والصباح إذا انجلى

1380

بقلم: ياسمين الطوخي

توقظني فكرة مسيطرة عليَّ لأيام عدة، قبل الموعد المضبوط في المنبه، وبفضلها لم أكمل الساعات التي هدفت أن أنامها بعد ليالٍ من أرق. كل صباح فكرة تدفعني إلى بقائي مع نفسي، صارت تحدثني كلما أردتُ التوقف أو الاستسلام. لم يعد في العمر الكثير لإهداره، ولن ينجز لكِ أحدٌ ما تريدينه أنتِ. ربما خوفًا أو عظةً بما حدث لي. ففى عامٍ لم ينتهِ بعدما مات عني ثلاثة أحبة من أهلي في لمح البصر. ربما صرت أفكر مؤخرًا جدًا كلما أقدمتُ على فعل. هل سأنهيه؟ أريد أن أنجز أشياءً لي لا يهمني رأي الآخرين فيها، خصوصًا أنني لا أفعل شيئًا مما هو متعارف عليه مجتمعيًا، من وظيفة أو دراسة أو غيره. ولم أستقر بعد على طريق أنتهجه في الحياة رغم تخطي ربع قرن سنًا.

رائحة المانجو هذه الأيام جميلة جدًا ومحببة، رائحة شقية لعوب تداعبك هذا الصباح. مانجو باردة لذيذة، ربما تؤكل بقشرتها فلا تترك منها شيئًا سوى البذرة التي مشطتها أسنانك قبل أن تلقي بها فى القمامة. ربما أيقظتني هذه الرائحة أو خيالاتها.

أحيانًا تستيقظ برغبة ملحة أن تجعل هذا اليوم مميزًا دون سابق إنذار، تجعله مناسبة خاصة في حياتك وتحتفي به. ربما السبب المقنع في هذه الحالة إن سألك أحدهم عنه تقول: “شكرًا لله على منحته، بأن جعلني حيًا ليومٍ آخر”، ولكنني أخشى أن أكذبك وأنا أحكي لكَ لأكون صادقة. هي مجرد الرغبة في خلق متعة خاصة، وأحيانًا -أو قل غالبًا- تكون رغبة سرية لا تخبر بها أحدًا، وإن فعلت فإنك لا تُطْلِع عليها سوى الأحبة فقط.

هل سبق واستيقظت باحثًا عن شيء لا تعرفه؟ ربما مررت بالثلاجة مرارًا تفتحها ثم تغلقها، لا تعرف غايتك منها، ثم اتجهت إلى المطبخ تسخن الماء لتصنع مشروبًا، ثم تعدل عن رأيك. ثم تزور الحمام لدرجة يشكو فيها وجهك كثرة غسيله، وينتهي بك المطاف من ملل التجوال غير الهادف، فتذهب إلى السرير وتنشد النوم، لكن الجميع يتحالف ضدك اليوم، فيمتنع عنك النوم وتظل هكذا باحثًا بلا وجهة يعرفها ومستغيثًا بشيء يعرفك، ما دمت لا تعرف أنت، ماذا تفعل هذا الصباح؟!

ربما يوقظك مذياع جارك في أول الشارع ذات صباح وأنت في آخره، في الصباح يتردد الصدى بقوة فيصلك الصوت بنقاءٍ عجيب، وربما يمس قلبك فتستيقظ مبتهجًا داعيًا لهذا الجار بأن يجبر الله بخاطره، لأنه يومك، وهذا لو تعلمون عظيم.

هل يمكن أن أحيا لمدة أسبوع أصنع جميع ما آكل بنفسي. أخبز صباحًا الخبز بنفسي مثلما كنا نرى في أفلام الأبيض والأسود، فتصير رائحة البيت مختلفة، لمدة أسبوع واحد فقط؟! يقولون إن الخميرة في البيت دلالة الخير الوفير، وأنا أحب رائحتها بشدة خصوصًا في الصباح. سوف يكون أسبوعًا مميزًا ومختلفًا إن تناولت إفطارًا كلاسيكيًا أنيقًا، وأعددتُ مائدتي بطريقة الصور العتيقة المنتشرة على السوشال ميديا. تُرى سأكون أميرة لمدة أسبوع آكل بمزاجٍ مما صنعته يداي وأستمتع وأسافر خارج الكوكب؟!

هذا الضوء الذي يتسلل عبر الشيش الخشبي صباحًا، فينعكس على الحائط المقابل نفسه على السقف ويوقظني، أحبه. أحب الشيش الخشبي وأكره النافذة الألوميتال، ليس لها طعم أو رائحة، صماء بلا روح، تحتاج دائمًا إلى تدخل مني كي تتحرك، فهي ليست على طبيعتها مثل الشيش الخشبي العتيق. هذا الألوميتال بمثابة المفتش الذي يجبر الشمس يوميًا كي تمر به أولاً، فينظر إن كان يأذن لنورها كي يصلني. أحب البيوت التي بها الشيش، لأن لها روحًا خفيفة في أغلب حالاتها.

ضبطت المنبه يومًا كي أستيقظ مبكرًا وأذهب لتناول قهوتي خارجًا في يومٍ ليس لدي فيه خطط أو مشاوير، لكن نومة راحت عليَّ. واستيقظت بعد ساعتين أتساءل إن كان المنبه قد رن أم خدعني. تعكننت ولم أخرج رغم أنه بالإمكان أن أفعل، فما زال الصباح في أوله، لكنني ما صدقت، وربما كان الشاي بلبن في البيت كبديل عن قهوة الصباح في الخارج، كفيلاً بجعل اليوم مميزًا بأكثر مما توقعت، مع الدُش الصباحي والكتاب الجديد ذي الملمس الناعم الجميل للغاية، ثم الإلهام الغزير في الكتابة التي ابتعدتُ مسافة ووقت عنها، تعويضًا عن الخروجة ورافعًا للمعنويات أكثر، وخلق صباح جديد آخر مميز لم يُخطط له.

المقالة السابقةنصائح واقعية للحفاظ على كوكب الأرض من البلاستيك
المقالة القادمة7 نصائح لمواجهة انتقاد الأمهات
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا