حكاياتي الخاصة مع رضوى عاشور

1364

عزيزي القارئ.. دعني أعترف لك مبدئيًا بسوء فهم قد يحمله لك العنوان الذي اخترته، فربما تعتقد أنني قابلت رضوى عاشور وحدث بيننا ما يمكن الحكي عنه، ولكن الواقع أن الدنيا لم تتح لي هذه الفرصة، ولكن هناك الكثير بداخلي يجمعني بها، وهناك أسئلة وحيرة تفرضها كتابتها وحكايا الجميع عنها.

أثر رضوى لا يزول

منذ نهاية العام الماضي وأنا أسعى لشق طريق لي في مجال الكتابة، أحاول هنا وهناك. البعض يرى أنني غير مؤهلة للكتابة أصلاً، والبعض يعتذر عن عدم وجود فرصة حالية. يصيبني هذا بالإصرار في أوقات، وأحيانا كثيرة بالإحباط، والسؤال عن جدوى الطرق على أبواب مسدودة.

أنام في إحدى الليالي بعد غلق أحد الأبواب أمامي، يزيدني اضطرابًا أنني على وشك إتمام الثلاثين، لتأتيني رضوى في المنام في ذات المكان الذي يجمعني بها دائمًا في المنام، مكتبة، تقول ما كنت أعرفه عنها أصلاً: “أنا بدأت كتابة بعد ما عديت التلاتين”. أهي رسالة من رضوى؟

يحملني هذا للتفكير بهل فعلاً غابت رضوى؟ ليس كلاما إنشائيًا للكتابة، ولكن بالفعل أثر رضوى لم يغب، ففي كل ظرف راهن يقتبس الجميع من كتاباتها ما يجاري الحدث، وفي كل حكاية يمر بها من عاش معها تجدها حاضرة في الكلام، حتى ولو من خلال صفحات التواصل الاجتماعي، ولا يفوت شهر أو أكثر قليلاً إلا ويزداد مؤشر البحث عنها في جوجل مقالاً أو اثنين. وها هي تأتي في الحلم لفتاة لم ترها، لتكون الداعم والسند. أثر رضوى لا يزول.

أمومة رضوى

“لأنني أم” هكذا تجيب السيدة راء عندما سألها أحدهم كيف كان أثر ترحيل تميم عليها؟ أجابت: كان أصعب من ترحيل العم مريد، معللة أن السبب أمومتها.

كنت من قبل أسرح كثيرًا في تفاصيل رضوى، المرأة المحبة. أتخيل دقات قلبها الأولى عندما عرفت العم مريد، وأحاول أن أنسج خيالات حول التفاصيل الدقيقة التي تشعر بها النساء عندما يحدث ذلك الألم الخاطف في القلب، عندما ترى شخصًا وتعرف أنه ليس كمن سواه. كيف استقبل أهلها الخبر؟ وكيف واجهت رفضهم؟ أفكر وأفكر فأشعر بالونس أكثر وأكثر فأدعو لها.

بعد الأمومة صرت أتخيل رضوى الأم، أتخيل مرض تميم ليلاً كما يحدث للصغار وهي وحدها والعم مريد غائب عنها رغم إرادته. أتخيلها ترى الخطوة الأولى له وأولى كلماته، أراها تنظر إليه بعينها وقلبها وقلب أبيه. أراها تكتم غيظها من أفعال الصغار، وأستطيع أن أرى المرة التي بكت فيها أمام تميم عندما كان صغيرًا وتسبب بالعفرتة في كسر زجاجة مياه، تلك المرة التي قال عنها تميم:

يمكن كانت تعبانة ويمكن كنت بتشاقى.. قامت دمعت

فضلت بعدها ييجي تلاتين سنة تعتذر وتقولي معلش

عشت الأمومة للمرة الأولى في مارس الماضي، وأستطيع أن أحكي عن إرهاق وتعب وعظم إحساس الأمومة وجمال أن يكون لك طفل، وأيضًا نغزة القلب عندما تفعل رغمًا عنك ما تعرف أنه قد يسبب الأذى لطفلك، لذلك أستطيع أن أتخيل أن وجع السيدة راء عندما أخافت تميم أكثر من الوجع المسبب للبكاء أصلاً. فليتقبلك الله من الرحماء يا رضوى!

هل كانت رضوى تكتب نفسها؟

لا أملك التوصيف الدقيق لما كنت أشعر به من قبل، ولكنني كنت أتصور الكاتب ليس كسائر البشر. كنت أتخيل أن موهبته ستحميه من عثرات كثيرة تحدث للجميع، ولكنني الآن أوقن بأن الكاتب يتأثر ربما أكثر من غيره، فهو يتأثر بما يقرأ وما يعايش من أحداث، وما تمناه ولم ينله، وأعلم أن الكتابة التي يتأثر بها الناس تلك التي تشبههم، ولكن هل الكاتب ينقل حياته إلى الورق ويربط ما يشعر به بأبطال رواياته؟ لا أعلم يقينًا الجواب، ولكن شيئًا ما استوقفني وأنا أقرأ لرضوى.

عندما قرأت رواية “فرج”، وكان أول ما قرأت للسيدة رضوى عاشور. استوقفني ما كتبته على لسان “ندى” وهي تحكي:

يبدو الذهاب إلى العمل أو الخروج من البيت مهمة مستحيلة. أتحاشى الخروج ما أمكن. أتحاشى الناس وأشعر بالوحشة لأنني بعيدة عنهم في الوقت نفسه. لحظة استيقاظي من النوم هي الأصعب. يستغرق الاستعداد للخروج ساعتين. وحين أذهب إلى العمل وأنهمك فيه يتراجع الخوف كأنه كان وهمًا، أو كأن حالتي في الصباح لم تكن سوى هواجس وخيالات

أقول استوقفتني لأن هذه الجملة كانت تعبر عني بشدة في هذا الوقت.

وعندما قرأت “أثقل من رضوى” في أول 2016 استوقفتني أيضًا الجملة التي تصف فيها السيدة نفسها قائلة:

مصابة على ما أظن باكتئاب من نوع ما، اكتئاب مزمن. لا تأخذه مأخذ الجد ما دامت قادرة على مغالبته أو تجاهله. تستيقظ في الصباح مرهقة كأنها في نهاية يوم عمل مضن. تظن أنها غير قادرة على مغادرة الفراش والذهاب لعملها، ولكنها في نهاية المطاف تقوم وتستعد للخروج إلى العمل. تذهب إلى الجامعة. تدرس. تحتفي بطلابها وزملائها. تبدو مشرقة ومقبلة. تمنح الأمل.

سلام ورحمة

منذ أيام حلت ذكرى السيدة راء، وللمفارقة أتمتت عامي الثلاثين في نفس اليوم هذا العام. لا أجد ما أقوله في وصف رضوى خيرًا مما قاله الشاعر أمين حداد:

يا رضوى

كل الكلام مكتوب في كراسك

كل الوطن مفروش بإخلاصك

يا طفلة

يا شابة

يا محبوبة

يا حابة

عدى هنا حبة علشان نبوس راسك

إنتي التواضع ثقة والابتسامة يقين

والإنسانية التزام والدنيا بني آدمين

وكل كلمة تقوليها يتم معناها

سلام ورحمة ونور وقبول لك يا رضوى.

اقرأ أيضًا: مدد رضوى عاشور الذي لا ينتهي

المقالة السابقةانهيار وشيك
المقالة القادمةتعليم الانجليزية من الصفر للمبتدئين: 16 طريقة لتعلم الانجليزية مجانا

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا