بقلم/ مروة سمير
في ظاهرة فريدة، وباتفاق غير مسبق، توهجت حالة من الشجن والمتعة، من خلال عودة مفاجئة لأدب الرسائل عبر منشورات الفيسبوك، بين الكاتبين المصريين، د. حسن كمال، ود. أسامة علام المُقيم في كندا.
بدأت الحكاية بمعانقة قط عجوز، بدت أنفاسه كغمغمة غير مفهومة للدكتور أسامة المسكون بالسفر والغياب، فأقر أن هذا القط يسكنه روح أحد أحبابه الذين رحلوا.
ليلتقط د. حسن تساؤلاً تفوح رائحته بين السطور كقهوة طازجة، عن جدوى الرحيل وجدوى البقاء.
“أخبر قطك يا صديقي أن قطط الطريق هنا لا تعانقنا ولا نعانقها، وأن الحمام لا يمشي على الأرض بين الناس منتظرًا حفنة حبوب، أو قطع الخبز الجاف الساقط من يد الأطفال، والصغيرات لا يعملن في أماكن مُغلقة مع رجال حتى وإن كانوا في عمر الآباء، أما عما تشعر به فلربما عليَّ أن أهاتفك لأسألك عن أعراض مشابهة تنتاب الكثيرين هنا، ولأخبرك أن القطط في النصف الآخر من العالم لا تعيش بما يكفي لتشيخ” د. حسن كمال.
يغزل د. أسامة كلماته بشاعرية الغربة والحنين، ويرسم د. حسن سطوره بمزيج الواقع والإنسانية في صخب أيامنا، فينطلق السحر كوجهي حياة، ليسا متناقضين ولكن يحمل كل منهما سيناريو مختلفًا للآخر، وكأنه يشاهد ماذا كان ليحدث لو سلك نفس الدرب.
“الحياة يا صديقي تجربة عجيبة، لا يصنع تفرُّدها سوى انعكاسات أعمارنا عليها. نطارد دومًا هدفًا متحركًا، وكلما اصطدناه عاود الانبعاث من جديد كعنقاء الرماد والنار. وفي كل مرة عليك أن تقدم قربانًا من السنين كي تصل إلى هدفك المبتغي” د. أسامة علام.
“الحياة هنا ناموسها الصخب، لا وقت لدينا للإنصات لطنين الروح، بل عليك أن تصارع الجدول المزدحم أملاً في اقتناص بضع دقائق، تتأكد فيها أنك لم تزل قادرًا على الإبداع والتفكير” د. حسن كمال.
تتصاعد عذوبة السطور مع الطفل الذي أضاع أمه، والمدن التي أغوته بحكاياتها، ثم تركته يكتب حكايته وحده، وبين غواية حب البشر والتنقل بين المدن ومراقبة أطفال تبدو أعينهم أكثر اتساعًا من الكرة الأرضية.
حتى يتولد السؤال البديع: لماذا تورطا في الكتابة؟
“لا أعرف كيف جمع بيننا القدر في هذه اللعبة، أن نتبادل نصوصنا هذه كمحاولة للتطهر بالاعتراف، أن يهتم كل مننا بإلقاء فضفضته الشخصية كرسالة في زجاجة عبر المحيط الواسع” د. أسامة علام.
وما بين طرقات مغطاة بالجليد قد تؤذي معصم صاحبها ضاحكًا، وطرقات مليئة بالمطبات والحجارة تُدمي سيقان الأطفال، تتوالى الأسئلة عن الحياة الكريمة التي يلهث الجميع خلفها، داخل أو خارج الوطن، ويتناولا شيخوخة أربعينية يراها كل منهما بمنظوره.
“الشيخوخة يا صديقي هي التخلي. أن لا يصبح هناك من يتذكرك أو تحتاج للاهتمام بأمره. كما تطرحها فكرة الفيلم العبقري كوكو. نُصاب بالشيخوخة عندما تصبح الأمور لدينا سواء. عندما ننظر إلى أنفسنا وكأننا خارج دائرة اهتمام ذواتنا. عندما نفقد الأسى على أنفسنا أو من نحب” د. أسامة علام.
“يشيخ البشر عندما يشعرون أنهم عاجزون عن فعل ما يريدون. يتزامن ذلك عادة مع مرور حزم كبيرة من سنوات العمر، عندما تصبح الأحلام مجرد ذكريات لما كان في النفوس، ولا يبدو المتبقي من ذخيرة الأيام أو طاقة الجسد كافيًا لتنفيذ الرغبات. فتكون الشيخوخة. إنها حكاية ذلك الشاب الذي أحب فحاول وحاول وحاول، فعجز، فهو عاجز وعجوز” د. حسن كمال.
خلقت تلك الرسائل الثرية المتبادلة، حالة من السحر لدى كل متابعيها، وكما يحكي د. حسن فقد تعرف من خلال عمله كطبيب على فتاتين بدأتا بتقليد رسائلهما، قبل أن ينتهجا أسلوبهما الخاص، وتجرفهما غواية الأدب الفاتنة، وربما هذه هي الإجابة الكبرى عن جدوى التورط في الكتابة.
“لقد فعلنا شيئًا بالتأكيد، وللكتابة جدوى في نفوس وعقول بعض البشر” د. حسن كمال.
ما زالت الرسائل تتوالى وتُزهر حتى لحظة كتابة هذه السطور، وما بين قلم يتوهج بالحنين، وقلم مفعم بهموم البشر، كل ما علينا هو الاستمتاع بتلك الدفقة الأدبية الرائعة، التي كللّها صدق الإحساس وقوة العاطفة، وتلقائية كل ما هو مفاجئ وحميمي في حياتنا. فيبدو أن هذا هو كلمة السر لتلك الرسائل المُدهشة.
عودة مفاجئة لأدب الرسائل بين الكاتبين د. حسن كمال ود. أسامة علام