بقلم: هند عزت
هل أنا شخص نهاري أم ليلي؟ سؤال يبدو غير مهمم للبعض، لكنه سؤال أرقني كثيرًا رغم البساطة التي يبدو عليها، أستيقظ في السابعة والنصف صباحًا يوميًا بصعوبة بالغة، أنهض وقدمي تزن أطنانًا ورأسي مثقل يدور مهما بلغت ساعات نومي، فست ساعات من النوم لا تفرق كثيرًا عن عشر ساعات، في كلتا الحالتين أنا منزعجة. مفارقة سريري صباحًا أمر مزعج وكأنني لن أعود إليه أبدًا، كل شيء متوقف داخل رأسي رغمًا مما يبدو عليَّ من سرعة ونشاط، حتى أحتسي قدح القهوة الأول. عندما يسري مفعول هذا السائل المذهل في عروقي أنظر حولي بتعجب كأنني بوغت بوجودي في العالم للمرة الأولى، أثناء انخراطي في سماع أغنيتي المفضلةPaint It Black للمبدعينThe Rolling Stones.
رغم ذلك أعشق جو الصباح المبكر وهدوء الأجواء، أنا من عشاق الشروق وأهيم حبًا بشمس الصباح الباكر اللطيفة المبهجة، عندما تلامس وجهي تاركة وراءها ابتسامة دافئة على شفتي، لعمري لم أستوعب نفسي صباحًا، فكيف أحب طقوس الصباح وأشعر بتلك الغضاضة في حلقي، وأكون هذا الميت الحي عندما أستيقظ في الصباح الباكر؟!
ربما أحلم بنهار مرفَّه، أستيقظ في سريري وضوء الشمس الباكر يغمرني، وأن أحتسي قهوتي وإفطاري بدون أن أضطر لمغادرة الفراش، ربما ساعة أخرى أقضيها بدون حراك من الفراش وأنا مستيقظة، ستنعش قلبي وتجعل بداية يومي مشرقة، ربما أشعر بإنهاك مع اقتراب أعوامي الأربعون، وأنني بحاجة إلى راحة، والقليل من الوقت أرى فيه وجهي الصباحي دون أي التزامات، فها أنا أكتب والدموع في مقلتي تأبى أن تسيل، وسط قلب مثقل بأعباء النهار التي رغم كل ما ذكرته أحب أن أقوم بها، فهي لأحب الناس إلى قلبي وإلى عملي ونفسي أيضًا.
لكن كل ما أحتاجه هو القليل من التسكع الصباحي، حتى أستطيع الدوران في ترس الحياة بقلب مبتهج هادئ، بلا عواصف داخلية، وتأتي الفقرة الليلية اليومية من حياتي، فها قد أتى الليل الذي انتظرته طيلة نهاري وعم السكون مرة أخرى إلا من أصوات بعض الصاخبين، تأتي من وراء زجاج النافذة، كأنها خلفية لحلم مضطرب لا أستطيع تمييزه، ومع حلول الليل أحلم بأن أحظى بسهرة أمارس فيها جميع الأنشطة التي قمت بتأجيلها منذ الصباح لضيق الوقت، فأجد نفسي منهكة أيضًا، ولا أقوى على الحراك، وجل ما أطمح به هو مطالعة الأخبار في السرير، وتتهدم أحلامي أمام قوتي الخائرة وانعدام رغبتي في السهر، الذي سيجعل استيقاظي في الصباح الباكر ضربًا من الخيال.
ها هي قائمة من المسلسلات الأجنبية مدونة بداخل ملاحظاتي الشخصية، أرغب في أن أشاهدها جميعًا، ليباغتني الليل ناعسًا، مندهشًا من حماسي لمواصلة يوم تكبدت عناء صموده بمعجزة، فأنا التي تنهض للذهاب إلى المرحاض بصعوبة بعد انتهاء اليوم، أرغب في مزيد من المرح، لكن للأسف سأدفع ثمن هذا المرح اليوم التالي، ولا أرغب في دفع أثمان أي شيء حاليًا، فلقد سددت جميع ديوني حتى أنعم بلحظات من الراحة، لا يعكر صفوها شيء في أوقات هادئة كأمسية ليلية.
أنظر إلى طلاء أظافري الذي تقشر بعض من أطرافه، وأشعر بلا مبالاة تجاه هذا، رغمًا أن أمرًا كهذا سابقًا كان كفيلاً بجعلي أنتفض من سريري، لأزيله بسرعة، حتى لا أرى هذا المشهد البغيض يطاردني في أحلامي أثناء النوم، لكن لم يعد شيء قادر على مقايضتي، بترك فراشي وتهديد وقت ولو ضئيل من راحتي الليلية، ورغم حدسي السابق كان يخبرني أنني شخص ليلي يزداد نشاطًا وتألقًا وإبداعًا عندما يعم سكون الليل، إلا أن هذا الحدس جانبه الخطأ منذ فترة.
ها هو الليل يأتي وأستقبله بترحاب، لكن لم يعد مكان دافئ عذب لاستقبالي، حتى الكتابة التي اعتدت أن أقوم بها ليلاً تحولت إلى شيء لا أستطيع القيام به إلا في ضوء النهار الساطع، بطبيعة حال الأشخاص الإنطوائيين أحب أن أجلس منفردًا لجزء من اليوم، حتى أستطيع استجماع نشاطي كاملاً، أفعل هذا بممارسة أي شيء أحبه وحيدة وصامتة، لكن حتى هذه الأشياء لم أعد قادرة على فعلها، فبت أكتفي بصوت الصمت داخل رأسي، أحاول به استعادة هدوئي الداخلي مرة أخرى بعد يوم آخر عصيب.
كي لا أرهقكم بالتفكير، أنا أحب حياتي كثيرًا، لكن مع الإرهاق الدائم فقدت بوصلة الشعور بتلامسي مع الليل والنهار، وشردت في خواطر صباحية أحاول بها تفنيد مشاعري تجاه صباحاتي المضطربة، ورغم ذلك لم أصل لإجابة سؤالي ولا زلت أتساءل بعد، وصوت ذا رولينج ستونز يتردد على مسامعي أن أدهن كل شيء باللون الأسود. هل أنا شخص نهاري أم ليلي؟