إليك تجربي مع الولادة القيصرية بداية من العلامات لشفاء الجرح

10336

الولادة ليست تجربة سهلة، خصوصًا إذا خضتِها وحدِك، في تلك اللحظة تحتاجين لمن يخبرك أن كل شيء سيكون على ما يرام، من يؤكد لكِ بابتسامة هادئة أن كل هذا القلق والتوتر والخوف سيتبدد، لكن إن كنتِ وحدِك فاسمحي لي أن أشاركك تجربتي، لعلها تساعدك بشكل أو بآخر.

جاءتني الفكرة بينما أتصفح مذكراتي عن العام المنصرم، عثرت على ما كتبته قبيل ولادتي بيوم واحد، كان هذا هو الوقت الوحيد الذي عثرت عليه كي أسجل مشاعري على الورق، وسط دوامة مهام لا نهائية كنت أقوم بها وحدي.

اقرئي أيضًا: ما هي علامات الولادة، وشروطها؟ تجربة الولادة الطبيعية بالتفصيل الممل

قبل الولادة بيوم

مذكراتي:

النهارده الأربعاء 15/5/2019 الساعة 7:55 صباحًا 10 رمضان.. رغم إني نايمة 3 بعد نص الليل بالعافية، إلا إني صحيت وعملت كوباية نسكافيه وحبيت أكتب، لأني في الأيام اللي فاتت والأيام اللي جاية صعب أكتب، حاجات كتير من اللي كنت عاوزاها اتعملت وحاجات تانية لسة هكملها النهارده وبكرة.

الولادة القيصرية في بداية الشهر التاسع دائما، هكذا تعلم الأم موعد ولادتها مسبقًا، باليوم والساعة، هذا أمر مخيف لمن جرَّبه، ومرهق أيضًا، إذ يتطلب الأمر إنجاز الكثير قبل الموعد المحدد، لذا كان عليَّ أن أقوم بمهام لا نهائية، أذكر أنني دوَّنتها على قائمة المهام في هاتفي على النحو التالي: “أشتري بيض، أنضف الشقة، أعمل التحاليل، أشتري صندل ليونس (ابني الأكبر) عشان العيد، أشتري مزيل عرق وشنطة هدايا ليونس فيها مقص وفرخ ورق وكراسة رسم وألوان وبسكويت ومصاصة، عشان يعرف إنها هدية من النونو، أطبق الغسيل، أظبط أوضتي، أظبط الصالة، أحضر شنطة الولادة، أستحمى، أعمل أوضة يونس، أنصب سرير البيبي، أجيب سلمى بالسلامة”.

“هتولدي يوم الخمس 16 مايو، الساعة 8 مساء بعد الفطار مباشرة، مش هتأخر عليكي”: كان هذا هو ما أخبرني به الطبيب. لا أنسى تلك اللحظة أبدًا، رغم أنني انتظرتها طوال شهور الحمل، رحت أشطب خلالها على يوم بعد آخر وأتنفس الصعداء بانتظار طفلتي الثانية، إلا أنني في ذلك اليوم لم أفرح كما توقعت حين حدد معي الطبيب موعد الولادة.

تعرفي على: اجمل هدايا للأم بمناسبة الولادة

موعد الولادة “اللحظة الصعبة”

رُحت للدكتور واختارنا يوم الخميس بالليل عشان أولد، مقولتش لماما، كذبت عليها وقولتلها هولد الجمعة، عشان مينفعش تسهر وهيبقى تعب شديد عليها. ماما عينيها تعبانة جدًا، والدكتور طلب منها تكمل أسبوعين كمان على العلاج اللي تاعب عينيها.. صداع وألم رهيب، رهاب ضوء لدرجة إني فعلاً مش عارفة هنعمل إيه الفترة الجاية، مطلوب تقفل عينيها في أكتر وقت أنا محتاجة ليها.

كنت أشعر بالضياع حين كتبت تلك الكلمات. زوجي يفعل ما بوسعه، لكنه لن يتمكن من العناية بيونس، أمي في ظرفها المرضي لن تتمكن من الاعتناء به أو بي. كان الخوف يعتصر معدتي كلما تخيلت كيف ستمضي الأمور، خصوصًا حين رأيت ما فعله صغيري بصُحبتي في زيارتي الأخيرة للطبيب. هو حركي جدًا، لم يدع غرضًا بالعيادة إلا وحركه عن موضعه، الميزان، سماعة الطبيب، الأوراق، اللوحات، المقاعد، الأدوات، كل شيء كان محل للعبث بحركات سريعة ومباغتة كفيلة بتحطيم أقوى الأعصاب، وبينما فقدت قدرتي على السيطرة وكذلك والده، كان الطبيب متوترًا أيضًا من حركته الزائدة، فقال لي عقب الكشف على عجالة: “على معادنا”.

حين نزلت من العيادة لم أتمكن من الحركة، ظللت واقفة في موضعي بينما ينظر لي زوجي باستغراب، يسألني “مالك؟”، شعرت بنفسي تفيض إلى خارجها، دمعت عيناي وشعرت بغصة في قلبي، من المجهول الذي ينتظرني بصحبة ابني. كيف سأقوى على رعايته ورعاية الرضيعة القادمة بالجرح المنتظر؟!

كان الأمر الأكثر مضايقة بالنسبة لي ذلك الشعور أنني أتخطى حدودي معها؛ لم تنفتح المشيمة كما جرى مع شقيقها الذي حدد موعد مجيئه إلى الدنيا بنفسه، هي لم تفعل، لا طلق، ولا مياه منهمرة ولا أي علامة تخبرني أنها باتت مستعدة للمجيء، فقط ذلك الكشف الذي حكم من خلاله الطبيب أنها باتت جاهزة، “ماذا لو كانت حركة يونس داخل العيادة جعلت طبيبي يخطئ في التقدير؟ ماذا لو كان الوقت ما يزال مبكرًا وهي بحاجة للبقاء في الداخل أكثر؟”، طرق السؤال المرعب عقلي فأحال حياتي جحيمًا، لذا رحت أبحث كالمحمومة عن الموعد الآمن للولادة. أنا أثق في طبيبي لكنني لا أثق في التوتر أو الانفعال.

اقرئي أيضًا: 15 معلومة محدش هيقولهملك عن الولادة

أنا خايفة!

أنا أول امبارح مقدرتش أنام من التوتر والخوف، لما عرفت المعاد.

لم تكن خشيتي من العملية المصنفة باعتبارها جراحة كبرى، رغم معاناتي معها من قبل، لكن ذلك الشعور بأنني أنتهك سكون ابنتي في الداخل حيث تستحق أن تبقى، جعلني أشعر بقدر من الإجرام وتأنيب الضمير.

يقولون إن طريقة الولادة الأولى تحدد طريقة الولادة الثانية بنسبة كبيرة. في المرة الأولى لم أكن أعرف طريقة الولادة حتى اللحظة الأخيرة، لكن هذه المرة كل شيء محدد سلفًا، وأنا أكره ذلك. دائمًا ما أرغب للأمور أن ترسم نفسها بنفسها، أكره التدخل البشري في الأمور القدرية.

أنا خايفة من آخر كشف بسبب يونس، ومش عارفة الأيام الجاية ممكن تمشي إزاي، أنا خايفة من الأسبوع الأول هيعدي إزاي على ماما وهي تعبانة لا قادرة تساعدني ولا قادرة أساعدها! خايفة من البنت نفسها، معرفش هتعمل معايا إيه وهتكون عاملة إزاي، خايفة من البهدلة ومن ألم الجرح ورهبة العمليات.. أنا خايفة جدًا.

كنت أعلم أنني سأذهب وحدي يوم الولادة برفقة زوجي، كنت مرتاحة لعدم وجود زحام، فأنا أكره كثرة الوجوه من حولي، ولكنني خائفة، كنت بحاجة حقيقية لذلك الشعور بأن هناك من ينتظرني بالخارج بخلاف زوجي.

اقرئي أيضًا: كل ما تحتاجين معرفته حول اكتئاب ما بعد الولادة

“متخافيش”.. أخبرتني بها جارتي العزيزة جدًا، وصديقتي المقربة، “سأكون إلى جوارك”، بابتسامة هادئة شعرت بالرفق لكني استبعدت أن تفعل، فهي بها ما بها، ولديها مسؤوليات جسام، بالتأكيد ستعجز عن مساعدتي وأنا لا ألومها، يكفيني شعورها ومؤازرتها، لكنني فوجئت يوم الولادة أنها تسبقني إلى المستشفى، تودع ابنتها التي لا تنام بدونها لدى جدتها كي تكون إلى جواري. علمت يومها أن الناس جنود الله، يرسل منهم من يشاء لمن يشاء، علمت يومها أن المسألة بالكامل خاضعة لإرادة الله، وأراد الله ألا أكون وحدي وزوجي في ذلك الموقف.

اقرئي أيضًا: وسائل للحد من الولادة القيصرية بدون ضرورة

اختيار اسم الطفل “سلمى”

لم يكن اسم “سلمى” من اختياري، كنت قد اخترت لها اسم “صوفية” لأسباب معقدة وعديدة، لكنني اخترت اسم ابني الأول، لذا كان من العدل أن أترك الاختيار هذه المرة لوالدها، الذي فضّل لها “سلمى”.

بالنسبة لسلمى بدأت أتقبل اسمها، لما بقول الاسم ببتسم، وبحس إحساس لطيف، مش قادرة أتوقع شكلها ولا عارفة هتكون بيضا ولا سمرا، شعرها إزاي؟ هادية ولا مجنونة؟ مريحة ولا متعبة؟ حضرتلها كل حاجة تخصها الحمد لله.

في يوم الولادة كان عليَّ أن أصوم قبل الموعد المحدد بأكثر من 6 ساعات، فكرة الحرمان من الطعام، قبيل ساعة الإفطار حيث تتعالى رائحة الدجاج المشوي من المحل الشهير القريب من المستشفى بشارع فيصل، جعلتني أشعر بأهمية حصول المحكوم بالإعدام على طلبه الأخير قبل تنفيذ الحكم، كان طلبي الأخير قبيل الغياب عن الوعي هو دجاجة مشوية من المحل القريب، لكن هذا لم يكن ممكنًا، كنت جائعة جدًا وأشفق على الصغيرة التي تشعر بالجوع بالداخل وتشتهي الدجاج المشوي بكل تأكيد كأمها، كنت جائعة وخائفة. نحن نريد أن نصل إلى تلك اللحظة كل يوم من أيام الحمل، لكن الوصول إلى تلك النقطة مرعب حقًا.

اقرئي أيضًا: حقائق اكتشفتها بعد الولادة

على طاولة العمليات

وصل الطبيب في موعده وجرى كل شيء سريعًا، حيث وجدتني فجأة على طاولة الجراحة، عليَّ أن أتحضر لحقنة الظهر للتخدير النصفي، لكنهم رفقًا بي حصلت على تخدير كلي قصير الأجل، حتى انتهوا من تخديري نصفيًا، لأستيقظ في وسط الولادة على ذلك الألم في أعلى معدتي.

كان طبيب التخدير يربت على كتفي ويطمئنني أن كل شيء بخير، لكنني أخبرته أنني أشعر بألم سخيف أعلى معدتي، فقال إن هذا طبيعي، استمر الألم بينما راح الجميع يتبادلون الحديث بمرح حول جسدي المسجى على الطاولة، لم يلفت نظري سوى شفاط الدماء الذي راحت دمائي تقطر داخله، بينما يدي الممتدة أمامي والمكبلة بالسرير كانت صفراء بشكل ملحوظ، “هذه أضعف لحظات حياتي تقريبًا، أنا بلا حول ولا قوة، أنتظر مولودتي وأخشى أن يصيبني مكروه، ليس لأجلي ولكن لأجلها”.

لم أكن خائفة بهذا القدر في ولادتي الأولى، كنت أجهل الكثير من الأمور، لكن الوضع لا يعود هو في الولادة الثانية، الخوف من الولادة القيصرية للمرة الثانية، القلق والحيرة أكبر، أن تُقدِم على شيء لا تعرفه، أقل قسوة من الإقدام على أمر تعرفه جيدًا.

في ولادتي الأولى لم أحظ بلمس يونس، كان يموء كالقطط قبل أن يأخذوه، لكنني طلبت احتضان سلمى بمجرد ولادتها، في محاولة للحصول على واحدة من المزايا المهدرة للولادة الطبيعية. لحظة الحضن الأول كانت تبكي لكني بمجرد أن قبلتها سكنت وهدأت. التقط لي طبيبي الصور معها وكانت لفتة طيبة جدًا ما زلت أعتز بها حتى الآن. قبلتها بينما ظل أثر زغبها الأبيض على فمي وراحت لتحظى بحمامها الأول بينما انتهت عمليتي لتبدأ رحلة التعافي من الجرح.. التعافي من الولادة القيصرية، “هكذا إذًا ينتهي كل شيء، مهما بدا مؤلمًا وصعبًا، ينتهي ببساطة.. ينتهي على خير”.

أول لحظة بعد الولادة “في حضنها كل شيء يهون”

أول أربع أيام من الولادة كانوا صعبين جدًا، دي من عيوب الولادة القيصرية، مش هنسى الألم اللي شُفته، إحساسي إني بتسحب وقت الولادة كأني هفارق الدنيا، وشي الأصفر، إحساس الوهن. بيقولوا القيصرية سهلة، معتقدش مروا بمحاولة الوقوف أول مرة بعد العملية، محاولة دخول الحمام، كمية الحقن اللي أخدتها، مجرد محاولة إني آخد نفسي كانت تجربة مش سهلة.

جرح الولادة القيصرية متى يلتئم؟ “بعد القيصرية بنكتشف إن القدرة على القعاد والوقوف نعمة حقيقية، بتتحول لإنجاز في وجود الجرح، نفسي كان بيتكتم من شدة الألم لما بحاول أنام على جنبي، كنت تعبانة جدًا وبحاول أبدو كويسة عشان ماما متتعبش فوق تعبها”.

هل الولادة القيصرية صعبة أم سهلة؟ هل الولادة القيصرية مؤلمة؟”الألم في المرة الثانية كان أشد من ولادة يونس بكتير جدًا، لكن هل التجربة بالكامل كانت سيئة؟ وجود سلمى في حضني يستحق أي شيء في الدنيا، بكتب الكلام ده وهي دلوقتي في حضني، وجسمي ناسي الألم، مقدرش أنكر كرم ربنا ورحمته، ولا ممكن أقول إلا إن كل شيء صعب بيعدي وهيعدي، يونس كان شخص تاني قضى أول يومين بعد ولادتي مع أمي ومكانش مهيبر زي عادته، وده اللي بيقولوا عليه رحمة ربنا، لما رجع البيت وشافني معملش كل الحاجات اللي كانت رعباني، زي إنه ينط فوق الجرح أو يعمل حاجة مقدرش ألحقها، كان ربنا محاوطه ومحاوطني”.

“تجربتي علمتني إن ربنا بيبعت دايمًا المساعدة على قد حجم التجربة والاحتياج، كل حاجة بتعدي والقيصرية مهما كان ألمها في الأيام الأولى إلا إن كل ساعة بتعدي بتقربك من الشفا، كل حركة بتخطيها بتساعدك على التعافي، كل يوم بيعدي بيخليكي أحسن، وبيدخل التجربة بالكامل تحت بند النسيان، مبيفضلش منها غير ضحكة حلوة تشوفيها في عين البيبي ولحظات سعيدة بتقولك دايمًا: إنتي قوية.. إنتي تقدري تعدي أي شيء مهما كان مخيف أو صعب”.

المقالة السابقةBen is back: الأمومة التي لا تعرف الاستسلام
المقالة القادمةبعد انفجار بيروت: كيف نساعد الأطفال في الأزمات الكبرى؟
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا