خائفة من شيء ما

1367

بقلم: مها محمد

مرحبًا بشير..

إنها العاشرة من مساء صيفي جوه لطيف يستحثني على الخروج للشرفة، والجلوس مع هاتفي المحمول وضوؤه المثير للبعوض ليلتف حول رأسي ويزعجني، فأعود للداخل مرة أخرى. أو أضعه بجواري وأجلس في صمت، والصمت يجر وراءه تفكير، وبعد التفكير يأتي الحزن. لماذا دائمًا نحزن في المساء والسهرة يا بشير؟! لم كل الأفكار التي تحزننا واجترار الماضي والندم على ما فات وكل المآسي تجتمع ليلاً؟

هل سمعت يومًا عن حزين في الصباح؟ هل رأيت أحدهم يتناول فطوره ويشرب الشاي ثم يجلس حزينًا؟

في سماء هذا المساء هلال مبتسم رأيته وأنا أضع صغيري في فراشه، فلم أطل النظر إليه. هل تعلم يا بشير أني كنت أخاف من القمر؟ قال لي والدي في العشر الأواخر من رمضان الذي مضى منذ سنوات عديدة، كنت صغيرة يومها أن القمر حزين برحيل رمضان، ومنذ هذه الليلة وأنا أشعر أن القمر كائن حي يرى ويسمع ويشعر مثلنا، فصرت أخاف منه، وأتظاهر بعدم رؤيته في السماء، وأسدل ستائر المنزل حتى لا أراه.

أسررت الأمر في نفسي ولم أحدث به أحدًا حتى وقت قريب قصصته على إخوتي فضحكوا، وأنا ابتسمت في خجل لأني أخاف من أمور عجيبة تثير الضحك تطاردني حتى في الروايات التي أقرؤها، تطل عليَّ من بين الصفحات فتربكني وتجعلني أتقافز بين السطور لأتجاهلها ولا أغوص في المعنى فيصبح الأمر هينًا عليَّ، أو أغلق الرواية وأتركها أيامًا لا أقربها، حتى تحين لحظة جسارة مني فأعود للقراءة متناسية ما كنت فيه، وأقرأ متظاهرة باللا مبالاة والشجاعة الكاذبة، وأنا أدعو الله أن أنتهي سريعًا من الرواية، وحين أصل لنهايتها أتنفس الصعداء، وأكتبها في قائمة الإنجازات، وأبحث سريعًا عن غيرها ينسيني ما كنت أعيشه من قلق بين دفتي كتاب مخيف.

عزيزي بشير..

لماذا دائمًا نخاف من شيء ما؟ لماذا ترافقنا المخاوف بقية حياتنا، بل إنها تتبلور وتنضج معنا وتكبر، أو تنتهي بنهاية الموقف فيظهر غيرها، كأنه لا يصح أن نعيش بدون الخوف ؟!

أنا شخص خائف يا بشير وكلانا يعلم، الخوف يمنعني من الحياة بخفة، ويثقلني ويشدني إلى الأرض بسلاسل تصيب عقلي بالشلل، فيضيق صدري ولا ينطلق لساني.

هل تعلم عدد المرات التي فكرت أن أتحدث فيها معك عن مخاوفي من هذا العالم، وتندهش من عددها الهائل ولتعلم كم أنك مهم يا بشير، ولا بد أن تخبرني ما أعلمه مسبقًا أنه لن يصبني إلا ما كتب الله لي، وأن صوت الرعد ليس بهذا السوء، وأن الحشرات ضئيلة إذا ما قورنت بحجمنا، وأن الحيوانات لن تقترب مني، وأنك لا تحب الحبهان مثلي، وأن شياطين الإنس والجن يحمينا الله منها بالذكر والدعاء، وأنك لن تتركني، وأن المستقبل بيد الله وأن الظن فيه جميل. لا تدري يا بشير كم أنا بحاجة لكلام مثل هذا ليطمئن قلبي ولأعلم أنني لست وحدي.

وأنت يا بشير ممَ تخاف؟ لم تتحدث معي عن شيء تخافه! تسخر دائمًا مني ومن انتفاضاتي الفجائية من ظهورك المباغت أو من صوت مفاجئ، ولم أرك يومًا تفزع من شيء. وأصدقك القول إن ذلك يطمئنني أحيانًا، وأحيانًا أخرى أرى أن الحياة مع شخص ذي قلب ميت أمر مقلق بعض الشيء.

أنت مغامر يا بشير وجريء ولا يرهبك شيء، في قيادة السيارات وفي ذبح الأضاحي وفي فض المشاجرات، وحتى يوم نسينا المفاتيح في البيت وخرجنا تسلقت ودخلت البيت من النافذة في مشهد مهيب، وأصبحت في نظر أطفالك بطلاً خارقًا.

ما المانع أن تسر لي بأنك أيضًا تخاف فأراك إنسيًا طبيعيًا مثلنا، تتسارع نبضات قلبك خوفًا أحيانًا أو أنك ليس بالضرورة تفزع، ولكن أرني مشاعرك المضطربة تلك فأراك تشبهنا. لماذا تتظاهر دائمًا بالقوة والصلابة؟ من أخبرك أن هذا النوع الدائم على طول الخط من المشاعر مفيد؟ تعتقد بأنك إن خفت سيتعاظم خوفي؟ يا بشير خف قليلاً ثم اربت على كتفي وقل: “متخافيش.. إن شاء الله خير”.

هل تعلم يا بشير حين تتركنا وترحل يتعاظم خوفي من كل شيء، ويتسع الكون من حولي ويرهبني البراح، أشعر بضآلة وأبحث عن شيء أحتمي خلفه، وهذا أمر يضايقني. لماذا لا تكون الجرأة معدية؟ لماذا لا تتسرب شجاعتك إليَّ فأتعامل مع الدنيا كما لو كنت مثلك لا أخشى شيئًا؟

أعلم أنك تعتمد عليّ في غيابك، وهو أمر يقوّيني، وأنا أستمد القوة منك، لذلك أرجوك لا تشكو ضعفي وخوفي مرة أخرى، واعلم أن الله وهبني رجلاً مثلك ليكملني، كما أني واثقة من أن خوفي في أحايين كثيرة يجعلك تعيد التفكير في بعض الأمور التي تحتمل عدة نتائج، ولا بد أن أنقل لك بعض التفاصيل التي قد تراها ترددًا أو قلقًا، وهي في حقيقة الأمر تفاصيل لا بد من النظر إليها. أخاف لأمهلك وأجعلك تتروى قليلا ًفننظر للأمر من زوايا أخرى ونقرأ معًا ما يترتب على ما نقدم عليه. فليس كل الخوف مشينًا يا بشير، ولكن كل الأمان معك.

اقرأ أيضًا: مع تصاعد مخاوف الحظر: ما هو الخوف الصحي وغير الصحي؟

المقالة السابقةحوار مع أخصائي الطب النفسي: لهذا يصعب علينا فهم مشاعرنا
المقالة القادمةسندريلا بين الواقع والحكايات
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا