إلى بيت جدي العزيز

7336

بقلم: كريستين رفيق

إلى بيت جدي العزيز.. تحية طيبة وبعد.. قررت أن أكتب إليك بعدما غمرني شوق جارف لما فعلته وتركته في داخلي من بصمات ودفء، ورائحة كثيرًا ما أشتاق إليها.

طفولتي الأولى

من الممكن أن تدهشك كلماتي، لأنها المرة الأولى التي أستجمع فيها كبريائي وأصارحك أنك الأفضل لديَّ. كم كانت سعادتي عندما يوافق أبي على قضاء ليلة مع جدتي بمفردي، لأنال قسطًا وافرًا من الفرح واللهو والاستمتاع دون قيود، لأتميز وأحظى بالاهتمام عن سائر الأحفاد!

كم كانت رائحة طعامك مختلفة! فكل ما أرفضه عند أمي أشتهيه من يد جدتي. لم أكن أنوي الوقيعة بينهما ولكن ابتسامتها لرؤيتي ونظرة جدي لي فور دخولي إليه، كانت كفيلة لتجعلني آكل كل ما في المحيط. صوت الراديو وإذاعة الشرق الأوسط التي توقظني عليها، له تأثير في قلبي أقوى وأشد ولعًا من الروايات الرومانسية.

تعرفي على: دلع الجدات ومعاملتها للأطفال

ذكريات لا تُنسى ببيت جدي

بيت جدي كل ما به كان عذبًا، كان مأوى لنا في الأعياد والمناسبات. كم كانت زحمة وضجيج هذا البيت تفرح القلب المهموم! كم كانت ضحكات الجميع تعطيك انطباعًا أن كل شيء بخير وسيظل هكذا! لم أكن أعرف معنى الأمان حينها، ولكن كانت كلمات أبي وضحكات جدي تهز قلبي، وتذيب وتغرس أمانًا بمقدار لا يوصف. كانت جلساتهما معًا قادرة على نزع خوف وضعته الأيام تدريجيًا في نفوسنا.

كان البيت بدون موبايلات، بدون إنترنت. ولكني عشقت جدرانه.. إلى أنرحل جدي.

تعرفي على: زمن الصيف الجميل: ذكريات البهجة رغم ضعف الإمكانات

بعد الرحيل

رحل رجل نظراته كانت تفرح قلبي. رحل الجد الذي احتضني بحنان فائض لحفيدته الأولى، ومع رحيله ترك بيتًا فارغًا مهجورًا خاويًا. ومنذ ذلك الحين لم تعد المناسبات كسابقها، ولم تعلُ الضحكات مره أخرى.. وكأنه رحل ومعه مفتاح أبواب سعادة هذه العائلة.

ترك في داخلي يقينًا أنه هنا، وما زلت أراه في أحلامي وكأنه قادم من السفر، وكأنه لم يرحل. ورغم رحيله وأنا في كامل رشدي فإنه ترك داخلي سؤالاً وجوديًا: لماذا يموت الجد؟ بموت الجد فتنفرط حبوب السبحة. برحيل الجد تتساقط فروع الأشجار داخلنا، وكأن الجذور توقفت عن ضخ مياه الحياة لقلوبنا. فللأسف للجد بصمة ومكان داخل القلب لا يملؤه سواه.

تعرفي على: أجمل عبارات عن بيت الجد والجدة

عزيزي بيت جدي.. أعلم ما أنت عليه الآن، وأعلمك أني تمنيت أن أتلقى منك خطابًا تروي لي عن تفاصيل لم ترها عيناي، لعلها تسعد قلبي وتهدئ من عاصفة الحزن في داخليمع بالغ تقديري واحترامي لما قدمته لي منذ طفولتي، حتى رحيل جدي العزيز.

المقالة السابقةأنواع العنف الأسري: هل أنتِ في علاقة مسيئة
المقالة القادمةسيكولوجية الشخص العنيف
مساحة حرة لمشاركات القراء

2 تعليقات

  1. رائع جدا ..يعبر عن ما بداخل كل منا و ما يحمل من ذكريات الطفولة سواء كان بيت الجد او بيت الاب …ابكتنى الكلمات..فانى اعيش هنا فى الغربة ..افتقد مثل هذا الدفء…بداخلى حنين جارف الماضى..للوطن..للاهل و الاسرة و الاصدقاء ..احيانا انظر للشفقة لابنائى انهم ام يعيشوا فى مثل هذا الدفء.. بيت الجد

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا