإضافة إلى عملي، عادت لي مخاوف إنجاب طفل مرة أخرى، ولكن بعد فوات الأوان، فقد كنت حملت بطفلتي “أمينة”.
عندما علم زوجي بحملي سعد سعادة بالغة، كاد أن يحملني من على الأرض، عاد ليساعدني في المنزل مرة أخرى، بل أنه أصبح يقوم ببعض أعمال المنزل التي كانت من مهامي. بعيدًا عن متاعب الحمل الجسدية والنفسية كان الأمر سهلاً جدًا بسبب تعاون زوجي، وبانتقالي للعيش قريبًا من والدتي ازداد الأمر سهولة، حتى أني لمت نفسي على تخوّفي من الحمل والإنجاب، فإن الأمر أسهل مما تصورت.
أقمت مع والدتي الأسبوع الأول بعد ولادتي، ثم تلهفت للعودة إلى شقتي التي كانت معها في نفس المنزل، رغبة في أن يشاركني زوجي بهجة العناية بطفلتنا، ومثلما حدث في بداية الزواج حدث بعد إنجاب طفلتنا. في بادئ الأمر كان يساعدني في حملها عندما أرغب في النوم بضع ساعات، ويساعدني في تغيير حفاضها، ويصطحبني في مواعيد تطعيمها، ولكن قبل أن تتم ابنتنا شهرها الثاني بدأ التهرُّب من مهامه مهمة تلو الأخرى، فلا يستيقظ لموعد التطعيم يومًا بعد يوم، حتى أخشى أن يفوتها موعد التطعيم، فأذهب وحدي لمكتب الصحة. يتهرب من مساعدتي في تغيير حفاضها خشية أن تسقط من يديه.
وجدت نفسي وحيدة تمامًا مع طفلتي وأعمال المنزل وعملي الذي أمارسه من المنزل، حتى أني أصبحت عاجزة تمامًا عن العمل، تزامنًا مع زيادة إنفاقنا بسبب مصاريف الطفلة الرضيعة وزيادة الأسعار الجنونية؛ أصبحت أحمل طفلتي من لحظة استيقاظ أمي وأذهب إليها لتساعدني في العناية بها. وجدت من أمي دعمًا لم أكن أتصور أنها مع تقدم سنها قادرة عليه. ظل دعمها سندًا لي، حتى اضطررنا للانتقال للسكن في مكان آخر بعيدًا عن أمي، لأجد نفسي وحيدة مرة أخرى مع طفلتي وعملي وأعمال المنزل، حتى أني استعنت بمساعدة في عملي لأتمكن من الاهتمام بطفلتي بالقدر المطلوب.
افتقدت أمي كثيرًا، فهي الوحيدة التي دعمتني ولا تزال تدعمني في هذه الرحلة المرهقة، هي الوحيدة التي لم تحكِ لي قصصًا عمن سبقننا من النساء وكيف كن يفعلن كل شيء دون مساعدة من الآخرين، وهي فقط التي لم تلمني على إهمالي لشكلي واكتسابي وزنًا بسبب عدم قدرتي على تنظيم وقتي وقيامي ببعض الرياضة.. كانت تدعمني فقط.
منذ عدة أيام كانت تزورنا جارة مسنة، اقترحت عليّ في أريحية أن أنجب طفلي الثاني حتى يكبر أطفالي معًا، قالت إن هذا هو الوقت المناسب لإنجاب أخ لـ”أمينة”، حتى لا تكون وحيدة. قالت ذلك وأنا طفلتي لم تتم شهرها السابع بعد، قالته وأنا لا أزال أشعر بالرغبة في البكاء في كل مرة أكون مطالبة فيها أن أخرج بطفلتي إلى الشارع حاملة شنطتها وشنطتي وكرسيها الخاص وألعابها وحدي، باحثة عن سيارة أجرة لتقلني، وأنا أبكي في كل مرة تقرر فيها طفلتي أن توقظني في منتصف الليل وأنا أستيقظ للعمل في السابعة صباحًا. قالت ذلك وأنا أحمل طفلتي ذاهبة إلى أمي في كل مرة أريد فيها أن أحمم طفلتي، لأني لا أستطيع أن أفعل ذلك وحدي.. قالته وأنا يراني من حولي متقاعصة في الاهتمام بمنزلي وبنفسي.
وجدتني أصرخ فيها دون أن أشعر: “لن أنجب طفلاً آخر.. لا الآن ولا لاحقًا”. نعم أيها السادة هذا قراري الأخير. حتى أجد دعمًا من زوجي ستظل طفلتي وحيدة.