موت أمي وزواج أبي

1120

بقلم: دينا خالد

عندما أطلق موقع نون حملته كرب ما بعد الصدمة لم يتبادر إلى ذهني سوى تلك التجربة التي سأحكيها في السطور القادمة.. ولكن بعد القراءة أكثر عن سمات من يصابون بكرب ما بعد الصدمة لا أعرف تحديدًا هل كنت منهم أم كان ما مررت به مجرد اكتئاب، ربما يحتاج الأمر لمراجعة طبيب نفسي، لهذا فإن السطور القادمة تحوي تجربة حياتية أثرت في بشكل عميق أود أن أحكيها لأتخفف. موت أمي وزواج أبي.

موت أمي: الكرب الأول

1. كنت ابنة الخامسة عندما مرضت أمي لأول مرة. كنت وأخي معها بالبيت. فجأة توقفت قدماها عن الحركة. ما زلت أرى المشهد أمامي. أين كانت تقف أمي، ما كانت ترتديه، ما قالته ليوخروجي مهرولة لأطلب من إحدى جاراتنا أن تأتي للبيت لتساعدها.لحظات غلبني فيها النوم لأستيقظ وأجد نفسي في بيت جدتي لأبي وانتقالي وأخي لبيت الجدة، التي كانت تفضل أخي وتعتبرني “بنت أمي”. لم أكن مفضلة عندها على أي حال. زيارات المستشفي وحكايا المرضى المجاورين لأمي في العنابر التي تتنقل بينها. سنوات طوال من مرض أمي والتنقل بين المستشفيات ومعامل التحاليل والأشعة.

2. ماتت أمي في بداية المراهقة، قبل أن أتم ثلاثة عشر عامًا بأشهر قليلة. كان رحيل أمي متوقعًا. فبعد رحلة من المرض لمدة سبع سنوات فشل خلالها جميع الأطباء معرفة تشخيص المرض الذي كانت تعانيه، لم يكن من الممكن أن تبقى أكثر. كان موتها مزلزلاً بالنسبة لي، بالرغم من توقعه. كان إحساسي وتعلقي بأمي مفرطين لدرجة أنه في الوقت الذي أفضت فيه روحها إلى بارئها كنت بالمنزل وحدي، وشعرت أن روحي تنخلع من بين ضلوعي. في هدوء جلست وأدرت محطة القرآن الكريم وأيقنت أن أمي رحلت في تلك اللحظة. لم يخبرني أحد ولكنني عرفت.

تعرفي على: أجمل عبارات عن بيت الجد والجدة

مراة الأب ومرارة التجربة

3. “يشوف له بعد الأربعين واحدة تخدمه” هكذا قالت إحداهن. سمعتها دون أن تدري أني سمعتها. كانت تلك المرة الأولى التي ترد فيها تلك الخاطرة بذهني. أمي لم يمر على رحيلها سوى أسابيع، وهذه العجوز لا تفكر إلا بهذا الأمر! هل من الممكن أن يحل أحد مكان أمي؟ كما أن أمي لم تكن مهمتها الخدمة فقط.

4. مررت بحالة نفسية عصيبة، الآن فقط أعرف أنه كان اكتئابًا. بكاء مستمر واضطراب حاد في الحالة المزاجية وتدهور ملحوظ في العلاقات الاجتماعية، ومع غياب الوعي بالصحة النفسية وضرورة الاهتمام بها لم يلتفت أحد إلى ذلك الأمر.

5. تزوج أبي بالفعل بعد مرور شهرين ويوم فقط من رحيل أمي. كان هذا صدمة أكبر بالنسبة لي، ومع مرور الوقت كانت الصدمة تزداد بسوء معاملة زوجة أبي. كانت تعاملني كنِد لها. أتذكر ضربها لأخي كما أتذكر سبابها الدائم لي. كانت تهددنا فنمتنع عن إخبار أبي بسوء معاملتنا.

“أنا بربي يتامى”، هكذا كانت تردد دائمًا، مؤكدة أن “قلت آخد فيكم ثواب”. بعد مرور عام تقريبًا اكتشف أبي سوء المعاملة، وكشفت هي عن نيتها “مش عاوزة ولادك”. اختارنا أبي وطلقها.

التعافي هل حدث؟

6. منذ أيام رأيت منشورًا على صفحات فيسبوك يدعونا أن نتمنى ألا يربي أولادنا غيرنا، وأن نسأل الله أن يمد في أعمارنا حتى نؤهلهم للحياة. احتضنت ابنتي بشدة في ذلك الوقت. هل من الممكن أن تشعر جميلتي الصغيرة بما شعرت به؟ أن تقضي أيامًا تبكي ولا يحس بها أحد؟ من الممكن ألا أكون أفضل أم، ومن المؤكد أنني سأقع في أخطاء في تربيتها سواء عن جهل أو عن ضيق أو تعب أو إرهاق، لكن من المؤكد أنه لن يحبها أحد مثلي، على الأقل وجودي سيمنحها إحساسًا بأمان أن “ماما موجودة”.

7. من الواجب أن أذكر أن أبي تزوج مرة ثانية بعد مرور عام على الطلاق. ولكن تجربته الأولى تركت أثرًا سيئًا جدًا بداخلي، ما جعلني دون وعي آخذ منطق الهجوم أحيانًا كثيرة في تصرفاتي تجاه زوجة أبي الجديدة، ولكنها ذات معدن طيب، أحبتنا بصدق فتقربنا إليها. كان أخي وما زال أقرب إليها، ولكنني أعلم أنها تحبني وتحب ابنتي وتدللها باعتبارها الحفيدة الأولى. تقف في صفنا دائمًا إذا صادفنا اختلاف في وجهات النظر مع أبي، وتؤكد له “متزعلهومش”. ولكن أثر تجربة زواج أبي الأولى لم تزل داخلي، وفي حقيقة الأمر أنني أعتبرها كثيرًا الكرب الحقيقي بعد صدمتى بوفاة أمي.

المقالة السابقةالعنف المدرسي: كيف تحمي طفلك من بيئة العنف الأولى
المقالة القادمةأيها المسوفون اسمعوا
مساحة حرة لمشاركات القراء

1 تعليق

  1. لا بأس.. العوض هايكون كبير وعظيم في بنتك
    ربنا يبارك في عمرك ويكرمك بكل الخير
    تسلم إيدك عل المقال

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا