بالوقت الذي تتبارى فيه المواقع الفنية على تقديم ترشيحاتهم بخصوص أفضل الأعمال الدرامية التي يتوقعون نجاحها خلال الموسم الرمضاني القادم، والذي يفصلنا عنه بضع أيام، خصوصًا وأن عدد المسلسلات التي ستُعرَض هذا العام قد تجاوزت الـ30 عملاً، قررنا نحن السير عكس التيار، وترشيح الأعمال التي لا تستحق المتابعة، أو بمعنى أدق وحتى لا نحكم قبل المشاهدة، الأعمال التي عادة نندم على متابعتها في نهاية كل رمضان، نتيجة عدة أسباب.
بالطبع من السابق لأوانه اختيار مسلسلات ضمن دراما رمضان 2021 بعينها، والتوقُّع لها بأن تكون على قدر واضح وهائل من السوء، ولكن ذلك لا ينفي أن هناك بعض الأنواع الدرامية غير الجديرة بالمشاهدة، أو على الأقل لا تناسب أناسًا بعينهم، فإذا كنتم من بين هؤلاء، عليكم التفكير ولو مرتين قبل اتخاذ قرار بمنح تلك الأعمال جزءًا من وقتكم الثمين.
ما بين الأمراض النفسية والتروما والتماس
في الأعوام العشرة الأخيرة، صار هناك تركيز من صناع الدراما على تقديم أعمال تتناول بعض الأمراض النفسية، أو تُرَكِّز على أبطال مُضطربين نفسيًا بشكل أو بآخر، مثل مسلسل “حكاية حياة”، و”فوق مستوى الشبهات”، و”الخانكة”، و”حالة عشق”، و”سقوط حر”، وغيرها، تظهر هذه المسلسلات بجرعات مكثفة في دراما رمضان تحديدًا.
وهو ما فسرته الناقدة حنان شومان بأن هذه الأعمال مضمونة النجاح، كونها جذابة ومُثيرة للفضول، والأهم أنها غنية بالدراما غير العادية، مما يُحمِّس المنتجين لتقديمها من جهة، ومن جهة أخرى يُقبل الجمهور على مُشاهدتها، بسبب تدهور أحوالهم وكثرة الحديث عن الاكتئاب والانشغال به.
أما أستاذ الطب النفسي د. أحمد عبد الله، فصرّح بأن إقبال الجمهور على مشاهدة مثل تلك الأعمال بمثابة مؤشر واضح لما يشعرون به من ضغط نفسي، خصوصًا في ظل الواقع الصعب والوضع الاقتصادي المُرهق الذي طال الكثيرون.
وبالحديث مع الدكتورة دينا الشيخ، أخصائي الطب النفسي وعلاج الإدمان، أكدت أن بعض الأشخاص الذين يعانون من مرض نفسي ما أو يخوضون تجربة قاسية مثل فقد عزيز، تروما، اكتئاب، كرب ما بعد الصدمة، ميول انتحارية، أو حتى الإصابة بمرض صعب كالسرطان، لا يُنصح بمشاهدتهم أعمالاً درامية تستعرض المشكلة نفسها.
لهذا مثلاً، يتم الاختيار بعناية لهؤلاء، من يُمكنهم الخضوع للعلاج الجماعي، أو ما يُعرف بالجروب ثيرابي، ففي حين قد يستفاد البعض من فِعل المُشاركة الذي يحِدّ من شعورهم بكونهم ضحية أو ضعفاء أو وحدهم من تعرَّضوا لمثل هذا الألم، الأمر الذي يترك أثره إيجابيًا عليهم، هناك آخرون شديدو الهشاشة نفسيًا. وبالتالي، فإن مشاهدة هذه الأعمال من شأنها أن تُؤجج شعورهم بالثقل والحَزن الذي يُخَيِّم على قلوبهم، خصوصًا أن الأمل بالدراما عادةً ما يأتي بالنهاية، فيما يبدو الطريق طويلاً ومحفوفًا بالصعاب.
الأمر الذي يجعل مُعايشة أصحاب التجربة الشبيهة لتفاصيل الطريق الذي يُعانون بسببه، تُضاعف من أوجاعهم، فيتملَّك منهم الألم، كما لو كانوا يُعايشون كل خطوة مرتين، بل وقد تُعيدهم من جديد لخانة الصفر، على الأخص لو كانوا لم يتعافوا من التروما بشكل صحيح، أو لم يسعوا لمعالجتها من الأساس.
جدير بالذكر، أن في حالة الأعمال الدرامية التي تناقش الإدمان، قد يتأثر المُدمن بما يُشاهده، إذ تُثير مشاهد التعاطي رغبته في العودة والتجربة، وهو ما يضع مسؤولية على ذَوي هؤلاء الأشخاص أو المُقربين منهم، لمحاولة إرشادهم أو نصحهم بعدم مشاهدة مثل تلك الأعمال، خوفًا على صحتهم النفسية، وحمايةً لحالتهم من التدهور.
تأثير الدراما التليفزيونية على سلوك المراهقين والأطفال
انطلاقًا مما سبق، تُشدد الدكتورة دينا الشيخ على أهمية التزام الجمهور بالتحذيرات التي يضعها صناع الأعمال، سواء الفئات العمرية (+12، +14، +16، +18) أو كونها غير مناسبة لمرضى القلب أو للمشاهدة العائلية، أو الأطفال، وغيرها من التصنيفات. فالدارما التليفزيونية ذات تأثير كبير على المشاهدين، ذلك لأنها تدخل البيوت وتجذب فئة كبير ة من الشباب والمراهقين والأطفال، خصوصًا الدراما الرمضانية التي تحظى بالكثير من الدعاية، وتُسند بطولتها إلى نجوم السينما المشهورين والمحبوبين.
ولمَّا كانت الدراما بالسنوات العشر الأخيرة، جاءت مليئة بالعنف والبلطجة والجرائم والمشاهد الدموية والألفاظ البذيئة، بات الأمر مُقلقًا بل وخطيرًا. فالأطفال على سبيل المثال، حين يتعرَّضون للمشاهد العنيفة، يزداد شعورهم بالخوف والقلق، ويفقدون تعاطفهم مع الضعفاء من حولهم، ومن ثَمّ يبدؤون التصرُّف بعدوانية، بل أن الأطفال ذوي الميول العدوانية من الأساس قد يتحوّلون إلى مجرمين.
وهو ما أكدته الدكتورة هبة عيسوي، أستاذ الطب النفسي، إذ صرَّحت بأن الأطفال يميلون إلى التقليد، بالأخص متى كان البلطجي بطلاً محبوبًا، ويتخطّى الأمر مُحاكاة سلوكه، فيمتد إلى ترديد نفس ألفاظه وتقليد حركاته ولزماته.
ووفقًا للعديد من الدراسات، فإن ارتفاع مُعدّل العنف بالدراما من شأنه أن ينتج عنه اضطرابات سلوكية لدى الأطفال، فيما يُزيد من ميول المراهقين والشباب إلى ممارسة العنف اقتداءً بما يرونه. بل أنه يفتح المجال لكل من لديه ذرة من غضب تجاه المجتمع، للقيام بالشغب والأفعال الهمجية للانتقام، مثلما فعل البطل المغوار الذي قرر ارتكاب جرائم عدة لوضع حد للظلم، مُتناسيين دور العدالة سواء الإلهية أو البشرية.
وهو ما اتفقت معه الناقدة خيرية البشلاوي، التي وصفت الدراما بالسلاح ذي الحدين، موضحةً كون العنف والبذاءة مُعديين، وهو ما يجب التفكير به جيدًا من قِبل صناع الدراما، قبل تقديمهم مسلسلات تدخل بيوت مجتمع به نسبة كبيرة من الأمية.
الدراما الاجتماعية وقضايا المرأة
بالرغم من أن ما نُشاهده من دراما تليفزيونية هو على الأرجح اقتباسًا عن الواقع، حتى أن بعض الحبكات الدرامية تكون أقل قسوة من الحقيقة، فإن ذلك لا ينفي وجود ثيمات لا تَلقى استحسانًا من البعض، سواء لتفضيلات شخصية، أو لقناعات يؤمنون بها، أو تجارب سابقة مؤلمة مَرّوا بها هم أو أحباؤهم.
المقصود هنا الدراما الاجتماعية، التي يتماهى معها الكثيرون، فيتألمون بسببها أو يتأثرون بها، فتنسج شباكها على بيوتهم وعلاقاتهم، أو تستفزهم للدرجة التي تجعلهم ناقمين أكثر على العادات والتقاليد، أو الشعائر التي تمنح الرجال رُخَصًا يُسيؤون استخدامها، خصوصًا حين تُجَمِّل الدراما تلك الحبكات المريرةكالخيانات العاطفية، تعدد الزيجات، العنف الزوجي، أو الجنسي، أو الاقتصادي.. وما شابه.
لذا إذا كنتم ممن يتأثرون بتلك الثيمات، أو تستصعبونها، ربما يكون من الأفضل ألا تُشاهدوا المسلسلات التي تستعرضها، وهو ما يُمكنكم معرفته ببساطة عبر قراءة ملخص الأحداث هنـا.
اقرأ أيضًا: 6 أفلام من السينما العربية والعالمية جسدت العنف ضد المرأة