“خليك في البيت”: هدنة مع النفس وتهدئة للعقل

1021

بقلم: هبة عبد المنعم محمد

لأول مرة في حياتنا نعيش تلك التجربة العصيبة التي نمر بها الآن، والأغرب من ذلك أن العالم أجمع يمر بنفس الخبرة المؤلمة. الكثير من الأشخاص الآن عقولهم مشوشة، لا يقدر أحد على التفكير السليم، لأن حياتنا ظلت لسنوات طويلة تسير على منهاج واحد لا يتغير، وأغلب الناس يخاف من خطوة التغيير. حتى يوم الإجازة له روتين ثابت لا يتغير، والكثير منا كان يتمنى في قرارة نفسة أن يأخذ عدة أيام إجازة، حتى يأخذ هدنة وينفصل عن الواقع الممل قليلاً. وحملة “خليك في البيت” التي تحاصرنا في كل مكان، إلا أننا فرحنا بتلك الإجازة، فالبنسبة للنساء العاملات وجدن فرصة للقيام بالكثير من الواجبات المنزلية التي كان يعوقها العمل، والاهتمام بالأطفال، وإتاحة الوقت أمامهن للحديث معهم ومعرفة مشكلاتهم، حيث إن ضيق الوقت كان لا يسمح بالاستماع إلى الأبناء.

في البداية فرحنا جميعًا عندما قررت الحكومة أن تمنحنا يومًا واحدًا إجازة لسوء الأحوال الجوية، وقد كان يومًا عصيبًا بالفعل، حيث الأمطار الغزيرة والسيول والبرق والرعد، والشوارع التي تراكم بها الطين، والنور والماء الذي انقطع لعدة ساعات. وأخذنا نقول لأنفسنا عندما تمنينا يومًا إجازة وأخذناه بالفعل، لم نرتَح به أبدًا، ثم مع توالي ظهور إصابات بالفيروس اللعين كورونا، أطلقت حملة “خليك في البيت” وأخذنا الأسبوعين التاليين مباشرة لهذا اليوم إجازة، مع أنها إجازة بسبب خطر شديد يواجههنا جميعًا.

الآباء

بالنسبة إلى الرجال كانت تلك الإجازة في بداية الأمر مرحب بها، حيث الراحة من عناء العمل المتواصل، فكثير من الرجال يعملون نهارًا وليلاً لمواجهة أعباء الحياة، ولكن مع قرار إغلاق المقاهي والكافيتريات أصبح لزامًا عليهم المكوث في المنزل. ومع قرار مد الإجازة لعدة مرات، وصدور قرار حظر التجول، أصبح الوضع لا يطاق بالنسبة للرجال، فالكثير من الرجال عبروا عن تجربتهم هذه بأنهم كانوا بالفعل كأنهم يعيشون أغرابًا عن أسرهم، أما الآن فقد أدرك الرجل كم المسؤولية الحقيقية التي تقع على عاتق المرأة. كما أن مسؤولية تربية الأبناء في حد ذاتها حملاً ثقيلاً، كانت تحمله وحدها وكان يتحمل هو فقط الأعباء المادية لهم. كما أن الأبناء الذين تعودوا على غياب الأب معظم اليوم عن المنزل وكل طلباتهم تلبيها الأم أصبحوا يرونه بشكل متواصل أمامهم.

الأمهات

أصبحت المرأة الآن في المنزل كأنها تدور في ساقية، من تنظيف وتعقيم دائم للمنزل وإعداد الطعام المستمر للزوج والأبناء، الذين يعتبرون أن تسليتهم الوحيدة هي تناول الطعام، وفض المنازعات بين الأبناء بعضهم البعض من ناحية وبينهم وبين والدهم من ناحية أخرى.

الأبناء

بالنسبة للأبناء هم لأول مرة يعيشون هذه التجربة بالحبس في المنزل، لذا فهم في بداية الإجازة كانوا في غاية السعادة، لأنهم لن يذهبوا إلى المدرسة، ولكن مع حرص الآباء على عدم خروج الأبناء من باب المنزل إلا لأسباب قهرية، أصبحوا فى قمة الملل والضجر.

لذا أصبح الجميع، الكبار والصغار، مشوش عقليًا واليوم أشبه بالبارحة أشبه بالغد، بعد ازدياد معدلات الإصابة والوفاة والانتشار الواسع للفيروس. أصبح الكل خائف على نفسه وعلى أحبائه وعلى البلد، بل على العالم أجمع.

فماذا نفعل؟

هذه التجربة التي نمر بها الآن لن تتكرر مرة أخرى بإذن الله، فاعتبر أنك فى هدنة مع نفسك لبعض الوقت، لن تتاح لك هذه الفرصة مرة أخرى، امكث في المنزل وتناسى كل ما يحدث بالخارج وحاول أن تستفيد من تلك الفرصة الحقيقية لك.

بالنسبة للرجل

خذ راحة قليلاً من تعب السنوات الطوال، لقد ظللت تجري وتدور من أجل أن توفر لأسرتك حياة هانئة وتأتي لهم بكل ما يطلبونه، لقد سمحت لك الأقدار أن تجلس مع أسرتك وأبنائك، قدَّر مجهودات زوجتك وساعدها، واستمع إلى أبنائك وتحدث معهم وشاركهم في لعبهم.

بالنسبة للأم

لا تنسي نفسك عزيزتي، اجعلي كل من بالمنزل يساعدك في أعبائك، فأنتم جميعًا في مركب واحد، الكل يتعاون حتى تظل تسير بأمان، رتبي أفكارك وحددي أولويات يومك. واصنعي التغيير يوميًا، فحاولي أن تجعلي اليوم مختلفًا عن اليوم الآخر، اعتبري أن اليوم هو حياة جديدة. وكل يوم تعيشينه هو حياة جديدة لك وهبة من الخالق نشكره عليها، أشركي زوجك وأبناءك معك في صنع الحلويات والمسليات. ووزعي عليهم مهامًا يفعلونها يوميًا، فأنتِ سيدتي مديرة المنزل، وابتكري أنشطة تفعلونها معًا، كأن تزينوا المنزل بزينة رمضان. شاهدوا معًا فيديوهات تعليم الأنشطة اليدوية وإعادة تدوير الأشياء بالمنزل، اعتبري أن الحياة بأكملها تقع داخل منزلك. واجعلي أسرتك تشعر بذات الإحساس.

بالنسبة للأبناء

هم مسؤولية الأب والأم، عليهم معًا ترتيب يومهم منذ استيقاظهم وحتى نومهم، ما بين اللعب والاستذكار وممارسة أنشطة جديدة.

عزيزي.. عزيزتي.. “خليك في البيت” فرصة للهدنة مع النفس وتهدئة العقل قليلاً وترتيب أولوياتك حتى ترجع بعد زوال الغمة -بإذن الله- إنسانًا نشيطًا قويًا جديدًا.

اقرأ أيضًا: الحب في زمن الكورونا: صور الفرج والرحمة من قلب الكارثة

المقالة السابقةوسائل التواصل الاجتماعي: هل أصبحت حياتنا أفضل أم أسوأ؟
المقالة القادمةمطبخ أمي سر الخلطة
كلامنا ألوان
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا