بقلم: رغدة شريف وجيه
المفتاح الحقيقي للإنسان هو الخوف .. دايمًا خايف .. علشان كده بيحب يعيش في قطيع”. الجملة دي اتقالت في السينما المصرية على لسان خالد صالح في فيلم “الريس عمر حرب”.
طول الفيلم الريس بيحاول يشرح لتلميذه (خالد) الصورة الحقيقية غير المزيفة للحياة، وازاي أن الخوف هو المحرك الأساسي والدافع الرئيسي لكل قرار بياخده الإنسان في سبيل أنه يحس بشوية أمان وقبول. الجملة دي لخصت قصة الفيلم كله ولخصت معاه أكبر صراعاتنا في الحياة.
لو ركزنا كده وشوفنا هنلاقي أن الحياة عبارة عن حلقة مفرغة من المخاوف المسيطرة على الناس بشكل غير واعي .. احنا مش مدركين أن الخوف بيكون الدافع الرئيسي ورا ردود أفعالنا. من بداية الحياة من أول الولادة -ولادة الطفل- بتبدأ سلسلة من المخاوف لغاية نهاية العمر. مش هأقدر أحصرها كلها، بس هأحاول أتكلم عن جزء منها.
الطفل المولود بينزل للحياة بيعيط وخايف لأنه فجأة ظروف المعيشة اللي متعود عليها من حواليه تغيرت؛ سواء الجو اللي كان متعود عليه جوَّا بطن الأم أو طريقة الأكل علشان بقى بيأكل عن طريق بقه مش الحبل السُّري، أو الأصوات والأشخاص اللي بقوا موجودين قدامه دلوقتي .. خوف من التغيير المفاجئ اللي حصل.
المولود الرضيع بيكبر شوية ويبقي طفل بيخاف ميكونش ابن مثالي ويخذل أهله، ويخاف يغلط ويتعاقب أو يحس بالرفض. بيعدي سن المراهقة والشباب ويخاف يأخد قرارات برَّا الصندوق، برَّا صندوق العيلة والعادات والمجتمع أو حتى يأخد أي قرارات -مهما كانت صغيرة- وتطلع غلط، فيرجع تاني يحس بالفشل وعدم القبول من الناس.
يكبر المراهق شوية ويبقي شاب مستعد بكل طاقته للحب والارتباط. لو حب هتلاقيه خايف يعترف للطرف الآخر؛ لأنها ممكن متطلعش بتبادله نفس الشعور وترفضه، ووقتها قلبه هيتوجع؛ أو ممكن تطلع بتحبه وتقبل ووقتها هيتحط تحت المسئولية وهتفضل موجودة على طول. وممكن ميعرفش يحب ويلاقي الشخص المناسب أصلًا فيبقي خايف من الوحدة وأنه يكمل باقي الحياة من غير شريك.
بيكبر الشاب ويتجوز فيقرر الزوج والزوجة مثلًا عدم الخلفة؛ علشان يستمتعوا بحياتهم. لكن مع خوف بيلازمهم أنهم بكده هيخسروا إحساس الأمومة والأبوة ولما يكبروا مش هيلاقوا حد يسندهم. ولو قرروا يخلفوا هيلازمهم خوف أنهم هيفنوا حياتهم من أجل أطفالهم وهيفضلوا شايلين مسئولية تربيتهم بشكل كويس طول العمر.
آخر خوف هتكلم عنه هو خوف العجوز اللي في آخر أيامه .. خوف من المجهول اللي جاي .. خوف اللي حواليه لو هو مشي هيعملوا ايه من غيره .. الحياة بتبتدي بخوف من المجهول وبتنتهي بنفس النوع من الخوف زي الدايرة بالضبط.
قعدت كثير في جلسات تحليلية مع نفسي بأحاول أعرف أنا ايه أكثر حاجة بتخوفني أو أكثر خوف مؤذي ليا .. بس الحقيقة اللي وصلت لها واللي عارفة أنها ممكن تكون كوميدية للبعض؛ هي أن أكبر مخاوفي هو الخوف نفسه، إحساس الخوف نفسه اللي بيكتِّفني ويوقفني ويأكل من روحي وأنا عايشة ويطفيني. إحساس أني مش عارفة أتخلص من مخاوفي بنسبة 100% مهما عملت ومهما كبرت وتعلمت.
والحقيقة الأكبر أني كل ما أدركت وفهمت ده وشفت أن الخوف أثقل ضيف ممكن يعدي عليّ، وأني هأفضل أواجهه في كل مراحل عمري، كل ما تعبت أكثر ومواجهته بقت أصعب.
طيب وبعدين ايه الحل؟!
في مرحلة ما مش قادرة أفتكرها أو أحددها بالضبط لقيت جوايا الإدراك بالحقيقة دي بيتحول لقبول. مش قبول أن الخوف يكون جزء مني لأ، لكن قبول أن الخوف جزء موجود في معادلة الحياة. هييجي عليّ وقت وهأحس بالخوف طالما أنا موجودة وعايشة وأتنفس، وطول ما عندي أحلام وطموحات وعندي علاقات عايزة أحافظ عليها. لكن مبقاش عبء عليّ زي الأول بالرغم من وجوده، مبقيتش مستنياه وموتَّرني زي الأول. معرفتي بوجوده خليته مبقاش يؤثر عليّ زي الأول، بقيت شايفاه كويس ومبقتش بأخاف منه.
كان لازم أتعلم أواجهه ومسمحش أنه يتحكم فيّ، هو جزء من معادلة الحياة ايوه لكن ملهوش الحق أنه يكتِّفني .. محتاجة أحجِّمه جوايا علشان أعرف أتحرك .. علشان كده قبول فكرة وجوده كان بس أول المشوار، والسر الحقيقي أو زي ما أحب أسمِّيه السحر الحقيقي وهو الحب .. الحب اللي دايمًا بيساعدني أتعايش مع أسوء المشاعر والظروف والمخاوف .. الحب اللي بييجي معاه الهدوء والسلام .. كنت متحاوطة بكمية كبيرة من الحب هيَّأت لي سلام خلاني أتعلم آخد قرارات صعبة وسط الخوف. كل ما بلاقي الخوف بيهاجمني أقرر أحاوط نفسي بأكثر ناس بأحبهم وبيحبوني .. الخوف أضعف من أنه يقف قدام الحب.
الحب بيخلي عينينا تشوف الخوف في حجمه الطبيعي وميسيطرش علينا .. بنحس أننا أقوى وأشجع بكثير واحنا قلبنا مليان حب .. الحب بيفتح عينينا علشان نشوف الجزء الإيجابي دايمًا في كل حاجة، وده بيقلل نسبة أي إحساس سلبي جوانا .. زي أي إحساس وحش بيعدي معنا أسهل بكثير لو الحب أخذ الجزء الأكبر من المعادلة .. وهو ده الحل الحقيقي .. زي ما الخوف جزء من الحياة، عايزين نخلي الحب كمان جزء من الحياة ونسعى أنه يكون الجزء الأكبر.
وبعد كل ده بقيت مستعدة، وقابلة لباقي الرحلة اللي عارفة أنها مش سهلة أبدًا .. بس عارفة هأكملها ازاي.
المراجعة اللغوية/ عبد المنعم أديب