منار حازم
هناك تساؤل طالما ما يدور في ذهني، لم أجد له إجابة بعد، وقد لا أجدها أبدًا.
السينما..
هل نحن من نؤثر فيها فتُعبر عنا وتُظهِر ما بنا من سيئ أو جميل، أم أنها تؤثر فينا فنتمنى أن نحيا حياة أبطالها، نرتدي مثلهم أحدث صيحات الموضة، ونحيا في قصر جميل، ونعثر على فارس الأحلام؟
هل الفتيات في السينما أصبحن يستقللن المواصلات العامة ويتحملن مشقة الحياة لأننا فعلنا ذلك قبلهن، أم أننا صرنا أكثر استقلالاً بمساعدة السينما التي أخبرتنا عن حقوقنا، وأن علينا أن نحارب من أجل مستقبل أفضل؟
أنا لم أجد إجابة على هذه التساؤلات، وقد لا أجد أبدًا، ولكني أعلم جيدًا أن هناك أفلامًا أثرت فينا كثيرًا، أحببناها بشدة وحفظناها جميعًا عن ظهر قلب، وتمنينا جميعًا أن نكون مكان بطلاتها، تبين لي بعدها أنها تحمل في طياتها علاقات مسيئة علينا الحذر منها.
عزيزتي إليك خمسة أفلام، إن كنتِ مكان بطلاتها فعليكِ الهروب فورًا من هذه العلاقة:
أولاً: ظرف طارق
أعلم أننا أحببنا جميعًا “طارق/ أحمد حلمي” في هذا الفيلم، وتعاطفنا معه كثيرًا، وتمنينا أن تقع “سارة/ نور” في حبه، وبكينا جميعًا في مشهد سقوطه من المصعد. ولكن إن قابلتِ “طارق” على أرض الواقع، فأفضل فعل يجب اتخاذه تجاهه هو محضر بعدم التعرض.
فـ”طارق” موكَّل من شخص ما لسرقة بيانات إحدى عميلات شركته مقابل رشوة، ووافق على ذلك ببساطة شديدة، ولم يمنعه عن إعطاء البيانات لهذا الشخص إلا انجذابه لصوت هذه العميلة، ليبدأ هو في مطاردتها وانتحال شخصية صديق قديم لها من المدرسة، حتى يستطيع الاقتراب منها، بل وراقب هاتفها، لينتهي الأمر به إلى محاولة انتحار، فقط للفت نظرها.
أنا لا أعرف اللقب الذي يُطلَق على المتطفلين.. المخادعين.. من يقتحمون حياة الآخرين، مفتعلين صدفًا كاذبة من أجل خلق حالة من الحتمية الأبدية غير الحقيقية، من أجل كسب قلوب الآخرين بالكذب، ولكن اللقب حتمًا ليس مُحبًا مخلصًا.
ثانيًا: حبيبي دائمًا
أنا لا أريد أن أحطم أحلام رومانسيتكن على جدار الواقع، ولكن إليكن هذه المفاجأة لقد تخلى “إبراهيم/ نور الشريف” عن “فريدة/ بوسي” عندما كانت بحاجة إليه حقًا. فنحن نحتاج أن يدعمنا من يحبنا حقًا في حياتنا قبل موتنا.. فلتجعلني سعيدة وأنا حية، فحبك لي لن يفيدني كثيرًا في موتي. أنا لا أعلم كيف كان الموت على شاطئ البحر أفضل لـ”فريدة” من موتها على فراشها، وإن كنت مكان “فريدة” لتمنيت الموت بين من دعموني حقًا لا من تخلى عني وقت شدتي.
رسَّخ فيلم “حبيبي دائمًا” فكرة التخلي الرجولية.. إن كنت لا تستطيع أن تقنع والديها بزواجها منك فاتركها للمجهول، دعها تواجه العالم وحيدة ضعيفة، بعد أن تصفعها على وجهها صفعة تُشعِرها بالضعف أكثر، فترضخ لرغبات عائلتها بالزواج من رجل لم تعرف عنه شيئًا قط، لتبدأ رحلة ألم تنتهي بموتها بنهاية الفيلم.
أنا أرى أن “فريدة” لم تمت على شاطئ البحر، “فريدة” ماتت عندما تخلى عنها “إبراهيم”. كان من الممكن ببساطة أن يتركها تمكُث في غرفته حتى الصباح ويقضي هو ليلته على إحدى المقاهي، ثم يصطحبها صباحًا إلى ملاذ آمن.. عمة أو خالة لها من الممكن أن تدعمها، أو الأبسط من ذلك كان من الممكن أن يتزوجها، فهو يحبها حقًا، فلمَ يأبه بما قد تقوله عائلتها. فليحيا سعيدين وتبًا للجميع! لو كنت مكان “فريدة” لما أعطيته فرصة أخرى، فلحظاتي الأخيرة أسمى من أن أضيعها مع من خذلني.
ثالثًا: صراع في المينا
أنا لن أتحدث كثيرًا عن مراهقة مشاعر “حميدة/ فاتن حمامة” في هذا الفيلم. “حميدة” كانت في حيرة بين رجلين أحدهما “ممدوح/ أحمد رمزي” الفتى الثري، و”رجب/ عمر الشريف” ابن خالتها.
ليس بالمال فقط رجحت كفة “ممدوح”، ولكن بالمعاملة الحسنة أيضًا. “ممدوح” اصطحب “حميدة” في نزهة بحرية بحجة الكشري الذي تصنعه، تناوله بحب، اشترى لها هدية فستانًا جميلاً يناسبها تمامًا وكأنه صنع لها خصوصًا، ليخبرها في نهاية الرحلة أنها أميرة وتستحق أن تحيا حياة الأميرات، ولكن “حميدة” اختارت أن تتزوج ابن خالتها “رجب” الذي ينهي كل نقاش بينهما بأن يوسعها ضربًا. “حميدة” مراهقة ساذجة.. لا تكوني مثل “حميدة”، تزوجي من يعاملك كالأميرة لا من يسيء معاملتك.
وإن بدا لكِ الموضوع بديهيًا إلا أن كثيرًا من الفتيات يفعلن ذلك حقًا، فكثير من الفتيات لا يملكن القدرة على التفريق بين حب حقيقي مبني على الاحترام والتقدير وتبادل الاهتمامات والثقافات، عن مشاعر مراهقة مندفعة غير حقيقية.
رابعًا: آه من حواء
في هذا الفيلم تآمر جد “أميرة/ لبنى عبد العزيز” الفتاة المتمردة ذات الشخصية الحادة، سليطة اللسان، مع الطبيب البيطري
“حسن/ رشدي أباظة” الشاب متوسط العمر الوسيم هادئ الطباع المتزن للوهلة الأولى، من أجل كسر شوكتها وإعادة تأهيلها من جديد. فبالرغم من أنه لا يعلم عنه أي شيء سوى أنه هنا لعلاج حيوانات المزرعة، فإنه بدا له أنه مناسب لهذه المهمة، لمجرد أنه صارحه بحقيقة زواجه المزيف بها. لم يجد جدها أنه من غير اللائق أن يترك مقاليد أمور حفيدته في يد شخص غريب. بل طلب هو ذلك وألحَّ في طلبه، ليبدأ “حسن” بإساءة معاملتها إلى حد يصل إلى إهانتها أمام أفراد من عائلتها.. أنا لا أقول بأن “فريدة” كانت فتاة مهذبة، وأنها لم تحتَج تقويم سلوك، ولكن كان الأجدر بجدها أن يصطحبها لطبيب نفسي.
خامسًا: الزوجة 13
إن كنتِ ترقدين بملابس البحر على الشاطئ، وتحرَّش بكِ أحد المارة، فعليكِ أن تصطحبيه إلى قسم الشرطة، لا أن تتزوجيه. إن طلب يدك للزواج رجل لا يعرف عنك شيئًا سوى أنك تبدين مثيرة في ملابس الشاطئ.. فعليك أن ترفضي هذا الزواج.
إن تزوجتِ منه واكتشفتِ بعدها أنك لست الأولى، ولا حتى الخامسة، بل الثالثة عشر، وأنه يتزوج النساء فقط لمتعته الشخصية، فعليكِ أن تطلبي الطلاق فورًا.
إنه “مراد سالم/ رشدي أباظة” يا عزيزات.. وسيم بشدة، يملك الكثير من المال، يبدو من طريقة كلامه وتعبيرات وجهه أنه مدلل للغاية، لا يأبه إلا لمتعته الشخصية، يضرب برغبات ومشاعر وأحلام الجميع عرض الحائط، لا يهتم لما ترك خلفه من قلوب محطمة، ما دام هذا يجلب له السعادة. ليس كل من دخل البيت من بابه رجلاً مثاليًا، فالبعض يتخذ من المثالية ستارًا يخبئ خلفه حقيقته.
إن كان لفيلم الزوجة 13 جزء ثانٍ، فستدور أحداثه بين محاكم الأسرة و”عايدة/ شادية” تحاول الحصول على حقوقها وحقوق أبنائها، بعد أن طلقها “مراد سالم” من أجل امرأة أخرى. فـ”عايدة” لم تكن مميزة، كانت مثل الأخريات، هو لم يحبها أيضًا، فقط كانت أنثى مثيرة أراد أن يقضي معها عدة ليالٍ مقابل عقد زواج وبضعة جنيهات.
إن كنتِ تحبين هذه الأفلام فشاهديها للاستمتاع فقط، فبعض أعمال السينما صُنِعت من أجل التسلية، لا تدعيها تأخذ من عالمك ولا تأخذي أنت من عالمها أي شيء.
هل السينما تنقل الواقع أم نحن من نقلد الأفلام