متلازمة ما بعد كورونا: كيف تساعد المصابين (تجربة شخصية)

1071

قد تكون مقولة كوميدية أننا كأشخاص إما مخالطون أو خالطنا أو سنخالط مريضًا بكورونا، ولكن أنظر للجملة فأجدها حقيقة، فبعد ثلاثة أشهر و15 يومًا من الإصابة بكورونا أجد أن الكثير من من حولي إما مريض أو مخالط، وعلى عكس ما كان يحدث لي في السابق من توتر لدى معرفة ذلك، وجدتني أكثر هدوءًا بعدما تقبلت الأمر وتأقلمت كذلك بعد الإصابة.

ما فائدة التعقيم ما دامت الإصابة ستحدث؟!

قد يكون من حسن حظي هو خلفيتي العلمية وشغفي بالمعرفة. منذ ظهر الفيروس لم أترك ورقة بحثية نشرت عنه إلا وتابعتها، أتابع الأطباء في الداخل والخارج، أتعرف على بروتوكولات الدول الأخرى، قرأت خريطة الفيروس الجينية مرارًا متتبعة طفراته، كنت أسلي عزلي في أيام الفيروس الأولى بالفيروس نفسه وأخباره.

ومع عزل كامل عن الحياة، استمر 9 أشهر ونصف لم أرَ بها الشارع نهائيًا، فبين مشكلتي مع أمراض المناعة الذاتية، ومع كوني أعيش مع والدتي التي تجاوزت الـ70 عمرًا ولديها أمراض مزمنة ومتعافية من السرطان، وأخاف عليها بشدة، التزمتُ بشكل مبالغ فيه، وهذا هو أحد أهم الدروس، أو كما نقول مزاحًا “الجون بييجي في ثانية”. رغم الحرص الشديد والتعقيم والتباعد، كان أخي يذهب للعمل، ورغم التباعد فقد حدثت العدوى.

قد يرى البعض أنه طالما حدثت العدوى مع الالتزام فما فائدته، ولكن من خلال التجربة ومن خلال ما قرأت من أبحاث اكتشفت أن الأمر يفرق، خصوصًا لمرضى الأمراض المزمنة. فكلما كنت أكثر التزامًا كان محتوى viral load أقل، حتى عند حدوث الإصابة، وهذا سينعكس على شدتها ومدى تأثيرها عليك. أخبرتني الطبيبة أن مع حالتي الصحية وحالة والدتي كان يمكن للإصابة أن تكون أكثر شدة وأكثر سوءًا ولكن الحرص من البداية جعل الأمور تحت السيطرة.

أعراض كورونا تعني الإصابة.. لا تظن العكس

لم أصدق في البداية، فشدة التزامي خدعتني، وهو ما تسبب في مضاعفات تالية. بدأ الأمر بأن اختلطت مع أخي، بشكل أقل تباعدًا، وبعد 48 ساعة شعرت بألم الحلق وألم بالجسد، قلقت ولكن لم أتخيل، أولاً لسرعة الإصابة وهو الدرس الآخر، فحضانة الفيروس من 48 حتى 14 يومًا، وأحيانًا 21 يومًا، لذا كنت مصابة ولم أهتم كثيرًا، لم ترتفع حرارتي، وإن بدأت أشعر بألم في الصدر وكحة متوسطة، فعزلت نفسي عن والدتي كإجراء احتياطي دون تصديق كبير، لم أهتم، إلا أن صوت تزييق رئتي بدأ يزعجني. فكرت في إجراء الفحوصات ولكني أمنع التواصل مع أي جهة طبية بأمر الطبيب، لعدم التعرض لخطر العدوى.

تناولت أقراص بانادول ودواء كحة عشبي وتغافلت. بعد أيام شعرت أن الحالة أفضل ففسرت أن الأمر كان مجرد وعكة خفيفة. بعد 12 يومًا أخرى بدأت الأعراض على أخي وزوجته بشدة، فقررا الفحص الذي أكد الإصابة، لذا اعتبرنا جميعًا في هذه اللحظة أن ما حدث سابقًا لي بالتأكيد كان إصابة.

انهيار السد

مرة أخرى أتعلم أنه لا يجب أن أستهين بالأعراض، فبعد يومين انهار السد، ضيق تنفس شديد، آلام عضلية شديدة كأن هناك قبضة تعصر رئتي، لا أستطيع النهوض، طعم معدني في الفم وضعف في حاسة الشم، إسهال وألم خفيف في البطن، الكحة متوسطة، ولا حرارة. ولكن الفحص مع الأعراض أصبح واجبًا، ورغم عدم ظهور أعراض لوالدتي إلا أننا قررنا إجراء الفحص لها للاطمئنان.

المسحة السالبة ليست علامة

أجرينا الفحوصات، لتعود وتؤكد إصابتي، مع نسب سيئة من التحاليل والتهاب رئوي بسيط، ولكن مسحة والدتي أتت سلبية. أخبرني صديقي الطبيب العامل على حالات كورونا في ألمانيا أنه لا يجب أن أطمئن مع المسحة السالبة، خصوصًا أن والدتي مخالطة بشدة، مذكرًا أن false negative لاختبار الPCR كبير. عدت للأوراق البحثية لأكتشف أن النتائج السلبية الخاطئة تصل في بعض المراحل قبل ظهور الأعراض إلى 100%. شعرت بالقلق، لتعود باقي الفحوصات بالصدمة، إن حالة رئة والدتي هي الأسوأ وإصابتها شبه مؤكده بالكورونا، التحاليل شديدة السوء، وكل هذا بلا أعراض.

كل حالة لها خصوصيتها

بعد يومين بدأت الأعراض تظهر على والدتي مع انخفاض شديد في نسبة الأكسجين، لتحتاج إلى مولد أكسجين منزلي. لقد ظلت الإصابة تتوغل داخلها بأعراض صامتة تمامًا، لتظهر بعد 21 يومًا. كنا 4 أشخاص مصابين بكورونا كل منا له ميعاد ظهور أعراض مختلف، أعراض مختلفة، وشدة إصابة مختلفة. كان اثنان منا بأعراض تنفسية متوسطة، وشخص أعراض تنفسية خفيفة ومعوية شديدة السوء، وآخر بلا أعراض ثم تدهور تنفسي. لذا وهم أن كورونا مرض يمكن تشخصيه بمجرد مجموعة أعراض محددة لم يعد يزور أحد منا.

الإصابة وجبة دسمة في مطعم فاخر

ما يهم في أعراض المرض، والتي قد تطمئن كثيرون أنها لا تأتي مرة واحدة، بل تتعامل معاملة المطاعم الفاخرة التي تبدأ بالسلطة، ثم تقدم الشورية، فالمقبلات، فالطبق الرئيسي، ثم الحلوى. الأعراض تظهر تباعًا، كلما طننت أنك قد تحسنت من عرض يلاحقك العرض التالي، وهكذا حتى تنتهي قائمة الأعراض الرئيسية.

متلازمة ما بعد كورونا post covid -19 syndrome

الحديث عن متلازمة ما بعد كورونا post covid -19 syndrome قد يكون الأهم، فمع تلاعب المرض وعدم يقينية أي شيء يخصه، يعاني الكثيرون بصمت. فأسوأ ما في كورونا ليس فترة الإصابة التي تتراوح بين 15 يومًا لشهر، بل ما يليها. وأسوأ شيء في أعراض ما بعد كورونا هو القلق، الشك، عدم اليقين، تظل تتساءل برعب هل لم أتعافَ بعد؟ هل حدثت لي إعادة إصابة؟ هل هذه مضاعفات متأخرة؟ والحقيقة بعد الكثير من الوقت ومتابعة الأطباء في الداخل والخارج، ومتابعة جروبات الدعم لمصابي كورونا ومتلازمة ما بعد كورونا، ستكتشف أن المتلازمة أحيانًا تكون أكثر إزعاجًا المرض:

– موجات من التعب، تستيقظ مشرق وتشعر أنك أفضل والأعراض اختفت، تتفاءل. في المساء أنت في أسوأ حالة من الإنهاك وألم الصدر وتعب الجسد وتقلص العضلات.. هكذا دواليك، وكلما تباعدت عن الإصابة زادت الفترات بين الموجة والأخرى، فقد كان التغير يحدث لنا خلال 24 ساعة، أصبح خلال أيام، تمر أيام حالتنا جيدة ثم فجأة يعود كل شيء. من ملاحظات الآلاف حول العالم، فإن حالة المناعة وقوة البرتوكول المتبع للعلاج، ودرجة الإصابة تحدد طول فترة ما بعد كورونا، وهناك تقسيم غير علمي لم يثبت صحته ولكنه أصبح شعبيًا ومنتشرًا عالميًا لدى المتعافين، أن ما بعد كورونا تنقسم لـ4 فئات: أشخاص يعانون منها لشهر، أو 3 أشهر، أو 6 أشهر، أو 9 أشهر، وإن كان الغالب هو 6 أشهر، خلالها تبدأ الأمور في التحسن ببطء.

– أنا بطارية فرغ شحنها، كان هذا هو ما أشعر به وما قاله الجميع تقريبًا، فالجسم يخرج من التجربة منهكًا، أي حركة تجعلني أنهج، أي مجهود يجعلني أحتاج للراحة.

– الجلطات ليست بعيدة، ثلاثة من أربعتنا تعرض لجلطة أو اشتباه جلطة في فترة ما بعد كورونا. لذا المسيلات عامل هام جدًا ودقيق جدًا، لا يمكن مطلقًا تناوله لمجرد التناول بلا إشراف طبي، ولا يمكن نهائيًا التغافل عنه أو إهماله، هناك جرعة وقائية يصفها الطبيب لمدة شهر أو 3 أو 6 حسب الحالة، للفئات الأكثر تأثرًا، كمرضى الأمراض المزمنة وكبار السن ومن يعانون مشكلات تجلط سابقة ومرضى السمنة. بينما بعض الأطباء يرفضون إعطاء المسيلات في حالة كان التحليل طبيعيًا، ولكن يجب أن يتابعوا بالتحليل ليكونوا مطمئنين لوضعهم بلا مفاجآت.

– الاكتئاب أو القلق أحد أعراض متلازمة ما بعد كورونا، والمتلازمة ذاتها تسبب القلق، حتى تطمئن أن هذا طبيعي وأن أغلبية من أصيبوا يمرون حاليًا بها، وقتها تشعر بالراحة النسبية، بأنني لست وحيدًا.

كيف تساعد مصاب كورونا ؟

هناك تساؤل هام عن دعم المرضى. بعد الإصابة تعلمت كيف يكون الدعم بفضل الأصدقاء والعائلة وما قدموه لنا من دعم حقيقي، لأكتشف أن هناك أمورًا يحتاجها مريض كورونا من الآخرين تمثل دعمًا حقيقيًا لأزمته:

– أحتاج من يسمع شكواي وقتما أريد، فالمريض يشعر بالقلق والتوتر، وعدم اليقين مع تضارب المعلومات من الأطباء المختلفين، فكل منهم يتبع برتوكول مختلفًا، لذا في لحظة يريد المصاب من يستمع لرعبه ووجعه وآلأمه، ذكره دائمًا أنك موجود إن احتاج للفضفضة.

– الدعم اللوجيستي، إن كان في مقدرتك أن تدعم مريض كورونا بالطعام والشراب والأدوية فهذا أكثر ما يحتاجه. هو لا يستطيع حتى أن يتصل بالمطعم لطلب الطعام ثم تطهيره، لا يقوى على النزول أو الاتصال بالسوبر ماركت لتوفير ملاعق وأطباق وأدوات مائدة بلاستيكية، لا يستطيع عمل كوب من المشروبات الساخنة التي يحتاجها بشدة، لا علاقة للأمر بالحاجة المادية بل بالانهيار الجسماني، لذا فإن وجبات ساخنة مغلفة ومطهرة على التسخين في الفرن أو المايكرويف، تُرمس من مشروب ساخن، وكيس يحتوي على أكواب وأطباق وملاعق بلاستيكية يترك أمام باب المريض يساوي كنزًا في هذه اللحظة. لقد بكيت وأنا أكافح لمحاولة تلفيق أي طعام لوالدتي المريضة وتحتاج للغذاء، ثم بكيت فعليًا تأثرًا وسعادة عندما فوجئت باتصالات الأسرة والأصدقاء التي تخبرني أن أفتح الباب لأتلقى هذا الدعم الذي عنى لي الكثير جدًا.

– هناك مشاوير يجب أن أقوم بها، تسوق لأجهزة طبية، أو فحصوات أحتاج استلامها، أو حتى متطلبات منزلية لا أستطيع أن أفعلها، لذا وجود داعمين يقومون بكل ذلك كان أمرًا شديد الأهمية. الصديقة والأسرة التي ظلت تتابع كل شؤوني الخارجية، تتسوق من أجلي تتسلم فحوصاتي تتحدث مع الأطباء بدلاً عني عندما تكون حالاتي لا تسمح كانت أهم داعم لي. لذا كن أنت هذا الشخص إن استطعت، صديقك أو قريبك يحتاج من يدعمه في مشاوير لا يستطيع القيام بها، ناهيك بكونه خطرًا على الآخرين.

– لقاءات الأصدقاء بعد التعافي، بعد انتهاء الأعراض ستكون منهكًا معزولاً مكتئبًا، لذا دعم الأصدقاء والأسرة عبر الفيديو يفرق كثيرًا. دقائق لطيفة من الضحك والسعادة تغير النفسية، لذا لا تحرم صديقك المريض بعد التعافي من تجميع أصدقائه أو أسرته في دقائق بسيطة لا ترهقه ولكنها تبثه السعادة وتقلل من الاكتئاب.

– لا تجامل صديقك المصاب بالشوكولاتة والدباديب، إن أردت المجاملة المادية فلا داعي مطلقًا لإرسال ورود أو شوكولاتة، فالمرض منهك ماديًا لذا ادعمه بأطعمة وأدوات يحتاجها وأجهزة بعد أن تستشيره، اجعل هديتك دعمًا ماديًا وليست مجرد مجاملة.

في النهاية.. فإن تجربة كورونا رغم اعتبار الكثيرين كونها مجرد دور برد، إلا أنها مستنزفة ومنهكة حقًا، ما زلت الآن أعاني من مضاعفات رئوية لاستهتاري الأول بالإصابة، من جلطة مفاجئة لعدم متابعتي الفحوصات في فترة ما بعد التعافي، ولكني أحاول أن أدعم الآخرين كي لا يسقطون في نفس أخطائي، لتمر فترة إصابتهم بشكل أقل حدة وأكثر هدوءًا.

المقالة السابقةانقطاع الطمث: أعراض سن اليأس وطرق مواجهتها
المقالة القادمةحكايات الطفولة: إن أعادوا لك الذكريات فمن يعيد الرفاق

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا