قائمة الأمنيات المستحيلة

1628

 

بقلم/ ياسمين يحيى

 

كعادتي عندما تشتد أزماتي وينقض الظلام ليملؤني ويجعلني في مواجهة سافرة مع كل مخاوفي وإخفاقاتي، أهرب إلى بُعد آخر بأحداث أخرى، إلى ماضٍ أعيد صياغة أحداثه لتصير كما كنت أريدها، وأكمل بها إلى تلك اللحظة الراهنة، فأصبح أنا أخرى، أنا أتمناها وأريدها، “أنا” التي لم تهزمها الهزائم وتذلها الانكسارات، ولكن اليوم قررت أن أذهب إلى بُعد جديد، أهابه ولا أعلم لماذا، هل ذلك ما طبعتني به خيبات الأمل المتكررة، أم هو فطرتي الأصلية؟

 

سأذهب إليّ في المستقبل، إلى شيء أثق بانتمائه لي. سأوجِّه كلماتي التالية لنفسي علِّي أتعلمها جيدًا.

 

لا أعلم تحديدًا ماذا أخبرك، هل أخبرك ما قالوه لي عن جمال الحياة ووجود العدل وعن الأمل والانتصارات، ثم ألتزم الصمت وأفعل بكِ ما فُعِل بي؟ هل أخبرك أن في النهاية يوجد انتصار وأن كل شيء سيصبح أفضل؟ أم أخبرك الحقيقة بأنه لا يوجد ما يسمى بالنهاية، فما يحدث لا ينتهي أبدًا مهما توهَّمنا نحن النسيان أو الانتهاء يظل دائمًا موجودًا.

 

سأحدثك بما مررت به وعلمته بمفردي، لا ما سمعته وأُخبرت به.

في البداية قرأت وشاهدت ومررت بالقليل، فاعتقدت أني علمتُ وأني قوية وأني أستطيع عبور أي شيء، فنظرت إلى الحياة وأحداثها من الأعلى، وسخرت من بعضها، وأبديت آرائي بمنتهى الثقة. أذكر سخريتي عندما رأيت الحديث عن الخذلان والأصدقاء والحياة،

فلقد كثر تكراره إلى حد الابتذال، فإذا فعلتِ أنتِ أيضًا ذلك لا تحكمي على نفسك بالعمق والحكمة أو تذهبي في الاتجاه الآخر وتعتقدين أنك متبلدة المشاعر. أنتِ فقط غير مدركة.

 

لا أعرف هل أتمنى لكِ الإدراك أم لا، فهو مثل آلام النمو، صعب ومؤلم، تصابين أثناء حدوثه بالهلع ولا تعين ما يحدث لكِ، ويتغير بعده شكل كل شيء، ولكن الفارق أن آلام النمو تحدث مرة بالعمر، ولكن آلام الإدراك هي العمر ذاته. ستظنين أنها انتهت، ولكنها ستفاجئك دائمًا بشكلها الجديد.

 

فها أنا ذا أحدثك من قلب أحد تلك الآلام، لن أنكر سابق معرفتي النظرية بها، فجلست وقسمت العالم إلى قسمين: أنا وهم.

 

أنا حكيمة وأعرف وأفهم وأوجد من أجل هم. وهم تمر بهم تلك الأحداث الصعبة وهذه الآلام وتفعل ما تفعله بهم الحياة، ولكن سأكون أنا هنا لأحدثهم بكل الحكمة عن القوة والجمال والصبر، وسأعرفهم على الطريقة السليمة للتصرف، فهذه أنا وهذا هو دوري.

 

ولكن الحقيقة أن أنا من مرت بي الأحداث، ولكني رفضت التصديق، وأنكرت أن أكون أنا مثل هم، أنكرت كل شيء قرأته يومًا عن مراحل الحزن الخمسة، عن الهزيمة، عن الشعور بالضعف والخذلان، استنكرت أن أكون أنا أيًّا من ذلك وأردت أن أقفز لمرحلة التقبل وأن أستخلص الدرس المستفاد، لتظل معادلة أنا وهم في نصابها الصحيح.

 

ولكن بعد مرورك الحقيقي بالأزمة، ما سيوجد هو المرارة والحزن، وسيوجدان دائمًا في خلفية كل شيء، وإذا كانت تلك هزيمتك الأولى فستعتقدين أنكِ قد نضجتِ، وسترين في نفسك حكمة لا وجود لها، ولكن الحقيقة أن الهزيمة الأولى ما هي إلا تعريف لكِ بوجود الهزائم، وأول لقاء لكِ بالعالم الحقيقي.

 

وآسفة أنا عند قولي لكِ إنها لن تكون الوحيدة، ولكن سيتوجب عليكِ الكثير وستدركين أن الحكمة والنضج اللذين اعتقدتِ بوجودهما ما هما إلا هراء، ولكنك ستتمسكين بمعادلة “أنا وهم”. ستختلقين لها فلسفة جديدة وأدوارًا أخرى، ولكنها ستظل دائمًا موجودة، فلا أحد إلا ويوجد لديه تلك المعادلة.

 

وستظل الحياة هكذا إلى أن تتخلصي من خجلك، من أن تعطي الأشياء اسمها الحقيقي، فالهزيمة هزيمة وليست شيئًا آخر، وكذلك الإهانة والخوف والندم والعجز، وسأظل أنا أتمنى ألا يحدث لكِ هذا، وستظل لديَّ قائمة الأمنيات المستحيلة بألا تمر بكِ أحداث الحياة، وألا تقعين يومًا في الظلام وحيدة، وألا تعرفي خذلانًا، وألا تهزمك الهزائم، وأن أستطيع مع الخيبات المرور إلى روحك.

 

لا أستطيع أن أخبرك كيف ستعيد تشكيلك الحياة، ولا أملك الحكمة لذلك، ولكن كوني على علم بأني دائمًا سأكون هنا بقائمة الأمنيات المستحيلة، وأنا أحاول تحقيقها.

 

بعد مرورك بالأزمة ما سيوجد هو المرارة والحزن

 

المقالة السابقةفي مديح أخطائنا
المقالة القادمةرسالة إلى شمس
كلامنا ألوان
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا