بقلم: نهى عصام
اعتقدت كثيرًا أن في هذه الدنيا وهذا العالم وكما قرأت كثيرًا في قصص الطفولة وشاهدت في السينما والأفلام، أنه لا بد وحتمًا أن تكون النهايات بانتصار الخير على الشر، وأن للأشرار عقابًا رادعًا يبرد نار ضحاياهم، وأن كل ما حدث من خيانات وتعب وأذى مستمر يمحوه العدل ويثلج قلب المتضرر. اعتقدت أن ما تتلوه الحكايات وتصوره الشاشات حق لا باطل فيه، وعهد لا خيانة له، وقسم لا حنث به. لأننا ربما نحتاج أن يحدث هذا بالفعل. لأنه لا يُعقل أن يحدث خلاف ذلك. وكم كنت بلهاء في اعتقادي، ساذجة في تصوري.
لماذا يهنأ السيئون؟!
لقد كبرت تلك الصغيرة ورأت الوجه الحقيقي للعالم، ولطمتها الحياة على روحها قبل وجهها ألف مرة، فلعنت أكاذيب القصص وكفرت بمثالية النهايات الوردية الخبيثة، التي ظاهرها الحق والخير والعدل وما يجب وما يصح، وباطنها العلم كل العلم بأن ذلك لا يتعدى كونه خيالاً يرضي النفوس المغيبة برغبة في نهاية كتلك، حتى وإن كانت غير حقيقية كي لا تُصدَم ولا تصطدم. رأيت في قصص من لحمٍ ودمٍ أن كثيرًا من الخيرين قد خُذلوا، بل لا أحد غيرهم يحدث له هذا. الجميع يقسم بجمال الخير وروعة الأخيار ولكنهم جبناء، فيخضعون رقابهم للشر وحد سيوف الأشرار.
رأيت قلوبًا تُدهس وأعين تملؤها الدموع حتى لا تستطيع أن تهنأ أو تنام قريرة. رأيت نفوسًا تأكلها الحسرة حتى تتركها عصيًّ خشبية جافة كأفرع لفظتها أشجار الخريف، فتخوخت وكسرتها الريح دون اعتذار عن الضرر. وقفت في ساحة العدل المنشود حافية القدمين، أستحضر قدسية الحق والعدل والخير والجمال. توضأت روحي بنور المثالية وخشعت أمام ميزان العدل طلبًا للقصاص أو ما يشبه ذلك. لكن ولدهشتي لم يفلح أي من ذلك. الكون يسير بمنتهى الاعتيادية ويتجاهل إحساسي المفرط بالظلم. الظالمون أنفسهم ما زالوا بخير، وألف صحة وهناء وراحة بال، بينما أتآكل أنا من الغضب على عدم إحقاق الحق.
اقرأ أيضًا: دائرة الفقد والألم
لماذا ينتصر الشر؟
تخيلت أن يجزع هذا العالم ممن يترك على قلوبنا الندبات ويوجه لأرواحنا سهامًا قاتلة من الاستهتار والاستهانة، من التعنيف والتنمر والتبجح والكلمات الجارحة والأفعال القاسية. تخيلت أن يهتز الميزان فتربح كفة المظلوم والمجروح والمستباح والمفترى عليه. تخيلت أن تهب الرياح ولو لمرة كما تشتهي أنفس المجني عليهم، بدلاً من أن تسوقها أغراض الجناة ودناءتهم.
لم يحدث ذلك. لم ترعد السماء ولم يصعق البرق ديار الظالمين فتشتعل بها نيران العدالة. لم يُحرك أحد ساكنًا تجاه المسيئين، بل تركتهم الحياة في طريقهم هانئين كي يقوموا بإيذاء المزيد من ضحاياهم. جثوت على ركبتي أمام تمثال العدالة أبكي في حسرة استجداءً لحدوث معجزة، ولكنني عندما فتحت عيني رأيت أنها هي ذاتها معصوبة العينين، تحمل ميزانًا ولا ترى على من تحكم حتى تكون في حيادية تطبيق العدل. اهتز كياني بشدة وتخيلت أنها ربما هي أيضًا تغطي عينيها اشمئزازًا مما يحدث وتحاشيًا لرؤية المزيد من الخيّرين يتألمون. أشكرك ولكنك أنتِ أيضًا بهذا الشكل ضعيفة وسيف حقك بالٍ وأخرق.
اقرأ أيضًا: كيف تجعل حياتك أكثر بساطة وسعادة؟
سألت قلبي كيف يحدث كل هذا؟
وأنا أكاد أتمزق من الجنون. وعندما هدأت عاصفة قلبي استقر في روحي اطمئنان بأنه “كارما أفعال” الظالم تتربص به في روحه قبل كل موازين العدل وساحات قضاء العالم بأسره. تيقنت أن شره سيأكله كما تأكل النيران نفسها، وأنه سيتسمم بشرّه ونواياه السيئة لأنه لا قدرة للروح على ابتلاع كل ذلك الشر دون أن تحرق به أصحابه. فهمت أن السيئين ربما يربحون الكثير من الجولات كي يقتلهم فرط الزهو بشرورهم. كبالون هواء ينتفخ أكثر من طاقته فيفجر نفسه بنفسه. أن أكبر عدو للظالم هو ذاته التي سترتفع به إلى حدة هاوية الشرّ حتى تزلّ قدمه المتغطرسة فيهوى مترديًا ولا يجد من يدّ لتتلقفه.
قد يربح السيئون مئات الجولات.. ولكن للحياة بالنهاية دائمًا كلمة أخرى.
اقرأ أيضًا: حواديت أمي الوردية
You have brought up a very wonderful details, regards for the post.