السعادة الزوجية والعنقاء والخل الوفي

2249

انجي ابراهيم

تم نشرة في 04/24/2017

وقت القراءة : 3 دقيقة

 

فاكرين مسرحية “كارمن” لما كان محمد صبحي كل شوية يقول لحد من الفريق بتاعه “أنا بقى ليّ تصور تاني خااااااااااااالص؟”، أهو ده اللي بيحصل بالظبط لتوقعاتنا عن حياتنا قبل الجواز وبعده.

 

عندك السعادة مثلاً، إحنا بنكون متخيلين إن السعادة بعد الجواز هتكون شبه اللي بتيجي في الأفلام كده، خروجات وفسح وسفر كتير، خاصة لو لسة مفيش ولاد، عزومات كبيرة وسفرة شكلها جميل وناس قاعدين عندنا مبسوطين وإحنا فخورين بوجودهم في بيتنا، السعادة هتكون دايمًا فيها أكشن وحركة ومغامرات، ده اللي هيخلينا سعدا.

 

كمان أنماط السعادة اللي بتتصدرلنا طول الوقت ع السوشيال ميديا بترسخ لأفكار بنتبناها لا شعوريًا، وبنكون متخيلين إن السعادة لازم متخرجش عن الكليشيهات اللي بتتصدرلنا دي، بنقتنع فعلاً إننا هنكون سعدا لما الزوج يلعب من مراته بلاي ستيشن وتغلبه، ولما الزوجة تتفاجئ بالسربرايز بارتي اللي جوزها عاملهالها وعازم فيها كل صاحباتها، هنكون سعدا لما ولادنا يبقوا شبه العيال اللي بيترسموا على علب الحفاضات، وهنكون سعدا لما الزوجة تلبس قميص جوزها الكاروهات وتقف تعمل قهوة في المطبخ فهو يدخل يحضنها من ضهرها، هنكون سعدا كمان لو بيتنا كله كراسي مشجرة وكنب لونه أبيض شاهق وكل حتة فيها زرع، كل الحاجات دي بتسبب السعادة طبعًا.

 

بس اللي بنتفاجئ بيه إن الحياة أصعب بكتير من إن يكون عندنا بلاي ستيشن نغلب بعض في اللعب عليه، وأسهل بكتير جدًا من إننا نجيب طفل شبه أطفال الإعلانات.

 

السعادة بعد الجواز أسهل بكتير من كل الكليشيهات دي، بس إحنا بنخاف نصرّح بالصور الحقيقية لسعادتنا، عشان الباقيين ميقولوش على حياتنا مملة ومفيهاش أكشن، بنخاف نقول إننا معناش فلوس نجيب كنبة بيضا بكذا ألف جنيه عشان ميقولوش علينا فقرا وبالتالي مش سعدا، وبنخاف نقول إننا مبنحبش السربرايز بارتي عشان ميقولوش علينا نكديين، بس في الحقيقة الحياة بعد الجواز فيها طرق تانية كتير جدًا للشعور بالسعادة، بس محدش بيصرح بيها.

 

السعادة بعد الجواز مش لازم أبدًا تبقى في خروجاتنا الكتير، دي ممكن تكون في أنتخة يوم الجمعة اللي ملهاش أي هدف، هتكون في حوض فاضي مفيهوش مواعين هيخلينا نقعد مع بعض وقت أطول، السعادة ممكن تلاقيها في بامبرز ابنك وإنتي بتغيريله لما تلاقي الإمساك راح أخيرًا، السعادة هتلاقيها في قميص مكوي مستخبي بين الهدوم وإنتي مش قادرة تقفي تكوي، السعادة هتلاقوها لما عزومة تتلغي وجوزك يتنطط من الفرحة لأن مكانش معاه فلوس يجيب حلويات من محل غالي، وإنتي تعملي طيارة أبو تريكة عشان مش هتضطري تقفي تغسلي جبل مواعين بعد ما يمشوا، السعادة هتلاقوها في علاقة جنسية مشبعة مبتتكسفوش فيها من بعض، في وقت بتسرقوه قبل ما الولاد يرجعوا من المدرسة ويقفشوكوا، السعادة ممكن جدًا تكون في عكس كل الحاجات اللي إحنا اقتنعنا إنها سعادة حقيقية.

 

السعادة على قد ما هي سهلة جدًا وبتحصل كل يوم في حياتنا الحقيقية، على قد ما هي صعبة جدًا إنك تلاقيها، المشكلة بتكون فينا، إحنا اللي بنرفض نشوف الحاجات المبهجة اللي بتحصلنا كل يوم، لمجرد إننا عندنا أفكار مسبقة متحققتش، بنتجاهل اللي في إيدينا فعلاً، ونقعد نندب حظنا اللي مخلاناش نقدر نكون سعدا زي ما الناس بتقولنا، مش هتشوفي السعادة في روتينك اليومي مبيتغيرش عشان قالولك إنك عشان تكوني سعيدة لازم كل يوم جديد تحصل فيه حاجة جديدة، في حين إن فيه واحدة تانية غيرك سعيدة لأنها بتعتبر الروتين ده استقرار قادرة تستمتع بيه، وبيديها وقت تخطط كويس للحاجة المختلفة اللي هتعملها كل فين وفين.

 

هتشوفي إنك مش سعيدة عشان مبتسافريش إنتي وجوزك كل أجازة طويلة مكان مختلف وتشوفوا الدنيا، في حين إن فيه واحدة غيرك بتعمل جمعية عشان تسافر مرة واحدة في السنة أجازة طويلة في مكان حلو وجديد، وقادرة تشوف إن كونها مرة واحدة في السنة ده بيخلي انتظارها أمتع وبيخلي الرحلة أغلى على قلبها، أكتر ما تكون متكررة كذا مرة في السنة.

 

الموضوع صعب أنا عارفة، أصل إزاي ممكن نكون سعدا في حاجات بتحصل لكل الناس كل يوم؟! إيه المميز اللي هيخلينا نحكي عن سعادتنا؟ أنا مقدرة إننا اتعودنا نحكي عن الأحداث الكبيرة بس، ومتعودناش أبدًا نحكي عن السعادة اللي بنحس بيها بعد الجواز لما القبض ينزل، لأنه بيحصل كل شهر ومتوقع ولا يدعو للاحتفال، بس متنكريش إنك بتحسي بسعادة حقيقية لما بيحصل، بس متعودتيش تصرحي بده.

 

السعادة بعد الجواز فيه ناس بتشوفها من المستحيلات التلاتة، زيها زي الغول والعنقاء والخل الوفي، ده عشان هما بيدوروا على نوع معين من السعادة، ممكن جدًا وسط دوشة الدنيا ميحصلش، وبيقرروا إنهم ميحسوش بالسعادة لما مثلاً يخرّجوا الهدوم الصيفي ويشيلوا الهدوم الشتوي، مع إنه شيء يستحق الاحتفال جدًا، بس محدش بياخد باله.

 

السعادة بعد الجواز سهلة ومش سهلة، ومش كل التوقعات لازم تتحقق، بس اللي لازم يتحقق فعلاً هو الاقتناع، والرضا بإن كل يوم بتحصل حاجة سعيدة في جوازك، حتى لو كانت الحاجة دي إن جوزك يحلق دقنه أخيرًا، بالذمة مش ده في حد ذاته حدث سعيد؟

المقالة السابقةنظرة إلى عقل مهووسة باللغة
المقالة القادمةحتى أجد دعمًا من زوجي.. ستظل طفلتي وحيدة
إنجي إبراهيم
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا