بقلم/ رضوى سمير
الشعور بالوحدة رغم وجود الناس
يتساقط البشر في الخريف تمامًا كأوراق الشجر، كل خريف تسقط ورقة حتى تبقى شجرة حياتك في نهاية العمر بلا أوراق، فتقضي أيامك الأخيرة وحدك.
تنسى جدتي على الدوام من نحن ومن أين أيتنا وأين أهلها وعائلتها التي ألفتها، فأقص عليها حكايتها، والتي تنتهي في كل مرة بموت جدي، آخر ورقة ألفتها في شجرة عمرها وأنها أصبحت وحيدة الآن بيننا. ولا أعلم إن كان يحزنني حالها أم يحزنني أني سأكون مثلها يومًا ما، فأحاول أن أكون الرفق الذي لم يمنحها الزمن إياه.
أخذتني هذه الأفكار إلى التفكير في معنى الوحدة.. ما معنى أن تكون وحيدًا؟ متى تشعر بالوحدة؟ ولماذا؟ وإذا كانت تعني أن يكون الإنسان بلا بشر لماذا إذًا قد نشعر بالوحدة ونحن بين عديد من الناس؟ هل الوحدة شيء قاسٍ وسيئ بالفعل أم يمكن أن يكون لها جوانب جيدة؟
قادني هذا إلى سؤال العديد من الأصدقاء عن معنى الوحدة بالنسبة إليهم..
العلاقة بين الشعور بالوحدة والاكتئاب
قالت الأولى إن الوحدة شعور نابع من داخل الإنسان، فهناك بالفعل أناس كثر اختاروا أن ينعزلوا عن البشر ولن تجدهم أبدًا يشكون الوحدة أو العذاب أو أي شكل من أشكال الحزن، هم مكتفون تمامًا بأنفسهم وبعملهم والأشياء التي يستمتعون بها، ولا حاجة لهم إلى البشر.
صديقتي الثانية أخبرتني أنها تعد نفسها دائمًا لاستقبال الوحدة في خريف العمر، وعندما يرحل الجميع فكل ما يهمها لحظتها أن تكون صحيحة معافاة تستطيع أداء كل مهامها اليومية بنفسها، دون الحاجة لأحد، فأكثر ما يخيف في الوحدة هو أن تحتاج لأناس لا يحتاجون إليك، بل مضطرون أن يكونوا بجانبك.
أما صديقي الثالث وهو شخص اختار الوحدة صديقًا أبديًا لرحلة حياته، يعشق وحدته ويرى في صحبة الناس ثقلاً يحمله على كتفيه أحيانًا، ينعزل عن الناس في منزله دون الرد على الهاتف أو رؤية أحد لأيام وأسابيع.
قال لي إن الوحدة في المطلق ليست شيئًا يمكن أن يُصنَّف كجيد أو سيئ، بل هي نتاج ما مضى عليك من مواقف واختبارات.. هنا ستختار وفق المعطيات التي قد رأيت، إن كنت وسط صحبة أليفة تعطر فقاعتك بالدفء، فلمَ ستختار الوحدة رفيقًا؟! إن كنت قد اختبرت قسوة الحياة منذ بداياتك وحيدًا فسترتبك دومًا حين يخبرك أحدهم أنه بجانبك وقت المواجهة.
قرار الوحدة هو اختيار، ولكنه يستلزم أمرين لا غنى عنهما، المعرفة والشجاعة.. أن تعلم جيدًا تبعات قرارك، وتعلم أن لن يتحملها سواك، وأن بعد مرحلة معينة من الطريق لن يمكنك العودة وتغيير الاختيار.
أما عني، فظللت تائهة بين تعريف أصدقائي للوحدة ونظرة جدتي التائهة، الوحدة ربما تكون شيئًا جيدًا إذا اخترتها بنفسك لنفسك، ستشعر بالندم أحيانًا حين تحتاج أحدًا بجانبك، ولكن في النهاية نحن نُفضِّل اختياراتنا، ولكن حين تُفرض عليك الوحدة فهو أمر لا زلت أراه قاسيًا جدًا، خصوصًا على الأجيال السابقة لنا، نشؤوا في بيئة تمتلئ بالناس والجيران والمودة والتواصل وصلة الرحم، وحياة مزدحمة بالبشر والعلاقات، فكيف تريد منهم فجأة أن يعتادوا على وحدة لم يألفوها ولم تكن جزءًا من حياتهم يومًا؟!
كيفية التغلب على الشعور بالوحدة
أما عن الوحدة بوجه عام فأرى أنها شعور قاسٍ بالفطرة، ألا تجد أشخاصًا حولك لتشاركهم أخبارك وحكاياتك، فتضطر أن تصمت لفترات طويلة، عادة تنتهي بأن تتحدث لذاتك في المرآة. ألا تجد من يربت على كتفك ويحتضنك حينما تقسو عليك الحياة أو يعد لك صحنًا من الشوربة حينما يصيبك البرد. الوحدة هي شعور قاسٍ ينتج قسوة وبرودة في القلب.
تقول سارة درويش:
لأجل الصلابة اللازمة للوقوف دون الحاجة إلى الآخر نفقد الكثير من حناننا
وهو ملخص الوحدة بالنسبة لي، أن تظل واقفًا بمفردك في وجه كل العواصف والأحداث والاضطرابات، حتى تفقد أهم معنى في حياتك، هو أن تكون “حنونًا”.
ربما تكون الوحدة في خريف العمر قدرًا، ولكن إن قُدِّر لك أن تختار فأرجو ألا تختارها.
هل الوحدة شيء قاسٍ وسيئ بالفعل أم يمكن أن يكون لها جوانب جيدة؟