أرى سلمى

1074

بقلم: رضوى عزمي

سلمتِ وسلمت يداكِ الصغيرة وقلبكِ الأخضر، يصلني دفئُكِ هنا، رغم الزمان والمكان، رائحتك الجميلة حولي، جدائلكِ السوداء، وأعصابك المنفلتة دائمًا كأمكِ، يمكنني أن أرى من هنا حبكِ لأخيكِ، وأسمع عراككِ لأجله، وإشادة الجميع بلسانك الفصيح وذكائك المتقد. كنت أتمنى لو أهديكِ شيئًا أكثر جمالاً من الحياة، كنت أتمنى لو كانت جميلة، تسعنا دون ألم، كانت كل أحلامي أن أغني لكِ ليلاً وننام، لكن الأمور ليست بتلك البساطة.

ستأتي أيام لن يدفع ألمك شيء، حينها لا تتكبري عن طلب المعونة، مدّي يديكِ تصلني مهما بعدتُ، اختاري معاركك بعناية، فرّقي بين الشجاعة والطيش، لا تنسي نصيبك من الدنيا، لم يخلقكِ الله لأجل أحد، لستِ نبية ولا ملاكًا، اعطي الأمان واستقبليه، مدي يديك لتقديم المساعدة ولطلبها، اعلمي متى يجب عليك التوقف، لا تضعي كل بيضك في سلة واحدة، ازرعي بذور حبكِ في كل مكان، لتجدي ظل حبٍ أينما سرتِ.

أحبي نفسكِ كثيرًا، لا بالنظر للمرآة وترديد “أنا جميلة، بل بمعرفتها جيدًا، فلا تتيهي كِبرًا، ولا تتنازلي جهلاً، ويكون مشوارك المفضل السير بعيدًا عما يؤلمها.

فرّقي: طباعكِ السيئة ليست أنتِ، أصلحي فاسدكِ دون أن تفسدي صالحكِ، وفي كل الأحوال لا تفقدي نفسك. أثق بك كثيرًا دون أن أراكِ، وأعلم منذ الآن أن الكثير سيكون محظوظًا بمعيتك، أخشى فقط أن تشقي أنتِ بوجودك، أخشى أن تعطي كثيرًا حتى لا تعودي تألفين الأخذ، أخشى أن تصلي إلى تلك النقطة، حين تشعرين أن الحياة ليست جديرة بأن تعاش، وهذا ليس حقيقيًا. الأمر أنك تتجرعين مُرَّها فقط، لأنه يوزع بالمجان، وتتركين باقي المائدة، لأنك تتكبرين على طلب شيء منها، أخشى أن تصلحي حياة الجميع إلاكِ، أخشى أن تغفلي عنكِ طويلاً، حتى تفقدي الطريق إليكِ.

لن ننقذ العالم حبيبتي، حاولت قبلك واعتقدتُ أنني فشلت، قبل أن أدرك أنه لم يكن دوري، ليت أحدًا أخبرني ذلك، أو لعلهم أخبروني وتكبرت، وربما تتكبرين، لكنني لا أقول لن تستطيعي، أقول ليست مهمتك، أقول أصلحي نفسكِ، أقول أحسني إلى من حولك، كوني سنا ضوء، واحدًا ومشرقًا، لكنه يعي نفسه جيدًا، يعلم بأي زاوية يسقط ليلطّف بردًا، وبأيهم يسقط لينير بصرًا، ومتى يسقط ليأكل حرثًا. أقول فقط: “اعلمي لأي قدر يمكن أن يمتدُ أثركِ، ومدّيه”.

فتاتي.. أعلم أنك متحمسة كثيرًا للوقوع في الحب، سترين الكثيرين حولكِ يتساقطون فيه، وستتسائلين: “متى يحين دوري؟“. قد تجعلكِ العجلة تقفزين في غير موضعك فينكسر قلبك. الحب بئر عميقة، ولكل منا مشرب، إن شربتِ من غير بئرك تسممتِ. وإن قفزتِ في بئركِ بلا حذر تكسّرتِ. لا يجعلك الظمأ تشربين من غير كأسك، ولا تجعلك الشفقة تتجرعين ما لا تطيقين. إن سألتِ ألف واحد كيف يكون الحب ستسمعين ألف إجابة، وإن سألتِ كيف لا يكون الحب ستسمعين إجابة واحدة من ألف واحد: الحب لا يكون أنانيًا، الحب لا يكون شفقة، الحب لا يكون خيالاً، الحب لا يكون بديلاً عن تقبل ذاتك، الحب لا يكون خجولاً، الحب جميلٌ؛ تغار منه أنواع الشعور الأخرى؛  فتُسمي الوحدة نفسها حبًا، ويُسمي الملل نفسه حبًا، وهناك شبيه لا يظهر لسوانا عزيزتي، الشاعرية. لا تُسمي شاعريتك حبًا.

أعلم كم يفيض قلبكِ بالحنان، أعلم كم تريدين التخلص من هذا الثقل، ستضعين قلبك أمام الأبواب وتهربين، ستنتقين من الأبواب ما لا يصدر عنه ضوء، هذا هو المكان المناسب لإقامة قلبكِ المنير، ستنظرين إلى داخل قلبكِ وتقولين: حنان كهذا يحتاج كسرًا يجبره، حب كهذا يحتاج مهزومًا يداويه، شعر كهذا يجب أن يكتب في جريح، يتغزّل في جمال ندباته”.

ولعله إن فتح لكِ ابتلعكِ الظلام الذي أحببتِه، أو جبر المكسور عظامه بعظامكِ، أو داوى المهزوم هزيمته بهزيمتك، فقط وضعتِ قلبكِ أمام الباب، ولم تعلمي من وراؤه، لم تسألي أين تضعين قلبكِ، فقط أردتِ إصلاح أحد، فقط أردتِ كتابة الغزل واستخدام الكنايات.

الله الله يا ابنتي،
لو أن هناك سبيلًا فهو
لو أن هناك أملاً فهو
لو أن هناك ملجأً فهو
هو أمانكِ حتى مني.

كل ما سواه صور وهو المصوّر، ستكبرين لتشاهدي أفلام الجرافيك، سترين كيف يمكن إضفاء الشيء على اللا شيء، كيف يمكن للخلفية الفارغة التحول إلى مدينة فارهة، لكنها في حقيقة الأمر صورة، فقط صورة، إن مددتِ يدكِ لتلمسينها مرت خلالها، وإن استندتِ إليها هويتِ.

وحده الإيمان سيجد لكِ طريقًا خلال الجبل
وحده الإيمان سيعينك على التحمل
وحده الإيمان سيأخذ بيديكِ.

صلّي كثيرًا حبيبتي، وبقلب كامل، اجعلي الصلاة محادثتك اليومية مع الله، لا تفوتي شيئًا دون أن تحكيه، يمكنكِ الدعاء دائمًا، وكثيرًا ما ستحصلين على ما تتمنين، لكن أحيانًا لن يحصل ما تريدين، أحيانًا أخرى لن تريدي حقًا ما تظنين أنك تريدين.

إن انشغلتي برؤيته لن تري سواه
وإن كنتِ معه فلن تكوني مع غيره
وإن ذُقتِ مرة لن تطيقي بُعدًا
ستدورين العالم بحثًا عن امتلاء كهذا ولن تجدي.

أحيانًا يكون الحب عميقًا جدًا
لدرجة أن الألم يمر فوقكِ ولا تلتفتين.

اقرأ أيضًا: 15 درسًا في التربية تعلمتها مع ابنتي

المقالة السابقةعائلة سمسم: أسرة تتحدى القلق عن طريق العلاج بالفن
المقالة القادمةقلق الانفصال: كيف بدأ الخوف منذ الطفولة وحتى الآن
كلامنا ألوان
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا