أيها المسوفون اسمعوا

1035

الاسم: فاطمة عاصم بدوي درة

الأناس الطبيعيون يقولون: “إنَّ غدًا لناظره قريب”، ويعملون ويسعون حتى يأتي ذلك الغد. إنما نحن نقول: غدًا سنبدأ، غدًا سنفعل، غدًا بداية جديدة على أثرها سنصبح ما حَلُمنا به وأكثر. لكن كل ذلك غدًا وليس اليوم بالتأكيد، فاليوم سوف نحصل على قسطٍ من الراحة كي نهيئ نفوسنا لعمل بلا راحة وجهد بلا كللٍ أو ملل.

لكننا لم يحدث قط أن قررنا استغلال كل هذه الطاقة التي بداخلنا في ذات اليوم. لعلك تتساءل الآن من نحن؟ إننا المسوفون تكاد تجزم أنَّ وظيفتنا في الحياة هي التأجيل، هي انتظار الغد دون أي سعي اليوم، هي انتظار المستقبل المشرق في ذات الوقت الذي لم نسع فيه اليوم خطوة واحدة تجاه ذلك المستقبل. لكننا بالطبع سوف نبدأ غدًا.

نحن لم نع قط أن الطاقة والإرادة التي هي بنا اليوم إن لم نستغلها في ذات اليوم لن تتحول إلَّا إلى طاقةٍ سلبيةٍ غدًا. فروحنا لا تمتلك سنامًا كي تخزن الطاقة بداخلنا، وحتى لو كنا نمتلك سنامًا فلن يأتي ذلك الغد الذي نستدعي فيه تلك الطاقة المخزنة، فلمَ لا تأتي هي من تلقاء نفسها! وبالطبع كلما أتت انتظرنا الغد الذي فيه سنبدأ، ونظل في تلك الدائرة أبد العمر.

تلك الدائرة التي تقوقعنا فيها طوال حياتنا خِشية أن ينفلت زمامها فيبتلعنا الثقب الأسود. لذلك نحيل حياتنا كلها سوادًا، نحيلها نفقًا مظلمًا، خشية أن تخوننا إرادتنا وتحاول الخروج من ذلك القمقم الذي حصرناها به، لأنها عندما تخرج أول من ستؤذي هو نحن، ستنفجر فينا، ستتحول إلى طوفان يجرف كل ما يقابله، وأوَّله نحن، فنحن السجان الذي لطالما أسرها وحرمها الحياة.

لقد تركنا أنفسنا لذلك اللص يسرق حياتنا ويأكل من روحنا ريثما شاء، ولم نبد أدنى مقاومة، لقد تنازلنا عن حياتنا على أمل أن نحصل على الراحة، لكن الراحة لا تأتي إلا بالنجاح، والنجاح لا يأتي إلا بالسعي.

ولأن لكل شيء ضريبة، فضريبة إيثارنا للراحة أن التهمت تلك الطاقة السلبية (التي نتجت عن تسويفنا للسعي) نفوسنا، وتلاشت أرواحنا، وأصبحنا أجسادًا خاوية وعقولاً مفرغة. دفعنا الضريبة من روحنا وعمرنا ووقتنا وحياتنا، لكننا لم نذق قط طعم الراحة، فلطالما حال تأنيب الضمير والشعور بالذنب بيننا وبين الراحة.

لكن مع الوقت ستشتعل نيران المعركة بين الضمير اليقظ والنفس المسوفة، وستبلغ الحرب أشدُّها، حرب تحرق كل جزءٍ فيك، حرب لا يتخللها هدنة، ولا يقبل فيها بمعاهدة سلام، حرب لا يوقفها سوى قرار يؤخذ في اللحظة الحاسمة، قرار يدعم أحد الجيشين من صاحب الشأن، لكن إن تقاعست عن أخذ أول قرار حاسم لك، فستنتصر النفس ويمتلك ذلك اللص زمام أمرك، وحينها ستموت وأنت حي، ولن يكون هنالك فرصة للعودة، فقد قُضِي الأمر واغتال التسويف عمرك، فما أصبح إلا أرقامًا على ورق.

نحن لم ندرك قط أن الحياة فرص، وتبديد الفرص يعني إهدارنا لحياتنا وأعمارنا، إهدارنا لتلك الفرصة العظيمة التي وهبها لنا الخالق. فعلينا نحن قوم المسوفين الوعي بأنَّ النجاح لا يأتي نتيجة اشتعال تلقائي لنار الحماس، بل يجب أن تشعل جذوة حماسك بنفسك. عليك أن تأخذ قرارًا وتبدأ اليوم وليس غدًا ودون أخذ قسطًا من الراحة.

المقالة السابقةموت أمي وزواج أبي
المقالة القادمةكرب ما بعد الصدمة العاطفية: هل يحدث؟ وكيف تتعامل معه؟
كلامنا ألوان
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا