عن الاكتئاب والثقوب السوداء والحزن غير الأنيق

551

 

بقلم/ دعاء عبد الباقي

 

“الدمنتور، الجمع: دمنتورات، (بالإنجليزية: Dementor) مخلوق خيالي في سلسلة هاري بوتر للمؤلفة البريطانية ج. ك. رولنغ، يحرس سجن أزكابان، ويتجول دائمًا في جماعات. الدمنتورات كائنات شبحية تتغذى على الذكريات السعيدة للبشر، وتجبرهم على استعادة أسوأ ذكرياتهم بالمقابل. كما يمكنها في حالات خاصة أن تنتزع منهم أرواحهم عن طريق تقبيلهم، فتترك الجسد فارغًا من الروح”.*

تساءلت حينها كيف يكون إحساس الشخص الذي تمتص منه السعادة، حتى جربت كيف يكون الاكتئاب.

الاكتئاب هو سرطان الأمراض النفسية، هو الوجه الآخر للفقد، وكأن سرادق عزاء منصوب للأبد داخل طيات عقلك، هو الإيقاع الرتيب للحياة يدق مساميره داخل نعش قلبك.

 

تنسحب الحياة منك كأنها تشعر بالعار كونك موجودًا فيها، فأنت قاتل دون قتيل، موتور دون ثأر، مذنب بلا خطيئة، ميت ولا عزاء لك.

لا أدري لمَ يزج البعض بالاكتئاب عندما يتحدثون عن الحزن، الحزن عاطفة إنسانية نبيلة ومهمة لصحتنا النفسية، إنه كالملح في الطعام، لا بد منه، لكن الكثير منه يفسده، إنه الفستان السواريه الأسود.. رغم لونه الكئيب لكنه أنيق.

 

أما الاكتئاب فهو رائحة الفم السيئة لأسنان لم تُغسَل منذ أسابيع، ووجه ملبد بالغيوم لم تمسه الماء منذ وقت ليس بقليل، ومنزل غير مرتب وأوانٍ متسخة متناثرة تتزاحم بعضها فوق بعض، وأكوام من الملابس ضلت طريقها إلى الدولاب.

 

الاكتئاب هو ارتداء الملابس ذاتها حتى تفوح رائحتها، هو الطعام المتعفن داخل الثلاجة، هو الأظافر الطويلة المتسخة والمتكسرة. الاكتئاب هو العين المنتفخة المتهدلة واليد المرتعشة وخفقان القلب والدموع المتجمدة. الاكتئاب هو مُر الانتظار عند عيادات الأطباء، وصرف الأدوية من الصيدلية وأنت تداري عارك أيها المذنب القاتل الموتور.

 

لا شيء أنيق في الاكتئاب، الوحدة جليسك وفي الليل الكوابيس متنفسك، وفي الصباح تستيقظ هواجسك، وما بين ذلك تراودك أفكار الانتحار عن نفسك. الاكتئاب هو آثار العدوان على جسدك، ودماؤك المتحجرة تحت أظافرك، والمناديل المعطرة بدموعك.

 

الاكتئاب هو الأعراض الجانبية للأدوية، فبعضها يشعرني وكأني داخل صندوق زجاجي، وفي أحيان كثيرة كنت أستغرب وجود قدمي ويدي، أو أشعر بثقل فيهما وكأنهما مربوطتان بأحجار، وبعضها الآخر كان يشعرني وكأن حزامًا مربوطًا حول دماغي، أو أرى هالات سوداء حول كل شيء، إنه الاكتئاب.. الحزن غير الأنيق، الثقب الأسود الذي يبتلع أرواحنا.

 

أتمنى لو كنت بشجاعة فرجينيا وولف أحمل أحزاني داخل جيوبي وأهبط بهما إلى حيث امتصت الديمنتورات سعادتي، لكن حتى ذلك الحين سأراود ذكرياتي عن نفسها، علها تتركني أنام دون كوابيس ولو لليلة واحدة.

 

المقالة السابقةدليلك لاختصار وقت المطبخ في رمضان
المقالة القادمةاحذري الرسائل المزيفة في الإعلانات
كلامنا ألوان
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا