بقلم/ رانيا حجاج
حياة النساء مع الرجال تشكّل لغزًا متعبًا لكلا الطرفين. ففي الغالب لا يجد الطرف الأول ما يريده لدى الطرف الثاني، والعكس بالعكس، إلا في حالات نسبية، وأنا هنا أتحدث عن التوافق التام.
لماذا هما مختلفان؟ هما مختلفان ليكتملا في النهاية، ولكن الاكتمال يبقى ناقصًا للكثير، مما يسبب ما يسمى بالفجوة في العلاقة بينهما. فلا يقوم الرجل بواجباته من تحمل مسؤولية، ومراعاة لمشاعر زوجته على أقل تقدير، ورعاية أطفاله الذين في الغالب تتحملهم المرأة على عاتقها بجانب متطلبات المنزل، وربما أيضًا متطلبات العمل.
وذلك إن كانت لا تعمل بالخارج، تجلس بالمنزل بدون فعل شيء، ولديها وقت فراغ كبير لا تعرف كيف وماذا تفعل به، فعمل المنزل بسيط وغير متعب، ومشاغل الأطفال لا تكلفها أدنى مجهود.. هكذا يقنعون أنفسهم ويجبرونها على أن تقتنع أيضًا.
فإن حاولت المرأة الدفاع عن وقتها المقسم بين واجباتها كزوجة وأم وخادمة وموظفة -إن كانت تعمل- باحثة عن القليل من الوقت لنفسها. يقف الجميع ضدها من الزوج حتى الأبناء، الذين يتحولون إلى أعداء. وإن أردات مثلًا الذهاب إلى أي مكان بكوا (وشغلوا السارينة)، فيكمل الزوج الخدمة بأن يأمرها بالبقاء في المنزل وعدم الخروج. وغيرها من الأفعال التي تفرض نفسها على المرأة، حتى كادت تشعر بأنها تغرق، ولا تستطيع التنفس، متمنية أن تعود بالزمن إلى الخلف لتقتل ذاتها القديمة التي تمنت الزواج يومًا.
بالرغم من أن المرأة معطاءة بطبيعتها، لكنها تحتاج إلى التقدير، وبعض الكلمات العاطفية التي تداعب مشاعرها المرهقة. ولكن للأسف، عندما يسمع الكثيرون هذه المطالب البسيطة يتهمونها بأنها رومانسية زيادة عن اللزوم، تريد رجلًا متفرغًا لها، يجلس بجوارها يعزف لها من لحن الحب ألوانًا وكلمات. ونسوا أنها قد ترضى بكلمة بسيطة كــ”وحشتنيني”، أو ضمة صغيرة لتزيح عنها عذاب اليوم كله، لتنام وعلى وجهها ابتسامة رضا.
المرأة بطبيعة الحال لها أعداء كثر.. لحظة.. أقصد كل من حولها أعداء لها، مجتمعها.. جيرانها.. أهلها.. أهل زوجها.. زوجها.. أبناؤها. فكل ما تفعله المرأة خاطئ وعيب، وكل ما يفعله الرجل.. امممم.. لا أدري. هل هناك كلمة تصف ما يفعله الرجل من خطأ وعيب؟ لا أعتقد.
فالنساء بالنسبة إلى الرجل ناقصات عقل ودين، يعني مجانين.. إن كن كذلك.
لماذا تزوجتها ورضيت بأن تكون أم أطفالك مجنونة؟!
لماذا تذهب لاستشارة والدتك إن كانت لا تفهم؟!
ما يثير تعجبي هو أن الرجل يكاد لا يشعر بالمرأة، فأصبحت المرأة تتسول كلماته وحتى عواطفه، التي يخاف عليها أن يصيبها الإرهاق من الحب. مسكينة أيتها المرأة، لن أخفي عليكم أن هناك نساء تستحيل عشرتهن، ولكن من جهة أخرى هناك رجال تستحيل الحياة معهم.
إذن نحن متساوون من حيث الحسن والسيئ، ولكني هنا أتحدث عن الحسن الذي لا يقدّره الرجال، فإن كانت صبورة معه وتحمّلته، فهذا لأنه قوي وهي ضعيفة، أو لأنها تخشى الطلاق. ألم تفكر يومًا أنها بصبرها هذا ليست ضعيفة، بل قوية لأنها استطاعت السيطرة على مشاعرها دون أن تنفجر، في حين أن أقل شيء يثير غضبك واستياءك؟! ألم تفكر أنها ربما تخشى الطلاق، ليس لشيء غير أنها ترغب بأن يتذوق أطفالها طعم الاستقرار الأسري، كي لا يكونوا عالة على المجتمع، أو يصبحوا صورة منك أو منها؟!
هناك سؤال يثير حيرتي، لماذا يستمع بعض الرجال لأمهاتهم وأخواتهم عندما يملأن رأسه بالخبث والسوء ضد زوجته وأولاده، أو عندما يدافعن عن أنفسهن من مكرٍ ألصقنه بها، ويكاد يجزم بأن كل كلمة صحيحة، بينما لا يحاول الاستماع لزوجته المسكينة إن دافعت عن نفسها، وإن كان يعلم جيدًا في بعض الأحيان أنها بريئة.
لماذا يضع الرجل خطًا أحمر فيما يخص عائلته، بينما يشعل الضوء الأخضر على زوجته وأهلها، وكأن زوجته لا تمت إليه بصلة، وليست عضوًا من أعضاء عائلته. ألأنها ليست من دمك وهي غريبة عن العائلة؟! لماذا إذن اخترت أن تنشئ عائلتك معها إن كانت غريبة وبلا قيمة؟! أم أنك تحقق المثل القائل “أنا وابن عمي على الغريب”.. ولكن بمعنى “أنا وأهلي على مراتي”.
حياة المرأة والرجل كما يعلم الجميع تنقسم إلى قسمين، الأول في بيت الأهل، والآخر في بيت الزوجية، أي أنهما متساويان. ويعني أن الرجل يمتلك عائلتين، أهلك وزوجتك، وكرامة الأول من الثاني والعكس. أتمنى أن تفهم.
أستعجب.. لماذا لا يتعامل الرجل مع المرأة على أنها إنسان مثله، لها الحق أن تعيش وتضحك وتشعر بكل المشاعر التي خلقت لتشعر بها؟! ألأنها خلقت من ضلع أعوج كما يقول البعض؟ إذن هي عوجاء، أي بها عيب بالتصنيع. ألم تفهم أن الإله خلقها هكذا لحكمة؟ أم أننا نحب أن نتفلسف كالعادة حول كل شيء، بدون أن نتعلم ونعرف ونقرأ.
سيقول الكثيرون بأن القليل من الرجال هم من ذكرت، وبأن الكثير منهم جيدون. ربما أوافقك الرأي في وجود هذه الأنواع التي أتحدث عنها، لكن قلّتهم أو كثرتهم تعتمد على من يتعايش مع هذه الأنواع، أما بالنسبة إلى الجيدين، فبعض من أولئك الجيدين إن اهتموا بجانب أهملوا الآخر، بينما يطالبون بأن تكون المرأة كاملة. ولكني أرى أن من هم جيدين بحق نادرون، ولذلك وجب التحية لكل رجل يمتلك من العقل ما يعرف استخدامه. ويمتلك من الرحمة والحب ما يستطيع به إسعاد الآخرين. ويمتلك من المسؤولية ما تجعله يستحق لقب رجل. وفي الأخير إن كنت تحنو على أطفالك لأنهم جزءٌ منك، فالمرأة أيضًا جزءٌ منك (من ضلعك) يستحق أن تحنو عليه وتهتم به.