وراء الحواديت نهايات أخرى غير التي عرفناها

750

بقلم/ آية إبراهيم

يُحكى أن كانت هناك أميرة جميلة تُسمى بياض الثلج، ترتدي فستانًا يليق بأميرة طيبة، كانت تحب الخير والسلام ولم يعرف قلبها طريقًا للشر أبدًا، كانت أحب الأميرات إليَّ في الطفولة، لكن هذا لم يستمر طويلاً.

“أخبركم بسر ولا تخبروا أحدًا.. هذه هي أمنيتي، أمنية بسيطة هي كل ما أريد.. عيشة سعيدة لي، وأحقق أحلامي، أتمنى العيش في سلام”، لمن لا يعرفها فهي كلمات أغنية فيلم الكرتون “سنو وايت والأقزام السبعة”.
غنيتها كما غنتها الأميرة سنووايت وهي تقطف الزهور في الحديقة، والطيور ترددها من ورائها، لكني لم أجد الطيور ترددها ورائي، ولم يأتِ الأمير الذي كان يراقبني بينما أغني كما فعل أمير سنووايت.

لطالما أحببتها منذ طفولتي، تمنيت لو أصبح مثلها وأمتلك فستانًا يشبه فستانها، فهي جميلة تحب الخير وتساعد الجميع دائمًا، حتى من لا تعرفهم، وهذا يشبه ما كانت تنصحني به أمي منذ صغري.
كنتُ أحب الأساطير والحواديت التي ينتصر فيها الخير على الشر في النهاية، الأمير يتزوج محبوبته والأشرار يموتون، أشجار المدينة تُزهر ويعم السلام.

كانت تلك النهايات مُرضية لي كثيرًا في طفولتي، كأي طفلة لا تعرف شيء سوى الخير وأننا سنحيا في سلام ما اخترنا ذلك. لم أفكر يومًا في ماذا سيحدث بعد النهايات السعيدة تلك، ولم أشك في أنه ربما لا تحدث من الأساس. اكتشفت ذلك بعد سنوات ليست ببعيدة، أن الحياة لا تشبه الحواديت تمامًا، وأن النهايات ليست بالضرورة أن تكون سعيدة.

نزعتي الدينية أخبرتني أن الخير ينتصر على الشر لا محالة، لكن ربما ليس هنا في هذه الدنيا. أغفلَت الكثير من الحواديت أن المُحب ليس بالضرورة أن يتزوج محبوبته، وأن الأبطال الحقيقيين ليسوا هم صُلب القصة الذين يعرفهم الجميع، وأن الجميع أبطال في جزء ما في القصة.

لم تكن الحواديت عادلة حينما سخَّرت الظروف كلها للأميرات، حتى أن الطبيعة كانت تخضع لمساعدتهن أحيانًا، كل هذا لا يمنع أنه لا زال لديَّ بعض الامتنان نحو القصص والأساطير رغم يقيني أنها لن تحدث.

لم تساعدني الظروف كلها على تحقيق أحلامي، ولم يظهر الأمير الذي سينقذني من الأشرار بعد، كنت بحاجة إلى وقت لأدرك حقيقة الأمر.. أن الشر سينتصر في بعض الأحيان، وأن قلبي سينكسر عدة مرات، وربما بواسطة من أحب، وأن الحياة ليست عادلة بالقدر الذي يُرضينا، لن تأتي بأحلامنا كلها، وقد تهدينا أحلام غيرنا وتأتي غيرنا بأحلامنا، وأن الخطوة الأولى في السعي دائمًا وأبدًا لا بد أن تنبع من داخلنا.

أدركت أن الحياة ليست مصنعًا لتحقيق الأحلام، وأنها فقط تُعطينا فرصًا وقد تأخذها في أقرب وقت، إذا لم نحسن استخدامها، وأن بعض الفرص هي في الأصل دروس في الحياة وأذكانا من لا ينساها.
رأيت بعض البشر لا يحبون الخير للبعض الآخر، وأحزنني هذا الأمر في بداية نضجي، لكني بعد ذلك تقبلته.

ليس هناك ميت يستيقظ بقبلة حب صادقة، كما ذكرت القصة، ولو كان لما تركنا الأمهات يرحلن. أدركت أن سنووايت لم تكن جديرة بأن تكون أميرة مُطلقًا لأن الأميرات لا يهربن، وثمة مفارقة بين الأميرة الصغيرة التي هربت من الملكة الشريرة وكل فتاة قررت أن تواجه وتخوض الحرب وحدها، لا يهم أن تصل؛ يكفيها شرف المواجهة.

في الحدوتة جاء الأمير ليخلص أميرة الثلج من سحر تفاحة الأمنيات المستحيلة، بينما لم يأتِنا أحد، عندها أدركت أن الحواديت كانت فقط لتسلينا، وأن هناك حياة أخرى تمامًا تنتظرنا، بينما كنا نرسم أحلامنا بحسب تلك الحواديت، وكانت الدروس المستفادة من هذه الحكايات بعدما كبرت هو ألا أسير وراءها وألا أنتظر من ينقذني، وألا أهرب أبدًا، وأن فعل الخير يجب أن يكون بحساب وبحذر، فليس الجميع يستحقون، ولم أعد أريد أن أشبه سنووايت بعد.

تمنيت فقط لو أن الأشرار حولنا يُعرَفون، كما كانت الساحرة الشريرة تُعرف في الحكايات، لأنهم قد يكونوا حولنا مرتدين أثواب الحب والخير، لكننا لن ندرك الحقيقة بسهولة، وهذا صراع آخر.

لم يظهر الأمير الذي سينقذني من الأشرار بعد

المقالة السابقةوصفتي الخاصة للحياة
المقالة القادمةأكتب لأتنفس
كلامنا ألوان
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا