غربة ولا فسحة؟

559

 

بقلم: سارة حلمي

متغربة! طول عمري لما أسمع الكلمة دي، بحس بإحساس معاناة لا إرادي! بعيدا عن كل حاجة حلوة عيلة وأهل وصحاب وذكريات، فراق، حزن، مجهول، لحد ما أنا كمان اتجوزت واتغربت!

وضع جديد وغريب عليا، أنا اللي كان بيبقى يوم عيد لما ماما توافق إني أبات عند خالتو، هسافر وأبعد صحيح لبلد عربي بس قارة تانية! من أول ثانية فكرت فيها إني هسافر والأحاسيس دي ما فارقتنيش.. يا خوفي.

سافرت وأنا حاطة إيدي على قلبي، خايفة من المجهول اللي بييجي في بالي لما بسمع عن الغربة.. وروحت هناك، الوضع ماكانش أسهل حاجة ولا كان أصعب حاجة بردو، الحمد لله عندي البيت بتاعي الصغير.. فرش بسيط بس مريح وألوان جميلة، مستلزمات الحياة الأساسية: طقم كوبايات، طقم أطباق، طقم معالق، طقم حلل، ما هو إحنا فردين واحتمالية إن حد يجيلنا مش كبيرة، كل حاجة على أدنا إحنا الاتنين بس.

الفترة الأولانية ماكانتش سهلة عليا، بلد غريبة، ناس غريبة، عملة غريبة، شوارع غريبة، لغة غريبة، لولا الآذان كنت شكيت إننا في بلد عربي أساسا، معظمهم هنود بيتكلموا لغة الـ”عرهنديليزي” تاتش عربي على تاتش هندي وبيختموا بالإنجليزي يعني حاجة عظيمة، كنت فاكرة إن الإنجليزي هينقذني بس للأسف باءت محاولاتي لفهمهم بالفشل.

أنا عاوزة أرجع! عياط وانهيارات اكتئاب ووحدة أو بمعنى آخر توحد بين الحيطان الأربعة اللي قاعدة في وشهم ليل نهار، وأنا مش متعودة على كده.. وفكرة الخروج لوحدي تطلع في دماغي، ولما آجي أفكر أنزل، ألاقي نفسي بتراجع لا إراديا.. طيب وبعدين، هفضل كده؟

اكتشفت بعد فترة من الاكتئاب إن حالتي النفسية السيئة مش هتغير حاجة، لكن أنا ممكن أعمل حاجة تغير حالتي النفسية، إيه هي؟ أحاول أغير طريقة تفكيري للموضوع تماما، أولا أنا مش متغربة! انا في رحلة لبلد جديدة وبكتشفها، وبشوف ناس جديدة، وهتعلم لهجة جديدة، وهزور أماكن مختلفة، وهتعرف على ناس وصحاب من جنسيات تانية، ماكنتش أتخيل إني في يوم هتعرف عليهم ودي حاجة جميلة.

مش هستسلم لأصوات المكتئبين اللي بيقولوا محدش بيحس بطعم العيد ولا رمضان ولا أي مناسبة إلا في مصر وسط الأهل، طيب وبالنسبة للي ظروفه ما سمحتلوش؟ إيه؟ ندفن روحنا؟ لا ده فيه رمضان وعيد وشم نسيم، ومن أصغر لأكبر مناسبة هحتفل واستمتع بيها، جبت زينة رمضان والفانوس والياميش وصليت التراويح وحسيت برمضان زي ما أكون في مصر.

صحيح مختلف عن كل سنه بس كان جميل، والعيد نزلت قبله واشتريت طقم العيد، وصليت العيد وسمعت أغنيه صفاء أبو السعود علي كل القنوات خمستلاف مرة، وخدت العيدية وماخلتش نفسي في حاجة وكان عيد جميل، حتى شم النسيم مانسيتوش، رنجة وفسيخ وبيض ملون والدنيا ربيع والجو كان نار بس عادي ولا هامني.

أنا عارفة إن وجود أهلك وصحابك مايتعوضش بس لو ظروفك حكمت عليكي تكوني بعيدة عنهم، اوعي تضيعي عمرك وانتي بتتحسري إنك مش معاهم ومش محسسة نفسك بطعم حاجة، كده كده الأيام بتعدي واليوم اللي راح مش هيرجع، ولا هيفيدهم بحاجة حزنك ولا هيفيدك.

في الفرح، افرحي وانتي بعيد معلش والإنترنت سهل كل حاجة، وفي الحزن حاولي على قد ماتقدري تكوني موجودة، لكن ماتضغطيش على نفسك لو ماقدرتيش، مين فينا ماعندوش ظروف؟ فالأحسن إنك تلاحقي على كل يوم وكل مناسبة، وتحاولي تتبسطي به على قد ما تقدري، حبي المكان اللي انتي فيه، الناس اللي معاكي، الحاجة اللي بتعمليها، هتلاقي الدنيا احلوت، لأن السعادة دي حاجة بتيجي من جواكي.. انتي اللي بتخلقيها لما بترضي عن اللي انتي فيه وتتقبليه وتحاولي تستمتعي بيه..

ماتقوليش على نفسك متغربة، الكلمة كفيلة تجيب اكتئاب، قولي على نفسك في رحلة في فسحة وماتعيشيش نفسك في الوهم، واعرفي إن فيه ناس في غربة نفسية وهما وسط أهلهم وأصحابهم فصدقيني مش بالمكان، واعرفي إن سعادتك مسئوليتك انتي مش حد تاني، ففكري كويس وشوفي نظرتك للطريق اللي ناوية تكملي فيه حياتك.. إذا كان غربة ولا فسحة؟

 

 

 

 

المقالة السابقةلماذا تحتاج الأرواح الحساسة للطقوس؟
المقالة القادمةلماذا تحتاج الأرواح الحساسة للطقوس؟
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا