وهل العنف هو أن يتأذَّى جسدي؟!

395

 

بقلم/ منى مجاهد

 

في بعض الأحيان نهزر مع أحدهم بطريقة عنيفة، لكن ضحكتنا يصل رنينها حد السماء، رغم الألم الذي قد نتسبب فيه بعضنا لبعض، وغالبًا تحدث جروح في أمثال هذا الهزار، ووقت مداواة الجرح والتئامه يكون قصيرًا، وأحيانًا كلما نظرت لجرحك ابتسمت بدلاً من أن تتوجع.

 

ومع نفس ذات الحبيب إذا تحدَّث معك بنبرة حادة وضغط فقط على يدك، فيكون رد الفعل “آه” وشعور بالألم وبكاء، وربما تنجزع يدك وتؤلمك لأيام، رغم بساطة العنف الذي تعرَّضت له، وكلما نظرت لمكان الألم تنجرف دموعك.

 

هذا هو مغزى العنف لدى المرأة.. فسبحان من خلقها تتحمل عنف ألم الولادة ولكنها بعد ساعات تبتسم وتنسى ألمها! وسبحان من جعلها تتألم وتبكي أيامًا وربما سنينًا من أثر كلمة أو قبضة يد!

 

لن أنسى أبدًا ذاك اليوم الذي كسرت فيها روحي وبكيت أيامًا وليالي بسبب كلمة قالها لي أحدهم، ولم يلقِ لها بالاً، فألقت بي في بئر مظلمة من القهر، وحفر التاريخ الموقف على جدران عقلي وتسبب في تهشيم قلبي.

إنها كلمة تحمل في معناها هذه الفكرة الساذجة الذي يحملها المجتمع للمرأة على طبق من فخار محطم، يجرح كل شرايينها، وهي من قبيل “وإنتي تعبتي في إيه؟!”، وغيرها من مثيلاتها التي تحمل ذات المعنى.

 

فأيًّا كان الموقف والسبب الذي يجعل أحدهم يلقي عليكِ بمثل هذا الاتهام، فاجعلوني أسأل أولاً: من تكون حتى تُتَفِّه من دوري ومكانتي؟!

فإذا كنت أمًا.. فتعبي هو أن أجعلك شابًا تكبر، فيكون لك هذا الحق بأن تجلس وتتهمني بأني لم أفعل شيئًا.

وإذا كنت أختًا.. فأنا لك الصديقة التي تحمل همك وألمك ومرضك، وتجعل المنزل برائحة الورد التي لن تجدها في منزل يخلو من أنثى.

وإن كنت ابنة.. فأنا اليد الحنونة التي تضع على صدرك فتنسى جميع همومك، وهي من تفخر بها لحسن تربيتها وحفاظها على شرف المنزل.

وإن كنت زوجة.. فأنا كل شيء.. أنا الحبيبة، أنا الروح والحياة، أنا من يجعل المجتمع يبني أسرة سعيدة ومنزلاً هادئًا وركنًا تركن إليه لتستريح من أعباء الحياة.

وإن كنت زميلة.. فأنا من يصنع العمل بإتقان ويتحمل أعباء أكبر المشاريع، وتحمل فوق عاتقها وتتحمل سخافات ومضايقات من حولها ممن يُنقِصون من قدرها.

 

هل تعلم من أنا؟ أنا كل هؤلاء!

أنا الأم والأخت والمعلمة والصديقة والحبيبة والابنة والرفيقة والزوجة والمُعينة والمعيلة والضحكة والفرحة، والقلب الذي يحمل أعباء هذا العالم بداخله، والساندة لهذا المجتمع.

وبعد كل هذا.. يقر إقرارًا بحق الإهانة لأنها مجرد أنثى!

 

ها أنا وقعت في نفس الفخ.. أصبح مطلوب مني التبرير لكوني أنثى! فأنا هو أنا، وأنت ليس بصاحب الحق لتجعلني شيئًا آخر أو تضعني في قالب مظلم مُصغَّر من تفكيرك السطحي. كفاك عنفًا لفظيًا! كفاك عنفًا فكريًا! كفاك!

أصبحنا نعيش في مجتمع يجعل كل امرأة فيه تمشي مهشمة القلب والعقل، نتاج هذا العنف الفكري تجاهها، وبدلاً من أن تتركونها تنتج، تحولونها لشبح يحاول نفي التهم عنه، فأصبحت كالمتهم في قضية قتل وهي لم ترَ القتيل يومًا.

 

وماذا عن العنف الفكري؟!

 

المقالة السابقةليس كل حزن اكتئاب ولا كل اكتئاب ترف
المقالة القادمةعن الفقد
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا