الخوف من الزواج: عندما نحتاج الحب ونخشاه

1631

في فيلم “الزواج على الطريقة الحديثة” بالغت سعاد حسني في وضع مساحيق التجميل، وأضافت الملح إلى الشربات، وتعمدت الجلوس والمشي والتحدث بطريقة كوميدية، لتطفيش العريس الذي جاء يتقدم إليها لأنها كانت تحب شخصًا آخر. وما زالت البنات يفعلن ما فعلته سعاد حسني، ليس بهذه الطريقة الفجة والكوميدية، ولكن الهدف واحد: التخلص من هذه الزيجة. والأسباب متعددة، منها أنها قد تكون غير مقتنعة بزواج الصالونات أو ترى أن العريس غير مناسب ولكنها تحاول أن تريح أهلها ونفسها أيضًا، وقد تكون راغبة في تأجيل الزواج، وقد تكون خائفة من الزواج.

 

فلماذا يخاف البعض -شبابًا وفتياتٍ- من الزواج؟ 

 

الاحتمالات كثيرة، منها: الدخول في علاقات سابقة لم يُكتَب لها النجاح، كأن تكون خطبة تم فسخها، أو زواج انتهى بالطلاق، أو علاقة انتهت بالخيانة، أو تعرضتِ فيها لإساءات بدنية أو جنسية أو نفسية، كالإهانة والاستغلال والتثبيط… إلخ.

 

الوالدان أيضًا قد يكونا سببًا في ذلك الخوف. فربما كانا نموذجًا سيئًا للمتزوجين، بإساءاتهما بعضها لبعض، بتعاستهما، أو ربما بطلاقهما، وما يحدث بعد الطلاق من مشكلات. وربما أساءا للأبناء بشكل مباشر، خصوصًا إن كانت من الوالد من الجنس المختلف (الأب للبنت، أو الأم للولد)، مما يربي بداخله عقدة نحو ذلك الجنس بأكمله، فيعتقد خطأ مثلاً أن كل النساء ضعيفات أو تعتقد خطأ أن الكل الرجال “إيديهم طويلة” فيعزفون عن فكرة الزواج. كذلك أساليب التربية الخاطئة (كالحماية الزائدة، والقسوة، والغياب العاطفي… إلخ) أو التجارب المؤلمة التي يمر بها الإنسان، فنتج عنها ضعف الثقة بالنفس وبالقدرة على تحمل مسؤوليات الزواج، اعتقاد المرأة بانها ليست جميلة، إيمان الشخص بأنه لا يستحق الحب وغير قادر على إعطائه، عدم الثقة بالآخرين.

 

الخوف أيضًا قد يلعب دورًا كبيرًا في العزوف عن الزواج: الخوف من الرفض، الخوف من الفقد، الخوف من فقدان الاستقلالية، الخوف من الالتزامات المادية خصوصًا في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي نعيشها. فقد يخشى الواحد أن يحِب أكثر مما يحَب، وأن يمنح الآخر من روحه ومشاعره وتفكيره، دون أن يجد ما يكافئ هذا الاهتمام وذلك الحب من الطرف الآخر. ومن فقد عزيز، بموت أو سفر أو انتهاء للعلاقة لأي سبب، يخشى أن يعيش نفس الألم مرة أخرى، فيحاول حماية نفسه بمنعها من أن تحب أحدًا أو تتعلق به. ويخشى البعض من أن المسؤوليات الكثيرة التي تترتب على الزواج قد تخنق أحلامهم وتقضي على أي مساحة تخصهم، مسؤولية الإنفاق، ومسؤولية المنزل، ومسؤوليات الأبناء، والالتزامات الاجتماعية، وغيرها. 

 

كما يحمل بعضنا اعتقادات خاطئة عن طبيعة العلاقة بين الزوجين، مثل أن الزوجة تصبح تابعة لزوجها، عليها أن تطيعه طاعة عمياء، أو أن الزواج يلغي الحدود بين الزوجين، أو أن بعد الزواج يموت الحب، ويظهر الناس على حقيقتهم (الشريرة)، ولا يكون هناك مجال لتحقيق أي أحلام… إلخ.

 

كلام الناس أيضًا قد يخيفنا من الزواج. فالشكاوى التي نسمعها من كثير من المتزوجين ليل نهار أو نقرؤها على مواقع التواصل الاجتماعي قد تترك فينا أثرًا. البعض يعيش تجارب مُرَّة فعلاً، والبعض لا يرى في حياته سوى المرار، والبعض يتعمد إظهار الجانب السلبي خوفًا من الحسد، والبعض يقول كلامًا فقط من باب التعود. المشكلة أن هذا الكلام من كثرة تكراره يؤثر على من لم يخُض تجربة الزواج، فيخشى أن يأخذ الخطوة أو يخطوها وهو خائف متربص مقدم على التجربة بأفكار مسبقة ومعتقدات سلبية ونصائح خاطئة قد تكون سببًا في فشل علاقته. 

 

من الأسباب المهمة أيضًا للخوف من الزواج التعرض لإساءات جنسية (اغتصاب، تحرش، تعريض لمشاهد أو كلمات خادشة للحياء) مما يؤدي إلى تكوُّن عقدة بداخل الشخص (كراهية، غضب، خوف) تجاه الجنس الآخر وتجاه الجنس. والإساءات الجنسية يتعرض لها البنات والأولاد، ليس من الغرباء فقط ولكن ربما من أهل البيت نفسه. 

 

هذا الخوف قد يسلك بنا مسالك تجعلنا نندم ويدفعنا إلى تصرفات لا نرضى عنها، يجعلنا متخبطين، نُقدِم على تصرفات لا نعرف لماذا نأتيها، ثم نتساءل: لِمَ فعلنا ذلك؟ وكيف فعلناه؟ الخوف قد يجعلنا نرضى بالإساءة ونتقبلها لضعف ثقتنا بأنفسنا، فنورط أنفسنا في علاقات مهينة ومسيئة. الخوف قد يُضِّيع علينا فرص الارتباط بأشخاص مناسبين. الخوف قد يجعلنا نشعر بالندم والحزن على ما يضيع من أعمارنا بعيدًا عمن شعرنا نحوهم بالحب. الخوف قد يجعل عملية الاختيار صعبة، إذ يدفعنا إلى البحث عن الكمال فيمن نرتبط بهم حتى تكون لدينا مبررات منطقية لإنهاء العلاقة قبل أن تبدأ. 

 

والحقيقة أن الخوف من الزواج ربما يكون له ما يبرره، خصوصًا في هذا الزمان الذي ارتفعت فيه نسبة الطلاق بشكل كبير، وتزايدت فيه الضغوط الاقتصادية، وانتشر فيه سوء الخلق والطباع. ولكن هل سنستسلم للخوف؟ لا يهمني إن قررت الزواج من عدمه، المهم أن يكون قرارك مبنيًا على تفكير واعٍ واقتناع، فتكون واثقًا بنفسك راضيًا عن قرارك، وليس مدفوعًا بالخوف، فتكون مهزوزًا شاعرًا بالندم.

 

فكيف نتغلب على تلك المشكلة إذًا؟ أرى أن مفتاح الحل هو معرفة السبب، ثم بعد ذلك يأتي التعامل معه. وقد يتطلب الأمر الاستعانة بالمشورة النفسية. وسوف يكون جزءًا أساسيًا من علاج ذلك الخوف هو التنفيس عن المشاعر المكبوتة الذي تسببه، والتعامل مع الأفكار والمعتقدات الخاطئة المعيقة عن النفس والآخرين والزواج. 

 

إن الخوف من الالتزام قد يخفي رغبة يائسة في الحميمية والأمان اللذين يأتيان من علاقة صحية طويلة المدى. فأحيانًا يكون أكثر ما نخشاه هو أكثر ما نحتاجه.

 

المصادراضغط هنا و هنا ابضا

 

المقالة السابقةالبحث عن اليأس أحيانًا
المقالة القادمةللآخِر

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا