اكتئاب ما بعد الولادة يصيب الآباء أيضًا

267

كان من المناسب تمامًا أن أخلط عمري بعمر صديقي ونخطو الحياة يدًا بيد، وسيأخذك الظن بعد كلماتي تلك لحلو الخيال وإيقاع نغمات العشق وكاسات الهوى، هذا ما ظننا أيضًا.

لن أرتدي هنا ثوب الوعاظ، أو أسير بقدم عارية في أنهار الإحباط. سأسرد قصة مرت بها أسرتنا الصغيرة في خضم الواقع الجامح.

 

عندما ترتدي الفتاة خاتمًا في يسراها وتنتظر مع من تحب أشهر طوال طفلهما الأول، تتلون الأحلام، وتكثر الأحاديث عن المستقبل.. قطرات مطر من البونبون الطفولي، ورحلات فكرية مبهجة. هذا تحديدًا ما اختبرنا طوال فترة حملي، حتى وضعت طفلتي وتلقَّى زوجي خبر إصابتها بمتلازمة داون، وأنا ما زلت بغرفة العمليات، ليأكل روحه القلق على التي ما خرجت بعد من الجراحة، ويخطف وجه قلبه الصدمة في طفلته.

 

يقع ما بين حيرة إخباري أو لا، وكيف سيُدَاهِم قلب صديقته بخبر كهذا؟ يطيل مدة الإخفاء لليالٍ ثلاث تداهمه فيها كل الأفكار المرعبة عن طفلته. هل ستحظى بصحة جيدة؟ هل تستطيع مواجهة المجتمع؟ هل ستتعلم وتُكوِّن أصدقاء؟ كل هذه الإشكاليات تقع في جعبته، مع ثِقل على أكتافه سندعوه للآن الأبوة.

 

ظننت لعمر طويل أن اكتئاب ما بعد الولادة يصيب الوالدة بعد الوضع، لكن أظهر العلم والتجربة أنه قد يصيب الأب أيضًا.

 

والاكتئاب “السريري” لا يصيب الفرد لأيام ويختفي كالاكتئاب العابر الذي يصيبنا جميعًا في ظروف مختلفة، لكنه سيصاحب زوجي لقرابة العام، يعاني خلالها اضطرابات شديدة في النوم ويحصل على حصة نوم تتراوح ما بين الساعة والساعتين. يفقد شغفه بالموسيقى والشعر والكتابة والأصدقاء، وتفقد كل متعة في حياته معناها وجدواها. يتغير سلوكه تدريجيًا للعزلة والحزن، وتفشل محاولاتي ومحاولات بعض الأصدقاء في غرس أي بهجة داخله، ويزداد إرهاقه، ويكرر علينا جمل الحزن والألم على أنها حقائق الحياة. شبح الاكتئاب وغيمته السوداء ستغطي روح صديقي الساخر المرح، وتعذب وجدانه لعام طويل.

 

قد لا يدرك الكثيرون صعوبة ألم الاكتئاب، هذا المرض الذي يحتبسك في غرفة مظلمة، ويحرمك طعم العيش ويسلبك كل طاقة وقدرة، لا راحة معه، وقد تظل عالقًا في شباكه لأعوام، وقد يودي بحياة ضحاياه أيضًا.

 

بعد جلسات قليلة مع الطبيب النفسي، سيستعيد زوجي طريقته في تحدي الصعاب، سيضع لنفسه نظام تغذية صحي، يمارس الرياضة بشكل يومي، ويبدأ عمل جديد، بعد شهور سيلمع في عينيه انتصار، ويروقه مجالسة طفلتنا بالساعات، ويطربك صوته الطازج وجنونه الحي.

 

لا ألوم على زوجي ما عاناه واختبرته أسرتنا من أوقات صعبة، فالمرض ليس اختيارًا. الاكتئاب لص محترف خفيف اليد يتصيد القلب والعقل، ويلقي فريسته في ديلمة الأفكار والمشاعر السلبية، ليغير كيمياء جهازه العصبي. من حق مريض الاكتئاب أن يؤخذ على محمل الجد، أن يستشعر الاحتواء والمساندة.

 

في الأخير، أعتذر للصديق على تقصيري، وافتتاني بابتسامة في عسره، وظني فيه الدلال لا التعب، وعن سوء تواصلي، وكوني مسبب ضغط أثناء محاولاتي للمساعدة.

المقالة السابقةحاربي كفتاة
المقالة القادمةعزيزي الزوج.. خلي بالك مراتك نفسة

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا