بقلم: دينا خالد
عزيزي القارئ.. كاتبة هذه السطور أم لطفلة عمرها عام ونصف، أحاول قدر استطاعتي أن أبعد عن محيطها كل ما يمكن أن يضر صحتها النفسية، فلا أعرضها لصوت مرتفع أو شيء من هذا القبيل. اليوم بعد دقائق قليلة من استيقاظها من النوم صباحًا حدث “تفريغ” من شبكة الكهرباء القريبة من المنزل، ما أثار ذعرها فجأة، بكت وجاءت مهرولة إلى حضني، فحاولت تهدئتها بالتربيت عليها والغناء لها. منذ أيام قليلة تابعت عبر الشاشات انفجار بيروت الذي أفضى إلى وجود الكثير من الضحايا والمصابين ثم إعلان بيروت مدينة منكوبة. من يومها والجميع يصلي ويدعو الله أن يخفف عن ذلك البلد الأوجاع المتلاحقة، ولكنني اليوم بعد أن رأيت فزع ابنتي من شىء بسيط جدًا جال في خاطري سؤال واحد: “كيف حال أطفال بيروت ؟”، في هذا المقال نحاول الإجابة عن كيفية مساعدة الأطفال في الأزمات الكبرى كالحروب والانفجارات والأعمال الإرهابية؟
طرق مساعدة الأطفال الذين تعرضوا بشكل مباشر للأزمة
– بعد حدوث الأزمة مباشرة احتضن الطفل، وحاول قدر استطاعتك ألا تبتعد عنه أو تتركه مع أحد خارج الأسرة، وإن اضطررت فوضح له الأمر، أنك ذاهب مثلاً لأنك طبيب ويجب أن تتوجه لمساعدة المصابين، أو أنك ستذهب للاطمئنان على أحد أفراد الأسرة وستعود فورًا.
– ساعد الطفل على تسمية مشاعره، مثلاً عرفه أن ما يشعر به هو خوف أو صدمة، وأنه ناتج طبيعي عن التعرض لتلك الأزمة. مساعدة الطفل على تسمية مشاعره تساعده على التفكير بمنطق في الأزمة وتساعده على تهدئة مشاعره.
– شارك الطفل مشاعرك أيضًا وأخبره بها، فالاعتراف بالمشاعر أمام الطفل وسيلة صحية جدًا، فهي توصل له معنى أن ما يشعر به طبيعي. لكن يجب الحذر من الانهيار وإظهار الحزن الشديد أمامه، بالنهاية نحن مانحو الأمان بالنسبة للأطفال.
– لا تمنعه إطلاقًا من الحديث بحجة أنك تريده أن ينسى، فالطفل لن ينسى صوت انفجار مثلاً لأنك طلبت منه ذلك.
– الخيال لدى الأطفال خصب جدًا، وإن لم تجبه عن جميع أسئلته سيأخده خياله إلى تصور خيالات غير صحيحة، وقد تكون أسوأ من الواقع.
– يعبر الأطفال عن مشاعرهم بطرق عديدة، تختلف من طفل لآخر حسب التربية والمنشأ وعمر الطفل، لذا ساعده أن يعبر عن مشاعره بالرسم أو الكتابة أو الموسيقى أو أي وسيلة يختارها. وإياك أن تقطع على الطفل طريقه في التعبير عن مشاعره، فإذا كان يرسم مثلاً اتركه حتى ينتهي تمامًا ولا تحاول إجباره على الانتهاء.
– حاول أن تبعد الأطفال -خصوصًا من يستخدم منهم مواقع التواصل الاجتماعي- من مشاهدة مناظر الدم والأشلاء.
– شارك الطفل في إعادة وإصلاح آثار الدمار كلما كان ذلك ممكنًا، مثلاً في إعادة تصليح زجاج النافذة المنكسر، ولكن لا ترغمه على ذلك.
– قد تلاحظ خوف الطفل من أشياء لم يكن يخافها، من المؤكد أن أطفال بيروت الآن يخافون الوقوف بالقرب من النوافذ، فيجب على الآباء تفهم ذلك.
– اشرح لطفلك كل المفردات الجديدة عليه، كمعنى الحرب، الانفجار، الأعمال الإرهابية.
– قد تلاحظ تغييرًا في سلوك الطفل، فمثلاً: تغيُّر في الشهية إما بالإفراط في الأكل أو رفضه تمامًا، أو تغير في السلوك بالعدوانية تجاه أقرانه أو الانسحاب الشديد. كل تلك الأمور طبيعية ما دامت لم تزد عن المتوقع.
– ساعد نفسك، فكما أن الأطفال لديهم خوف وقلق فمن الطبيعي أن يكون لديك بعض من تلك المشاعر. لذا عليك اختيار طريقة للمساعدة مثلاً بالحكي مع صديق أو حتى اللجوء إلى متخصص.
– لا تستخدم إطلاقًا وبأي صورة ما حدث كوسيلة لتخويف الطفل بعد مرور الأزمة.
– استغل تلك الفرصة الحزينة لترسيخ بعض المعاني الجيدة في طفلك، حدثه عن الحرب وخرابها وآثارها السيئة على البشر المسالمين، حدثه عن الإرهاب وما يلحقه بالشعوب. واضعًا في الاعتبار في تلك النقطة تحديدًا سن الطفل.
– اسمح ببعض الاستثناءات التي كانت مرفوضة من قبل، كالسماح للطفل أن ينام مع أمه، حتى لو كان اعتاد النوم بمفرده، هذا يعزز من شعوره بالأمان. وكن مرنًا فيما يخص اتباع الطفل الروتين اليومي.
– إذا لاحظت على طفلك أي سلوك يسبب لك قلقًا زائدًا عليك باللجوء لمتخصص.
الأطفال الذين تعرضوا بصورة غير مباشرة لأزمة
للأسف أصبح الآن الأطفال يتعرضون رغمًا عنا لمناظر الدم والدمار والخراب، سواء عن طريق التعرض المباشر أو عبر الشاشات، أو على أقل تقدير عن طريق سماع مناقشات الكبار، فكيف أتعامل مع الطفل؟
التعرض غير المباشر لا شك أقل تأثيرًا من التعرض المباشر، لكن ذلك لا يمنع أن يتكون لدى الطفل بعض المشاعر من الخوف والقلق يجب عليك التعامل معها.
– شجع طفلك على مساعدة الأطفال في المناطق المصابة، عن طريق التبرع مثلاً بجزء من مدخراته لتلك المناطق.
– شبكات التواصل الاجتماعي جعلت العالم متقاربًا جدًا. استخدم تلك الوسائل لتشرح للطفل عن البلد الذي تعرض للأزمة، اشرح له أين يقع وما هي آثاره، واحكِ له عن ساكني ذلك البلد، وبالطبع عرفه سبب الكارثة التي يتعرض لها.
– يجب تحديد السن المناسبة للحديث مع الأطفال غير المتعرضين بصورة مباشرة للأزمة، ويفضل ألا يقل سن الطفل عن عشر سنوات كحد أدنى لبداية الحديث معه، أما الأطفال في عمر أقل فينصح بإبعادهم عن التواصل، حتى أنه يفضل منع تبادل الأخبار أمامهم.
أخيرًا.. ابتهل إلى الله أن يرفع عن أطفال العالم أثر الحروب والدمار والخراب.
اقرأ أيضًا: كرب ما بعد الصدمة في الحرب والحب والتنمر