في البداية سوف يخيل إليك أنهن يستمتعن بالحياة هكذا، بوسي وأميرة وهند وأمهن رضا.
عملهن الأساسي هو الرقص، تأتيهن الجدة المصلية الحاجة لبيت الله بالبدلات العارية رخيصة الثمن، تصلي الفجر ثم تستقبلهن في بيتها ليخترن بدلات الرقص المناسبة. الكثير من المكياج الرخيص، موبايلات تكاد تكون صدئة، باروكات للشعر تستطيع تمييز رداءتها دون صعوبة، والكثير جدًا من الصخب.
هند تركت لأمها المنزل وذهبت لتعيش مع أبيها، تقول إن أمها تهينها بسبب علاقتها بعلاء، تسبها الأم بأقذع الألفاظ فتترك لها هند المنزل لتعيش مع أبيها وزوجته.
تقول هند إنها تحب علاء لأنه يخاف عليها، يتصل بها يوميًا ويوصلها إذا أنهت عملها ولم تجد من يوصلها فجرًا، تقول أيضًا إنها لن تتزوجه لأنها تعرف أنه متزوج، وأنه “حرام أخرب بيته.. هو ف الآخر ليها مش ليّ.. هيتجوزني سنة ولا اتنين ولما يطولني هيقولي مع السلامة”.
بوسي وأميرة يعشن مع رضا الأم ذات العيون الخضراء والبطن المنتفخ بحمل جديد من زوجها المتوفى حديثًا، زكريا الذي ترك لها عبير وبكار وجنينًا في بطنها، والكثير من البكاء عليه والقسم أنها سوف تظل تحبه إلى أن تذهب له.
سوف يخيل لك أنهن يستمتعن بالحياة، بيت به الكثير من النسوة رأس مالهن الوحيد هو بطونهن العارية، يكسبن الكثير ولا يعبأن بنظرة أحد، يعشن بحرية تقترب من حرية الكائنات الطليقة في الغابة.
سرعان ما تكتشف أن متعهدي الحفلات من حقهم الدخول لحجرة نوم بوسي وهي ممدة، ترى أحدهم يلقي لها ربعمائة جنيه عربون على الفراش، في مشهد مقبض، تكتشف أن أميرة عندما تتخلف عن حضور أحد الأفراح لا يكفي رد العربون لإنهاء الموقف، بل لا بد لأمها أن تكذب وتلفق الكثير من الأحداث عن حالة أميرة حتى يسامحها المتعهد ولا يؤذيها، تروي أمها كل هذه الكذبات للمتعهد بينما أميرة ممدة نائمة على الأرض، بطنها مكشوفة وشعرها مشعث.
سرعان ما تكتشف أن هند ذات الستة عشر عامًا، سوف تتزوج حازم الذي دفع لها الكفالة كي تخرج من الحبس، بعد القبض عليها لعملها راقصة دون السن القانونية، لأن أبيها رفض أن يوكّل محاميًا، متحججًا بأنه لا يمتلك المال الكافي.
سرعان ما تكتشف رغبة أميرة في أن تتزوج، سواء من محمود الأسود الذي يهددها أنها ما إذا سافرت الإسكندرية لن يكلمها مرة أخرى، أو من أبو ليلة الذي يطلب الزواج منها وهي لا تعرف ما إذا كان جديًا أم لا.
سوف يخيل لك أن رضا امرأة حديدية، تسيّر شؤون ثلاث راقصات، وتحل المشكلات مع متعهدي الحفلات، وتدرب ابنتها عبير الطفلة أصول الرقص حتى تلحق بأخواتها بعد قليل، ثم تكتشف أنها “أغلب من الغلب”، عندما تبكي وهي عند الطبيب ويسألها “فيه حاجة مضايقاكي؟” .
سوف يخيل لك أنهن خاطئات، مدنسات، ليس لهن حاكم، ثم سرعان ما تكتشف أنهن يحسسن بوجع النهش عميقًا وراء كل تلك الأصباغ الرخيصة وبدلات الرقص العارية.
“في الليل يرقصن” فيلم تسجيلي يحكي قصة عائلة تتقوت من لحمها العاري، ليس لديهن مصدر دخل سوى الصدور العارية، وكل هؤلاء الرجال الذين يحيطون بهن في كل وقت هم مجرد قطع ديكور تكمل المشهد.
قبل أن تسب رضا وبناتها، فكّر قليلًا، انظر إلى عبير أصغر بنات رضا وفكر بموضوعية، كيف يمكن لها أن تكون أي شيء آخر سوى “رقاصة”؟
“في الليل يرقصن” يقحمك في عالم الراقصات عنوة، يصفعك بواقع قاسٍ كنت تحسبه أنت مجرد حجة لسيدات لا يردن العفة ويستمتعن بالدنس.
لا أعتقد أن رضا تريد لبناتها “البهدلة”، هي تعرف جيدًا أن الراقصة محكوم عليها بالأشغال الشاقة المؤبدة في الحياة، لا تضمن خروجهن بعد الأفراح في الفجر، تتمنى لو يتزوجن زيجات مستقرة، أعتقد أن رضا تحب النظافة، ولكنها لا تمتلك
ثمن المنظفات التي يجب عليها أن تستخدمها لتطهير حياتها.
“في الليل يرقصن” فيلم تسجيلي لا يحكي عن مشاهير الرقص، فقط يسحبك من يدك كي يريك عالم راقصات “تحت السلم”، اللاتي يرقصن فقط ليعشن في منزل بلا أثاث تقريبًا، ويمسكن الرخيص جدًا من الهواتف.. ويكرهن الحياة.
“في الليل يرقصن” ساعة وعشرون دقيقة من الوجع، والكثير من لعن الظروف، والتسليم تمامًا بلعنات الوضع الاجتماعي وضرورات الحياة، والإيمان بالطبقية.
” في الليل يرقصن” تشاهدونه على الرابط التالي:
https://www.youtube.com/watch?v=K5gSMLcUJWc
هذه الأفكار وأكثر يناقشها مسلسل “أبيض غامق”، يمكنكم متابعته حصريًا على نون من هنا: (اللينك)