عائلة سمسم: أسرة تتحدى القلق عن طريق العلاج بالفن

1238

“من أول الحظر وسمسم (سمير) شغال ورش فنية مع الأولاد. كل يوم عندنا ضيف فنان نتكلم عنه وعن شغله، ونتفرج وهما بيشتغلوا ويرسموا وكأنهم فى حوار مع الفنان. الحظر وقعدتنا في البيت خلتنا نعمل ونكتشف حاجات عمرها ما خطرت على بالنا”.

هذه كلمات الأستاذة مروة عز الدين، التي تعمل في مجال السياحة والآثار، زوجة فنان الكاريكاتير المعروف سمير عبد الغني (سمسم) والحائز على الجائزة الأولى، فرع الكاريكاتير من نقابة الصحفيين المصرية لسنة 2007.

سمير عبد الغني
الفنان سمير عبد الغني وزوجته مروة عز الدين

مروة وسمير وأولادهما نموذج لأسرة تتحدى القلق بالفن، فقام الأب، وهو رسام وفنان تشكيلي، بتحويل وقت الحظر بما فيه من مشاعر قلق وخوف متباينة، إلى ورش فنية أنتجت إبداعات مختلفة.

عائلة سمير

سمير ومروة لهما من الأطفال ثلاثة في سن الطفولة والمراهقة، فنجد يوسف الكبير سن 14 سنة، وحسام 10 سنوات، وفريدة 8 سنوات.

القلق
لوحة الطفل حسام

يقول سمير عن فن الكاريكاتير إنه أفضل وأسرع وسيلة للتعبير عن الأفكار المرتبطة بالواقع الذي يعيش فيه، والذي يريد دائمًا أن يراه أفضل وأجمل. مما دفعه في الحظر لأن يأخذ أولاده كل يوم في هذه الرحلة الاستكشافية لأعمال فنان من الفنانين العالميين والمعاصرين، يتصفحون أعمالهم الفنية وينتقدونها ويقلدونها، بل أحيانًا يعيدون رسمها بطريقتهم الإبداعية، حيث سمى هذه الطريقة “اللعب مع الفنان”.

لعب الأطفال بهذه الطريقة الجميلة، فأخرجوا إبداعات مختلفة ومتنوعة، فنجد يوسف فتى الرابعة عشر يلعب مع بيكاسو، فينتج لوحة تشكيلية  رائعة.

العلاج بالفن
لوحة يوسف

وحسام يحاكي لوحة الموناليز لليونارد دافنشي، في جو ساخر، فيرسم فيروس كورونا كإنسان يجلس في وضع الموناليزا.

العلاج بالفن
لوحة الطفل حسام

أما فريدة، هذه الطفلة الرائعة التي استطاعت أثناء الحظر أن تشترك وتفوز بالجائزة الأولى في مسابقة الشباب والرياضة عن كورونا، برسمها لوحة كاريكاتيرية معبرة، حيث رسمت كفاح الإنسان في إيجاد علاج ضد فيروس كورونا، فرسمت لوحة مقسمة لثلاثة مشاهد وهو نوع من أنواع الكاريكاتير القصصي المعروف عالميًا “storyboard”، حيث تُظهِر المشاهد إنسانًا يصيد السمك، وكورونا تصيد الإنسان، والطبيب يصيد الكورونا، وذلك تحية لجيش الأطباء الأبيض.

العلاج بالفن
لوحة الطفلة فريدة الفائزة في مسابقة الشباب والرياضة

دور مواقع التواصل الاجتماعي

استطاعت الأسرة تحويل وقت الحظر إلى وقت للإبداع والفن، واستطاعت أيضًا أن تتغلب على قلقها مستخدمة موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، لعرض إنتاجها الفني لهذه الورش الجميلة، وكأنه معرض فني يومي، يتفاعل معه عدد كبير من أصدقاء العائلة من الفنانين والكتاب، في جو من التشجيع والمرح، الذي شجع الأطفال على مواصلة الإبداع والابتكار ورسم عدد كبير من الأعمال الفنية التي تناقش قضايا متنوعة، بطريقة ساخرة ولطيفة وبروح دعابة بريئة. فتقول مروة: “حسام لا يكف عن الرسم.. شكرًا لتشجيعكم”، نعم فالتشجيع يضرم المواهب ويزيدها اشتعالاً.

أيضا استطاعوا تحويل أفكارهم واهتماماتهم للوحات يهدونها لمن يرغبون، فنجد حسام يرسم لوحة إهداء وتحية لفريق ليفربول، وأيضًا لوحة كاريكاتيرية يهديها لفريدة أخته في عيد ميلادها، وفريدة ترسم لوحة عن برنامج الطهي وترسم أيضًا لوحات فن تشكيلي.

العلاج بالفن
لوحة حسام المهداة لفريق ليفربول
العلاج بالفن
لوحة فريدة عن برامج الطبخ
العلاج بالفن
لوحة تشكيلية لفريدة

استغل سمير بنجاح وقت الحظر، بكل قلقه ومخاوفه، ليضع أولاده على طريق تذوق الفن ونقده واللعب معه، وجعل من كورونا الفكرة المخيفة المرعبة للعالم، صورة ساخرة ولوحة مضحكة من خيال الأطفال وإبداعهم، كما نرى أيضا القصص العالمية تحاكي الواقع، فنرى الشخصية الكرتونية العالمية سنو وايت والأقزام يرتدون الكمامات، في كاريكاتير جميل ليوسف، كما استطاع يوسف أيضًا أن يعطي رأيه في الأحداث الأمريكية بلوحة عن العنصرية.

وليس الرسم فقط، فقد تعلم يوسف أيضًا مونتاج الفيديو، واستطاع تصوير وإنتاج ومونتاج فيلم تسجيلي عن الفنان التشكيلي مصطفى رحمة، وفنان النحت بالسلك جلال جمعة، وهما من الفنانين المعاصرين.

العلاج بالفن
لوحة سنو وايت 2020 ليوسف

 

العلاج بالفن
لوحة يوسف عن قضية العنصرية في الولايات المتحدة

استطاع سمير أن يستغل الفن للخروج بعائلته من جو القلق إلى جو المرح والإبداع، مستخدمًا الفن كطريقة آمنة للعلاج والخروج من حالة الاكتئاب والقلق، إلى حالة من الفرح والبهجة والإبداع.


العلماء والفن

ولمَ لا؟ فما فعله سمير يتفق مع آراء العلماء والمفكرين، فـ”أسوا Asawa” يرى أن الفن تعبير عن العالم الداخلي للفرد، حينما تكون الكلمات قليلة، وحينما تعجز مفردات اللغة عن التعبير يجسدها الفن في صورة ملموسة، سواء كانت الصورة عملاً فنيًا رسمًا أو نحتًا أو مقطوعة موسيقية، أو أي صورة أخرى من صور الفنون. ويرى “شيلي Shelley” أن الفن هو الطريق الذي يستطيع به الفرد أن يصيح ويصرخ بما في داخل الأعماق. واعتقد “يونج Joung” وهو أحد تلاميذ فرويد، أن الرموز تخرج على نحو لا شعوري، في الفن وليس خلال الأحلام.

العلاج بالفن

لذلك استُخدم الفن كوسيلة ناجحة للتواصل والتعبير عن النفس والتفاعل الجماعي، وفي التشخيص وحل النزاعات عبر التاريخ. كما أدرجت الثقافات في جميع أنحاء العالم استخدام التماثيل المنحوتة، وكذلك اللوحات والرموز المقدسة في عملية الشفاء. ومؤخرًا في منتصف القرن العشرين اتُخذ العلاج بالفن كطريقة فعالة وناجحة للعلاج.

تاريخ العلاج بالفن

بدأ العلاج بالفن، أو كما يقولون الفن العلاجي، كمهنة بشكلٍ مستقل ومُتزامن في الولايات المتحدة وأوروبا. وقد أُطلق مصطلح “الفن العلاجي أو العلاج بالفن” عام 1942، على يدّ الفنان البريطاني “أدريان هيل Adrian Hill”. اكتشف أدريان الفوائد الصِّحية للرسم والتلوين، وذلك  أثناء تعافيه مِن السل.

وفي الأربعينيات من القرن العشرين، بدأ العديد من الكتاب في مجال الصحة النفسية يصفون عملهم مع الناس في العلاج بـ”الفن العلاجي”. وبما أنه لم تكن هناك دورات علاجية فنية أو برامج تدريبية متاحة في ذلك الوقت، فإن مُقدِّمي الرعاية غالبًا ما كانوا من دارسي تخصصات أخرى يُشرف عليها الأطباء النفسيون وعلماء النفس، أو غيرهم من المهنيين في مجال الرعاية الصحية والنفسية.

لأن الفن العلاجي يسمح للناس بالتعبير عن مشاعرهم حول أي موضوع من خلال العمل الإبداعي بدلاً من الكلام، فمن المعتقد أنه مفيد بشكل خاص لأولئك الذين يشعرون بعدم التواصل مع عواطفهم أو مشاعرهم، وأيضًا قد يكون مجديًا مع أولئك الأفراد الذين يعانون من صعوبة الخوض في نقاش أو تذكر تجارب مؤلمة. ويعمل المعالجون بالفن لمساعدة الأفراد والعائلات والمجموعات والمجتمعات على أن يكونوا أكثر تواصلاً مع عواطفهم.

أصبح الفن العلاجي جزءًا لا يتجزأ من العديد من مراكز إعادة التأهيل، ومؤسسات الصحة النفسية، ومراكز الأزمات، والعيادات الخاصة، والمدارس، ومختلف المؤسسات الاجتماعية والمجتمعية الأخرى التي تسعى إلى تعزيز الصحة والعافية والنمو. وقد أثبتت الدراسات أن الفن العلاجي يستفيد منه جميع الأعمار.

العلاج بالفن

العلاج بالفن

إن الحياة عادة لا تسير كما نخطط، فتجربة مثل تجربة الحظر قد تأتي لتهدم كل ما وضعنا من خطط سواء لأنفسنا أو لعائلاتنا، والإنسان الذكي عادة يضع بسرعة خططًا بديلة، ومن تجربة سمير قد نجد خطة بديلة ولطيفة وغير مكلفة، ألا وهي الفن، والفنون متنوعة، ولا يجب أن نكون موهوبين فيها، لكن يمكننا الاستمتاع بممارستها وإخراج ما عجزنا عن إخراجه من مشاعر سلبية مخزونة ونحن لا ندري.

تحية لسمير وعائلته وتجربته الرائعة التي لن ينساها أولاده، لأنها بالفعل زرعت فيهم وداخلهم بذورًا من البهجة التي لا تُمحى عبر السنين، وأيضًا لن ينساها كل متابعيه وأصدقائه، فهو درس جميل في عالم كورونا 2020.

اقرأ أيضًا: من هي فريدة كاهلو: صدمات عديدة ورحلة علاج بالألوان

المقالة السابقةزيارة السوق مع جدتي
المقالة القادمةأرى سلمى

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا