مسلسل فرصة تانية: نماذج من الأنانية الإيجابية والسلبية

1487

كثيرًا يتحول المشاهد العربي إلى ناقد، فيرصد كل خطأ مر على الشاشة أو كل أداء لم يكن على قدر ‏الإقناع أو الموهبة، وبرغم أن هذا الأمر محل سخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، أرى أن من حق المشاهد أن يكون ناقدًا ‏لما يُطرح أمامه، في النهاية المسلسلات سلعة كأي سلعة أخرى، من حقه أن يقول إن كانت جيدة أو سيئة، أرضته كمستهلك أو ‏قدمت له ما لا يليق. في مقالي هذا لن أتناول مسلسل فرصة تانية بالنقد أو التحليل الفني، بل ‏سأتعرض لبعض شخصيات المسلسل بالتحليل الإنساني، كونها نماذج مأخوذة من الحياة.‏

لعنة مسلسلات الثلاثين حلقة

مسلسلاتنا العربية مصابة بلعنة أبدية، تُسمى لعنة الثلاثين حلقة، يجب أن يكون المسلسل ثلاثين حلقة موزعة على ثلاثين يومًا. هذه اللعنة تصيب مسلسلاتنا بحالة من البطء والمط قد تقتل ‏المشاهد كمدًا، فتمر حلقة مدتها 45 دقيقة دون حدث جديد يثيرك لانتظار الحلقة القادمة.‏ لكني قررت أن أشاهد ‏المسلسل الذي سخر منه كثيرون من حولي، مسلسل “فرصة تانية“، فالفضول بداخلي لعب على وتر “هل كل هذه السخرية مستحقة؟”، فقررت مشاهدته بنفسي.‏

تستفزك الشخصيات للاستمرار بالمشاهدة رغم معرفتك بالأحداث

وقع اختياري على مسلسل “فرصة تانية” لمشاهدته خلال شهر رمضان، لأنه مسلسل بسيط وقصة مكررة، فلن يستهلك طاقتي في ‏محاولات تحليل أو كشف ألغاز. قصة حب وخائن وفرصة ثانية، يُمكن التنبؤ بالقصة كاملة بمجرد مشاهدة الحلقة الأولى.‏

سأكون صريحة، لم يستفزني المسلسل لانتظاره حلقة بحلقة كما المفترض أن يحدث، كنت أشاهد المسلسل في نهاية كل أسبوع، ‏فألتهم 6-7 حلقات في جلسة واحدة، وبرغم أن القصة كانت واضحة من الحلقة الأولى، استفزتني تصرفات الأبطال غير ‏المنطقية لمشاهدة المسلسل للنهاية.‏ تخيل أن تكون الحلقة الأولى من المسلسل، خطوبة البطلين “ملك” ياسمين صبري، و”زياد” أحمد مجدي، ثم خيانة البطل للبطلة، ثم ‏محاولات صلح، ثم يأس فزواج من أخرى، لتصيب حادثة البطلة وتفقد الذاكرة.

السؤال هنا: إذا كانت كل هذه الأحداث في الحلقة ‏الأولى، ماذا تبقى لنهاية المسلسل؟ بعد حلقتين أو ثلاث، تأكدت أن مشهد خطوبة “ملك” من “زياد”، والذي يستحق أن يكون مشهد ‏نهاية سعيدة نمطية، هو النهاية بالفعل، ولكن تم وضعها في البداية، وقصة الحب التي أوصلتهما لهنا وفاتت المشاهد، سيشاهدها ‏في الفرصة الثانية.‏

الفرق بين الأنانية الإيجابية والأنانية السلبية

تعريف الأنانية في علم النفس: حب الذات، أي النزوع الطبيعي الذي يحمل الإنسان على الدفاع عن نفسه وحفظ بقائه وتنمية ‏وجوده.

عادةً ما تُفهم لفظة الأنانية على أنها شيء سلبي، أو اتهام يلقى في وجه الشخص مرتبط بالطمع أو القسوة، وهذا تصور ‏خاطئ تمامًا، فحب الذات والاهتمام لأمرها دون إيذاء الغير هي أنانية إيجابية، أما إذا اهتم الشخص بنفسه ومصالحه على حساب ‏الآخرين تصبح الأنانية سلبية.‏

بمعنى آخر، الأنانية الإيجابية تعني وعيًا ذاتيًا وشجاعة لإعطاء النفس أولوية ومحبة وثقة كافية لتلبية احتياجاتها، دون الإضرار ‏باحتياجات الآخرين، بينما الأنانية السلبية هي سعي الشخص للحصول على كل شيء دون النظر إلى عواقب أفعاله وتأثيرها ‏المؤذي على الآخرين.‏

“ملك” و”زياد” و”ريهام”: مثلث الأنانية المهلك

خط “ملك” و”زياد” و”ريهام” في مسلسل “فرصة تانية” يستعرض مثلث حب يمتلئ بالأنانية السلبية، فكل شخصية تسعى للانتصار لنفسها ولرغباتها ‏على حساب الآخرين. تشعر أن الثلاثة مندفعون وراء رغباتهم دون أي تفكيرٍ أو تعقل، دون حساب الربح والخسارة، دون النظرة ‏إلى الخطوة القادمة أو مراجعة الخطوة السابقة، لا يهمهم الضحايا الذين يتساقطون لأجل أن يصلوا هم لأهدافهم.‏

لنبدأ بشخصية “ريهام”، آيتن عامر:

تحب “زياد” ولا يبادلها هذا الحب، لكنها لا تقتنع، تريده بطريقة أنانية محمومة، حتى وإن كانت الوسائل ‏مؤذية لنفسها ولـ”زياد” ولعائلتيهما. شخصية “ريهام” مزيج من الأنانية السلبية الممزوجة بحب الامتلاك، تغضب منها في البداية، ‏تتهمها بالجنون، تلعنها كما فعل “زياد”، تدعو عليها، وفي النهاية تتعاطف معها، فأنت أمام حالة مرضية نفسية تستدعي تدخل ‏الطب النفسي، حالة تستحق الحب لا الكره، لكن ليس حب “زياد”، إنما حب “ريهام”. أعتقد لو أنها أحبت نفسها قليلاً، لسعت بنفسها ‏للعلاج النفسي، لا هربت منه وكأنه وصمة جنون.‏

بينما شخصية “زياد”:

فهي شخصية الأناني الذي لا يريد أن يخسر شيئًا، متعدد العلاقات، فلما تمنعت إحداهن فازت بقلبه، فأبدى ‏التزامه، ثم عاد من جديد لشخصيته القديمة، فلما رفضته التي فازت بقلبه، دخل في حربٍ لاستعادتها، شخص مشغول بنفسه ‏ورغباته دون اهتمام بالآخرين. أحب “ملك” وأحبته، فلما خسرها وعجز عن استعادتها، قرر أن يرضى بحب “ريهام”. لم يرضِه هذا ‏الحب، فعاد للبحث عن فرصة ثانية مع حب “ملك”. كسر بقلب امرأتين وشغل عائلته بنزواته ونتائجها، ثم تجده غير مدرك لكل ما ‏صنعته يداه، ولسان حاله دائمًا: “هو أنا عملت إيه لكل ده يا ملك؟!”.‏

أما شخصية ملك:

تمثل الأنانية السلبية المفرطة. المشكلة ليست في أنها تحب ذاتها ولا ترضى لها أن تُخدع أو يقلل من قدرها ‏أحد، أو أن يُنظر لها بنوعٍ من الشفقة، فكل البشر الأسوياء يفعلون هذا، لكن من غير السوي أن تكون الوسيلة لتحقيق كل ذلك ‏ستؤذي كل من يعترض طريقها، ربما أعمتها رغبة الانتقام عن رؤية حجم الأذى الواقع على الآخرين، وعلى رأسهم عائلتها، ‏رغم أن الأمر لا يستحق أكثر من أن تحرم الخائن من حبها، دون الحاجة للدخول في ملحمة الانتقام التي فعلتها، فأضرت خلالها ‏شقيقتها واستغلت شخصًا أحبها، وعذبت نفسها والشخص الذي يحبها للوصول إلى نفس النقطة مرة أخرى.‏

ملخص شخصية “ملك” يُمكن رؤيته في مشهد من الحلقة الثامنة عشر، يجمع ما بين والد “زياد” و”ملك”، يقول الأول: “عارفة يا ملك، ‏أنا متأكد إن عزة نفسك وكرامتك، خلوكي تكدبي كدبة كبيرة قوي، وجرِّيتي في الكدبة دي ناس كتير قوي، والكدبة جرت كدبة ‏جرت كدبة، لحد ما وصلنا للنهاية دي”. ويتابع: “إنتِ عارفة يا ملك المشكلة كانت فين؟ إنكم كنتم فاكرين إنكم لوحدكم في الحكاية، مكنتوش عارفين إن فيه ناس مرتبطة بيكم”.

“مريم” و”كريم” و”صافي”: كانت تلزمكم بعض الأنانية للنجاة

على عكس شخصيات “ملك” و”زياد” و”ريهام”، كانت شخصيات “مريم” هبة مجدي، “كريم” عمر الشناوي، “صافي” هبة عبد الغني، في مسلسل فرصة تانية، ‏الكثير من نكران الذات والتضحية لأجل سعادة الآخرين أو راحتهم، دون اهتمام بأنفسهم ولا التفكير في نهاية كل هذا الانغماس ‏في الآخر ورغباته، كان ينقصهم الكثير من حب الذات والوعي الذاتي لرفض الأذى والاستغلال، كانت تنقصهم بعض الأنانية ‏الإيجابية.‏

شخصية “مريم”:

شخصية منسحقة تمامًا، خاضعة، تحب البقاء في الظل، ترفض المواجهة. في عائلتها مختفية تحت توهج شقيقتها ‏”ملك”، وفي بيتها مدهوسة بأقدام زوجها “مدحت”. خوفها على شقيقتها جعلها تقبل استغلال وأذى زوجها، لأنها لا تملك شجاعة ‏الرفض، لأن حبها للتضحية أكبر من حبها للذات، لو أحبت “مريم” نفسها قليلاً لجنبتها النهاية التي تحولت لها، فمع طول معاشرتها ‏للأذى أصبحت مؤذية بدورها، خلعت رداء الضحية وارتدت رداء الجاني، من أقصى الضعف لأقصى القسوة، مع أن التوازن ‏دائمًا هو الأفضل.‏

شخصية “كريم”:

كم كان يحتاج “كريم” إلى أن يؤمن بنفسه! أن يشعر أن الفرصة التي جاءته رزق من الله، وأن لولا استحقاقه لها لما ‏جاءته من البداية! شعوره بأنه ممتن لـ”ملك” كان أكبر من امتنانه لنفسه، لذلك لم يستطع أن يقول لا لاستغلالها له، ظن أنه بذلك ‏يبرهن على حبه لها، فأساء لنفسه، لأن نفسه لا تستحق أن تكون وسيلة لتحقيق انتقام آخر.‏

صافي:

شخصيتها مشابهة لشخصية “كريم”، كانت تحتاج بعض الأنانية لترفض أن يتم استغلالها، كانت تحتاج أن تحب نفسها بقدر ‏ما أحبت الآخر، لترفض أن تكون وسيلته لاستعادة زوجة مشغولة بنفسها، فتجنب نفسها شعور الدونية وعدم الاستحقاق الذي ‏أحسته في النهاية.‏

ليس هناك عمل سيئ بالمطلق

في النهاية أجد أن مسلسل فرصة تانية لم يكن سيئًا بشكلٍ مطلق، ربما يفتقد للكثير من المقومات الفنية، لكن طالما نجح في أن ‏ينير في داخلي شيئًا أو يؤكد فكرةٍ مهمة أو ينبهني لأمرٍ ما، في هذا يعني أنه لم يكن سيئًا تمامًا، ربما هذا يعطيني بعض ‏الشجاعة لأن أطلب منكم أن تمنحوه فرصة ثانية.‏

مسلسلات رمضان 2020: افتقاد الحب الذي دمر ريهام وفرح

المقالة السابقةبعد انفجار بيروت: كيف نساعد الأطفال في الأزمات الكبرى؟
المقالة القادمةفيلم I still believe وكيف آمن قلبي

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا