ألا لعنة الله على الدايت!
أما بعد..
قد يبدو الأمر غريبًا أن أبدأ مقالاً عن تجربة دايت ناجحة بتلك الجملة، إلا أن نجاحي في اجتياز هذا الاختبار لا يعني على الإطلاق أن الأمر كان تافهًا وغير مُرهِق، أو أنه -لا سمح الله- كان بأي شكل من الأشكال مُحببًا إلى النفس.
ولكن قبل الدخول في الموضوع دعونا نعود قليلاً للبدايات..
أنا شخصية اعتدت أن أُوصف بالرُفع طوال عُمري -باستثناء الثانوية العامة حيث السندويتشات وقعدة المكتب كأحد الدحيحة القدام- حتى أنني أتذكر “أم مُحسن” التي كانت تعتني بالطابق الذي أسكنه بالمدينة الجامعية وكيف كانت تصفني دائمًا بياسمين أم عود فرنساوي.
ظَل هذا عهدي بجسدي حتى بعد الزواج بسنوات، لم أفقد السيطرة على وزني إلا بسبب الحمل ومضاعفاته المرضية، وبالتالي كان أمامي حربًا أخوضها بعد الولادة، لأعود لأقرب ما يُمكن لوزني الطبيعي الذي لا أريد أن أبتعد عنه كثيرًا.
وهنا حان وقت الدايت لأول مرة في حياتي، والذي مَر بعدة مراحل:
1- دايت زي الناس
ذهبت لدكتورة تغذية تُتابع معها بعض القريبات من أجل اتباع ريجيم يُفقدني ما تبقى من الكيلوات من أجل الوصول للوزن المثالي أو أقرب ما يكون إليه. لم يكن ما أحتاج فقده بالكثير، مُقارنةً بمافقدته بالفِعل في السنة الأولى بعد الولادة. إلا أنه كما هو معروف كُلما قَل الوزن المُراد خُسارته، كان الأمر أصعب ويحتاج المزيد من الجُهد.
تابعت مع الطبيبة بالفِعل لمُدة شهرين أو ثلاثة، أُصبت فيهم بقُرحة في المعدة نتيجة قلة الطعام الذي كنت أتناوله والمشروبات التي تؤخذ على الريق، وإن كُنت لن أُنكر أنني فقدت ما أردت فقده بالفِعل، إلا أنني في تلك المرحلة كُنت سريعة العصبية، الغضب، والتأثر.
فمن ناحية صِرت أشتهي كل الممنوعات، ومن ناحية أخرى كانت كمية الأكل التي أتناولها قليلة جدًا للدرجة التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع. وبسبب القُرحة لم أستطع تثبيت وزني، وبسبب كُرهي للفترة السابقة وفي وقت قصير جدًا استعدت كل ما فقدته من الوزن، إن لم يكن أكثر.
2- نظام اللقيمات
وقتها نصحني البعض باتباع نظام اللقيمات، فبدأت في القراءة عنه، ثم انضممت للجروب التالي رشيقات مع رجيم اللقيمات، فعرفت كيف على المرء تقسيم وجباته لمجموعة متنوعة من اللقيمات المُختلفة، بين الدُهني، الصحي، الفاكهة، ووجبة اللا محالة.
اتبعت هذا النظام الغذائي فترة قصيرة من الوقت، ثم توقفت لأنني لم أقتنع به كنظام من أجل فقد الوزن، بقَدر ما وجدته مُناسبًا أكثر لمرحلة التثبيت، وذلك بسبب إمكانية الفرد أن يتناول فيه أي شيء أيًا كانت مكوناته ولكن بكميات مُحددة، وهو ما لم أُفضله لتلك المرحلة.
خصوصًا حين أخبرني من اتبعوا هذا النظام أنهم فقدوا بعض الوزن بالفِعل ولكن على المدى الطويل، وهو ما لم أحبه أيضًا، إذ كنت أحتاج نتيجة واضحة وغير بعيدة حتى لا أفقد الأمل أو أتوقف عن السعي إلى ما أطمح إليه.
3- نظام السعرات الحرارية
في ذلك الوقت وصلت بفَضل بعض الصديقات إلى جروب آخر اسمه يلا نخس بجد، والذي يحث على اعتماد نظام غذائي صحي للبقية من العُمر وليس فقط حتى الوصول للوزن المثالي. وذلك من خلال اتباع نظام يعتمد على حساب السعرات الحرارية.
ونظام هذا الجروب بتبسيط غير مُخل يُفيد بأن الجسم يحرق من السُعرات الحرارية ما يُعادل:
الوزن الحالي للجسم بالكيلوجرام مضروبًا في 23، فإذا وددتِ فقد الوزن سيكون عليكِ تناول ما يقل عن هذا الرقم بـ600 سُعر.
مثال: بفَرض أن وزنك 100 كيلوجرام، إذن فجسمك يحرق يوميًا ما يُعادل:
100 * 23 = 2300 سُعر حراري.
ولفقد الوزن سيكون عليكِ تناول السعرات الحرارية التالية:
2300 – 600 =1700 سُعر حراري.
هذا بالطبع بالإضافة لشُرب المياه بكثرة بجانب مُمارسة الرياضة بشكل يومي ولو 10 دقائق.
ومع توافر المعلومات سواء على الجروب، أو المواقع المُختلفة بالإنترنت والأبليكيشنز المُتعددة التي يُمكن تحميلها على التليفونات المحمولة واللاب توب، صار من اليسير جدًا معرفة السعرات الحرارية في أي وجبة قبل تناولها مهما بلغت غرابتها أو كميتها.
ولعل ما يُميز هذا الجروب هو سعيه لفقد الوزن بطريقة صحية، لا تحرم الشخص من تناول ما يشتهيه ولكن بطريقة تحضير ومكونات قليلة السعرات، وذلك من خلال توفير وصفات متعددة لطبخات وحلويات لن يتصور أحد أنها مُتاحة لمن يُريدون فقد وزنهم، وهو ما يؤكد أن النظام الذي يتبعونه أسلوب حياة، وليس فقط حتى الوصول للوزن المثالي.
4- التثبيت:
بعد عدة أشهر من اتباع هذا النظام، مع بعض الـ”عَك” من وقت لآخر، نجحت في أن أفقد الوزن الذي أردت التخلص منه، ورُبما أكثر، دون أن أشعر بالشحتفة أو الصعبانيات، لا لأن الأمر لم يتطلب جِهادًا مع النفس، وتدقيقًا في الأكل حول ما يُمكن تناوله وما هو غير مسموح، ولكن لأن التجربة كانت تستحق، ولأن النتيجة كانت معالمها تتضح مع الوقت، فتجعلني مُتحمسةً لإكمال الأمر حتى النهاية.
ثم حان وقت التثبيت، والذي لم يكن بالسهولة التي تصورتها.
فمن جهة ها أنا قد وصلت للوزن الذي أُريده، ما يجعلني أستطيع تناول ما أُريد بالكميات التي أريدها دون هلع، ومن جهة أخرى شعوري باحتمالية رجوعي للوزن السابق بسرعة جعلني أراقب كل ما آكل بشكل مُرهق نفسيًا خوفًا من اكتساب أي كيلو زيادة، بل ورُبما أكثر مما كُنت أفعل أثناء الدايت نفسه.
حتى أصبحت إذا تناولت ما أبتغيه دون الاهتمام بالسعرات والكميات تلى ذلك تأنيب شديد للضمير وانتظار زيادة الوزن في أي لحظة، ما يجعلني أُعيد تقليل السُعرات لفترة مُحَمِّلةً نفسي فوق طاقتها دون أن أكون في حاجة مصيرية لكل تلك الصرامة والاختناق الذي أفعله لنفسي.
في النهاية..
قد تكون تجربتي في فقد الوزن أسهل من غيرها أو أصعب، كما أنها ليست بالضرورة مقياسًا لأي شيء. إلا أن ما يُمكنني تعميمه هو كَون الإرادة والوقت، بجانب الوجود وسط مجموعة لها نفس الهَدَف، كل ذلك يُهَوِّن -دون شك- الكثير من صعوبة التجربة، لتبق الحقيقة:
“ما من شيء مُستحيل، ما دام لدينا الشغف اللازم والرغبة في تحقيقه“.