أتابع هذه الأيام باهتمام بالغ المسلسل اللبناني المصري المشترك “سمرا”، يتعرض المسلسل لقضية المهمشين مكتومي القيد من خلال تناول حياة غجر لبنان، الذين يعيشون في ظروف غير آدمية تجعل حياتهم فوضى معيشية وأخلاقية، يأكلهم الفقر والمرض من ناحية، والجهل من ناحية أخرى، فهم لا يمتلكون أوراقًا ثبوتية تمكنهم من العمل والعلاج والتعلم.
في الوقت الذي انجذب كل من شاهد العمل لقصة الحب الرومانسية التي جمعت ما بين الغجرية راقصة الشارع “سمرا/ نادين نجيم”، والطبيب المصري عضو منظمة أطباء بلا حدود “تامر/ أحمد فهمي”، كان انجذابي لشخصية وحكاية أخرى في المسلسل، شخصية “نجم/ أليكو داوود”. لم تستهوِني تلك القصة الرومانسية التي تتحدى المستحيل، لأنها ببساطة قائمة على خيانة امرأة أخرى، الأمر الذي يبدو أنه أصبح نهجًا تنتهجه الدراما العربية وكأنها تريد أن تحوّل فعل الخيانة الذي تعافه النفس البشرية لأمرٍ اعتيادي له مبرراته، وفي هذه القصة كان مرض الزوجة النفسي مبررًا كافيًا من وجهة نظر صناع المسلسل للخيانة الزوجية، الأمر الذي يمنحني أسبابًا أخرى لرفض هذا الحب، وعدم التعاطف مع حكاية “سمرا” و”تامر” على الإطلاق.
لماذا “نجم”؟ لأن نجم أجبرني على تحمل حكاية أرفضها حتى أشاهده وأتعلم من إنسانيته، لأنه بالفعل نجمٌ ارتقى وعلا بنفسه عن مجتمع الغجر بكل ما فيه من سلبيات، لأنه ليس “سيف” المأخوذ بفتنة “سمرا” حد الأنانية وحب التملك، ليس والدها قاتل أمها والساعي لقتلها بدعوى الشرف، ليس “ريم” المستسلمة لمن يتاجرون بجسدها، ليس “وائل” الذي يبرر عجزه وجبنه بكونه لقيطًا، وأخيرًا ليس “ليث” كتلة الشر الخام التي تتحرك على قدمين.
هؤلاء و”نجم” ضحايا، ضحايا الجهل والفقر والتهميش، لكن الفرق بينهم وبينه أنهم اختاروا الانغماس في وحل حياتهم الصعبة، بينما هو فضّل الارتقاء، فكان الأمان والسند لكل من أراد سندًا وصديقًا. “نجم” الذي تظلمه الحياة فينتصف لغيره، تخذله فيناصر غيره، تضن عليه بالعطاء فيعطي بلا حساب. لذا لا عجب أن تسمع على لسان عدد من الشخصيات “نجم.. أنت بيّ وخيّ وصديقي” وهو كذلك بالفعل. حتى عندما وقع في الحب كان راقيًا متفانيًا، لا يريد إلا أن تكون حبيبته بخير وسعيدة حتى وهو يعرف أنها تحب غيره حبًا جنونيًا، جمال “نجم” في الحب يجعلني آخذ قصته على محمل الجد، فأجدني دون أن أشعر أدعو له من كل قلبي أن يحدث المستحيل وتبادله حبيبته الحب، لأنه يستحق كل الحب.
من مشاهد المسلسل التي حُفرت في ذاكرتي وقلبي، مشهد يجمع ما بين “نجم” و”ريم” وقد جلسا على أطراف المخيم ليلاً يتأملان البيوت المضاءة. تلك الجلسة التي اعتاد “نجم” أن يجلسها مع “سمرا” فيختار كل واحد منهما بيتًا ويبدأ في تخيل حياته داخل هذا البيت وهو محاط بالعائلة والحب والدفء، فكان هذا الخيال وقودهما ليستكملا الحياة في بؤس بيوت الصفيح التي تعج بالبؤس والحزن. بالعودة لجلسة “نجم” و”ريم”، يخبر “نجم” “ريم” بأنه لو كان يعيش حياةً طبيعية بظروفٍ طبيعية، لاختار لنفسه أن يكون كاتبًا، يكتب القصص والحكايات، تتعجب منه “ريم” ومن طريقة تفكيره، فيرد على تعجبها بهذه الكلمات: “خيالي.. أنا عايش بخيالي يا ريم، مش طبيعي، عنجد مش طبيعي، أيام كتير بشوف شغلة صغيرة، شغلة بعيدة، يمكن نقطة ضو، يمكن سيارة مارقة، فجأة خيالي بياخدني لهونيك، وبتبلش القصة من الأول للآخر، يمكن قد ما بكره حياتي الحقيقة عم بعيش حياة كاذبة”.
في هذا المشهد شعرت أني توحدت مع “نجم” تمامًا، لمستني كلماته فقمت بمشاهدة المشهد عدة مرات، ثم قمت بكتابة كلماته في ورقة حتى تظل معي دومًا. أنا أعيش بخيالي أيضًا، بالتأكيد ليست حياتي في صعوبة ومرارة حياة الغجر، لكن بها من الصعاب ما يجعلني أتخذ من خيالي مهربًا بدوري. خيالك يا “نجم” ليس حياة كاذبة، خيالك حياة أخرى ووقود لمجابهة مرارة الواقع، خيالك هو الطاقة التي تساعدك لترتقي وتعلو، لتكون نجمًا يسمو فوق وحل حياتك الصعبة.
لأن الإنسانية تجعل من البعض نجومًا، كان “نجم” هو ما جذبني لمشاهدة مسلسل “سمرا”، في الوقت الذي شاهد الجميع المسلسل لأجل حكاية الحب الرومانسية. لأن الإنسانية أولاً، كان “نجم” عندي أولاً، وله مني كل الحب والتحية وللممثل الرائع “أليكو داوود” أهدي هذا المقال.