شجاعة عدم الكمال

1401

بقلم: إيمان عرابي

أوقفني لسنوات قيد شديد الصلابة، اسمه الكمال. كنت أسعى لأكون كل شيء في كل وقت، على أكمل صورة، ولا أرضى بغير ذلك، بل بالأحرى لا يريحني غير ذلك. كانت كل شائبة نقص في أي جزء من أجزاء حياتي معناها لوم داخلي عنيف وسلخ شديد للذات لدرجة الألم. وكان التأجيل والتسويف هو المنفذ الوحيد للهروب من هذا الألم النفسي وهذا الإحساس المزعج. كل أحلامي مؤجلة، كل أفكاري مقيدة، خطواتي ببطء السلحفاة، حجج دائمة بكل شيء وأي شيء، لأعطي نفسي أسبابًا للتأجيل، أو بصدق أكثر.. للهروب.

خوفي من أن لا يكون كل ما أقدمه على مستوى “السوبر” جعل إنتاجي بطيئًا ومرهقًا إلى حد التيبس أحيانًا. بدأت أدرك، الرغبة في مساعدة الناس كان هدفي الدائم، وقعت في غرام علم النفس، وبدأت رحلتي معه، دراسة وبحثًا وتجريبًا، بدأت أطبق تقنياته على نفسي ولمست تغيرًا كبيرًا -بفضل الله- في كل جوانب حياتي، وتبلور منظوري عن المساعدة، ونمت أفكاري وأصبحَت فقط تنتظر الشجاعة للتنفيذ.

لكن…

ها هو الحاجز يظهر من جديد، كل خطوة للتنفيذ يجاورها خوف من النقصان، أو أن لا تكون على الوجه الأكمل، فكانت النتيجة الحتمية دائمًا أنني محلك سر. أفكاري مقيدة. عقلي مقيد. مشاريعي كلها مؤجلة وأعذاري لا تنتهي.

خطواتي بطيئة، كأن سلاسل من الحديد تقيدني وتمنعني من الوقوف أو الحركة، لتعيدني إلى الأرض مرة بعد مرة. كان شعوري بهذه السلاسل شعورًا حقيقيًا بكل ما تعنيه الكلمة، وكان أيضًا يحيرني: لماذا أشعر بهذا؟ لماذا لا أستطيع أن أتحرك أو أفعل أو أخطو خطواتي كما أفكر فيها؟ لماذا لا أستطيع أن أحقق أحلامي؟ لماذا هذا الضغط النفسي؟

لماذا؟

ولأن لماذا؟ هي دائمًا بداية الطريق، بدأت أقرأ لأعرف، وبترشيح خاص من الدكتور شريف عرفة، الذي يعود إليه فضل كبير في ما أنا عليه الآن، قرأت كتاب “الأفكار والمشاعر” لماثيو ماكاي، وهو من كتب المساعدة الذاتية، وفهمت أن الكمال مشكلة تحتاج إلى علاج، وأنه من أقوى القيود التي تعيق الحركة وتمنع من التقدم وليس العكس، والفهم كما نعرف هو أول خطوات الحل.

الكمال لله وحده

“الكمال لله وحده”. كم مره تسمع هذه العبارة من أشخاص ثم تراهم لا يقبلون تقصيرًا، ولا يغفرون ذلة، ولا يقتنعون بعذر، لا يرضيهم غير الدرجات النهائية من أبنائهم، وكمال الأدوار من أزواجهم أو زوجاتهم، فأين يا سيدي إيمانك وتصديقك بهذه العبارة؟! و كيف تؤمن بشيء وتطلب عكسه؟!

لا أخفيكم سرًّا أني أحيانًا ما أقبض على نفسي متلبسة بتلك النزعة الخفية للكمالية في أمر ما، لكن إدراكك للشيء يجعل من الأسهل تغييره. عندما توقفت عن الرغبة المحمومة في أن أكون الكل في كل لحظة بدأت أشعر بالراحة، بدأ رتم الحياة يصبح أهدأ وأمتع، بدأت أشعر بدلال وحلاوة كوني هادئة أو متفرغة دون الشعور بذنب أو تقصير.

من قبل كنت أضن على نفسي حتى بأوقات فراغي، فأجدني أفكر في عشر إلى عشرين أمرًا، وأحاسب نفسي عليها في الدقيقة الواحدة، وأنا جالسة في مكاني.

شجاعة عدم الكمال

“المرء يحتاج إلى شجاعة عدم الكمال كي يبدع”، هكذا قالها الطبيب النفسي “رولو ماي”. كي يصل الإنسان إلى حالة التدفق الإبداعي يحتاج إلى رفع حواجز الإيقاف من أمامه، وأهمها حاجز الكمال، تحتاج أن تترك العنان لفكرك، وتتقبل إبداعك، وتتوقف عن التشديد على نفسك ومن حولك، لسبب بديهي ووجيه جدًا، هو أنك بشر ولست إلهًا. إذًا فالكمال ليس من شيمك.

المقالة السابقةمتعافية من الاكتئاب
المقالة القادمةماذا أفعل في أول يوم مدرسة لطفلي؟
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا