رحلة البحث عن السعادة

728

بقلم/ حسناء أحمد عبد الحميد

في إحدى ليالي أواخر الصيف، تلك الليالي التي اعتادت نسمات الهواء اللطيفة فيها ملامسة ومداعبة أرواحنا بكثير من مشاعر البهجة والصفاء النفسى، جلست في شرفة غرفتي تحت أضواء القمر، أتناول فنجان قهوتي سكر زيادة، كما اعتدت دائمًا عليها، وكأن كل حبة سكر في فنجاني تمتزج مع كل حبة قهوة، لتعزف بداخلي أجمل ألحان السعادة.

وفي هذه الأثناء توقفت سيارة تحت شرفة غرفتي لبضع دقائق، اتضح لي بعد ذلك أنها لفتاة تجلس فيها منتظرة قدوم صديقتها، التي فضلت أن تنتظرها في السيارة، لتدخلا معًا أحد المطاعم الشهيرة المجاورة لمنزلنا، بدلاً من أن تدخل كل واحدة منهما بمفردها.

وفي الحقيقة أن دقائق الانتظار هذه كانت من حسن حظي أنا، فقد تصاعدت من السيارة إلى شرفتي أجمل الكلمات للراحل الكوميدي الجميل الفنان إسماعيل يس، وهو يغنى أوبريت “صاحب السعادة”، وظل يردد: “كلنا عايزين سعادة بس إيه هي السعادة ولا إيه معنى السعادة قولي يا صاحب السعادة قولي قولي…”.

في الواقع كل كلمة في الأوبريت تأخذ القلب والعقل معًا، فهي تأخذ القلب لصدق وواقعية كلماتها، وتأخذ العقل لعالم من التفكير ليٌبحر بنا بالعديد من الأفكار، فحقًا من منا لا يبحث عن السعادة؟! ولكن ما هي السعادة؟ فهل هناك تعريف معين للسعادة؟ هل هناك معطيات معينة إذا توافرت لدينا تحققت لنا السعادة؟ هل هي شيء ثابت أم متغير بتغير الظروف والطبائع البشرية والتطلعات وحتى المجتمعات؟

من وجهة نظري أرى أن السعادة هي:

ليست مجرد تعريف جامد موحد أو شيء ثابت يستطيع الجميع الاتفاق عليه، فلكل منا مفهومه الخاص عن السعادة، هذا المفهموم الذي يتغير من فترة لأخرى لنفس الشخص باختلاف مرحلته العمرية وآماله وطموحاته وحتى احتياجاته.

البعض قد يرى السعادة في وصول رصيده البنكي إلى رقم معين، ويظل طيلة حياته شغله الشاغل هو جمع الأموال، فيعيش مجرد ترس في دوامة الحياة، وينسى حتى أن يعيش هذه الحياة، وفي هذه الدوامة يحاط بالعديد من الصراعات والضغوط النفسية، وللأسف وبعد أن يصل لهذا الرصيد يجد أنه فقد ما لا يمكن له أن يعوضه بهذا الرصيد البنكي، ولا يستطيع حتى شراءه، كراحة البال والصحة وافتقاده لمعنى وجو الترابط الأسري. الأسرة التي قد لا يعلم عنها أو عن احتياجاتها شيء سوى احتياجاتها المادية فقط، وظل فيها هو مجرد فيزا كارد وغيرها من أشياء كثيرة يفقدها خلال هذه الدوامة، أشياء لا يمكن شراؤها بأموال الدنيا، وليس بمجرد رصيد بنكي مهما كان.

البعض قد يرى أن السعادة هي الوصول إلى منصب معين أو وظيفة معينة، البعض قد يرى السعادة هي ارتباطه بشخص معين، البعض قد يرى أن السعادة هي الفيلا والسيارة الفاخرة والسفر حول العالم. فهل هذه هي فعلاً السعادة الحقيقة؟ بالطبع لا، فكثير منا وصل إلى منصب معين كان يتمناه، وقد تحققت لديه بعض السعادة الوقتية، التي سرعان ما بدأت تتلاشى  عندما وجد نفسه مُحاطًا بكم من الضغوط والصراعات، غير قادر على تحملها، وتمنى لو أنه ما حلم يومًا بهذا المنصب أو ذاك.

البعض ارتبط بالشخص الذي ظل يحلم بمواصفاته طيلة حياته، ومع واقع الحياة وبمرور الوقت بدأت تظهر الخلافات، وحالة من عدم الارتياح والتوافق، ولربما كانت الأسباب أنه بنى اختياره على أسس خاطئة ووضع شروط ظاهرية ومظهرية لشريك حياته، ونسي أن الأساس في شريك الحياة أن يكون شريكًا للروح، ولا بد أن يتوافر فيه من التوافق الفكري والاجتماعي، وحتى المادى، ما يمكنه أن يكون شريكًا لهذه الروح.

والكثير والكثير منا يعيشون داخل منازل برَّاقة خارجيًا، ولكن جدرانها لا تحمل لأصحابها أي نوع من الدفء أو الحب أو الود أو السكينة. كثير منا يركبون سيارات فارهة ولكن عند وقوفنا في أول إشارة مرور نتفاجأ بأن بائع المناديل البسيط الذي يمد يده إلينا من شباك السيارة قائلاً “مناديل يا بيه مناديل يا هانم”، ترتسم على وجهه ابتسامة رضا نابعة من القلب نفتقدها نحن كثيرًا، في ظل ما نعيشه من ضغوطات وطموحات وأفكار عديدة، تدور داخل عقولنا وتأبى حتى أن تتركنا ننعم بنوم هانئ.

ختامًا.. أرى أن السعادة أبسط من كل ذلك، السعادة هي شعور داخلي يشعر فيه الإنسان بحالة من التوازن النفسي، السكينة، الهدوء، البهجة وراحة البال، وكل هذا لن يتحقق إلا بالرضا، أن يكون الإنسان راضيًا من داخل نفسه عن نفسه، أن يسعى لتحقيق طموحه، ولكن بالقدر المعقول الذي لا يجعل منه مجرد أسير لتحقيق هذه الطموحات التي تتزايد يومًا بعد يوم. السعادة أن تكون قادرًا أيضًا على إسعاد من حولك. السعادة في البساطة. السعادة في فنجان قهوة تشربه وأنت تستمع إلى فيروز. السعادة في قعدة حلوة وسط ناس تحبهم ويحبونك. السعادة في القعدة على البحر الساعة الخامسة صباحًا وحالة من الهدوء والصفاء النفسي. السعادة أن تصحو كل يوم على زقزقة العصافير وشمس يوم جديد على شباكك. أن تعيش كل يوم وسط أهلك وأحبابك بإحساس جديد وأمل جديد في الحياة. السعادة أن تكون قادرًا على خلق حالة من التصالح النفسي بين ظاهرك وباطنك وبين نفسك والآخرين.

بكل بساطة.. السعادة في الرضا كن راضيًا تعيش سعيدًا.

اقرأ أيضًا: جدول السعادة
المقالة السابقةهل تولد النساء ومعها اضطراب ثنائي القطب ؟
المقالة القادمةالكاتبات والوحدة 7: سوزان سونتاج: الهشاشة خلف جسد زجاجي
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا